في كلمة له بواشنطن في ذكرى ما يعرف بـ"المحرقة اليهودية" في 06/05/2024 قال الرئيس الأمريكي جو بايدن: "إن إدارته تعمل على مدار الساعة لإطلاق سراح من بقي من الأسرى (الإسرائيليين) في قطاع غزة"، مؤكدا أن "دعم الولايات المتحدة لتل أبيب ثابت ولن يتغير؛ حتى لو كانت هناك خلافات". وأن ما وصفها بـ"كراهية اليهود" لا تزال مستمرة حتى الآن، وما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي دليل على ذلك، وتابع: "حماس ارتكبت أفعالاً رهيبة بحق (الإسرائيليين)، ونحن لن ننسى أبدا. رأينا صعوداً مرعباً لمعاداة السامية في العالم وأمريكا ومواقع التواصل الإلكتروني". وأضاف: "الدرس الأكبر من المحرقة بحق اليهود أن الكراهية لا تختفي بل تختبئ".
رغم الاختلافات الحاصلة بين نتنياهو وبايدن إلا أن هناك قواسم مشتركة، وثوابت في تعامل الإدارة الأمريكية مع كيان يهود، وهذه القواسم تحقق المصالح لكلا الدولتين في الشرق الأوسط. من هذه القواسم والثوابت:
1- كيان يهود وجد ليبقى حسب السياسة الغربية بشكل عام، وحسب سياسة أمريكا بشكل خاص.
2- الضغط الأمريكي، أو الغربي على اليهود هو ضمن هذا الخط العريض، وليس له أهداف أخرى.
3- استمرارية الدعم الأمريكي لكيان يهود هو استراتيجية ثابتة، رغم التهديدات الأمريكية بتحجيمه أحيانا.
4- التفوق النوعي لكيان يهود في موضوع التسلح هو مصلحة مشتركة للبلدين في جميع الأوقات.
5- الرعاية الأمريكية لكيان يهود ماليا وعسكريا لا تقف عند حدود الكيان بل إنها في كل العالم؛ وهي ضمن استراتيجية أمريكا الثابتة لدعم هذا الكيان وبقائه.
فالتعامل الأمريكي مع كيان يهود في موضوع السياسة الخارجية يقع ضمن هذه الخطوط الرئيسة العريضة، وهذا ما يفسر الدعم المتواصل للكيان، والتصريحات الثابتة في هذا الاتجاه، وخاصة ما حصل بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023. والسؤال المهم هنا: ما هي أسباب الخلافات السياسية بين بايدن ونتنياهو، وإلى أي حد يمكن أن تصل هذه الخلافات؟ وهل يمكن أن تدفع إدارة بايدن لممارسة الضغط السياسي والعسكري لمعالجتها؟
وللإجابة عن هذا السؤال نريد أن نقف على بعض الحقائق المهمة في نظرة أمريكا للمنطقة المحيطة بكيان يهود، وإلى الركائز التي تنطلق منها أثناء ما تقوم به من أعمال لتحقيق هذه النظرة الاستراتيجية، ومن هذه الركائز:
1- الدول التابعة لسياسات أمريكا في المنطقة سواء أكانت عميلة أو تدور في الفلك أو صديقة يجب أن تحافظ عليها الإدارات الأمريكية بحيث تضمن بقاء خدماتها في هذا الاتجاه.
2- إن ممارسة الضغوطات على كيان يهود عسكريا أو سياسيا يجب أن يبقى ضمن الدائرة الآمنة لدول المنطقة، ولا يجوز اختراق هذه الدائرة بحيث تؤدي إلى قلاقل، أو تؤدي إلى تهديد الأمن الداخلي لكيان يهود.
إن ممارسة الضغوطات أحيانا على كيان يهود كعدم التصدي لبعض القرارات في مجلس الأمن، أو التهديد بإيقاف بعض شحنات السلاح، أو الإيعاز لبعض الدول بتقديم شكاوى في محكمة الجنايات، أو غير ذلك، إنما يقع ضمن سياسة متوازية للإدارة الأمريكية؛ لتحقيق مصالح اليهود أولا، ولإيجاد الاستقرار السياسي لدول المنطقة، وضمان عدم وجود قلاقل أو خروقات يمكن أن تهدد أمن المنطقة بشكل عام.
فأمريكا لها نظرة من خلال الحرب الدائرة في غزة تستند أولا: إلى إنهاء هذه الحرب ضمن أهداف أمريكا ومصالح اليهود، وليس حسب نظرة اليهود وحدهم. فهناك أمور تسعى لها الإدارة الأمريكية وتقع ضمن أهدافها الثابتة في النظرة للحلول، بحيث تحقق مصلحة أمريكا، ومصلحة كيان يهود معا، ومن هذه الأهداف إيجاد الدولة الفلسطينية ضمن شكل معين بحيث تضمن استمرارية الاستقرار في المنطقة المحيطة، فهي تحتاج إلى مقدمات لإيجاد التطبيع، وإقامة علاقات السلام مع الدول المحيطة؛ ومن هذه المقدمات إيجاد حل لقضية فلسطين ضمن استراتيجية تراها أمريكا. وهذا الأمر قد برز في اشتراط بعض الدول قبل الدخول في عملية التطبيع مع كيان يهود. والأمر الثاني هو أن إيجاد المشاريع الاقتصادية الكبيرة التي تخطط لها أمريكا ضمن سياسة تحجيم الصين، وإغلاق النوافذ الخارجية أمامها، ولبقاء الدول الأوروبية أيضا تحت دائرة سيطرتها على الممرات والطرق المهمة بين الشرق والغرب، كل ذلك يقتضي إيجاد الاستقرار في المنطقة خاصة الشرق الأوسط، ومنه إيجاد الحل الآمن لغزة بشكل سياسي معين تسعى له أمريكا بالتعاون مع بعض دول المنطقة المحيطة.
لهذه الأسباب وغيرها فإن الإدارات الأمريكية تقدم الدعم لكيان يهود، وتسعى للمحافظة عليه سواء أكان ذلك ضمن أمور الحرب أو السلم والتطبيع، وهي أحرص على كيان يهود من نفسه في هذه السياسة. وهذه التصريحات التي تصدر في كل مناسبة من بايدن أو بلينكن أو كيربي أو سوليفان أو أوستن أو غيرهم... إنما تقع ضمن هذه السياسة، وستبقى هذه السياسة ثابتة ولن تتغير.
وفي الختام نقول: إن سياسات الغرب ومنه أمريكا تقوم على مبدأ التبرير سواء لأفعال اليهود، أو غيرهم ضمن سياسة البراغماتية وتحقيق الأهداف، حتى لو قتلت الآلاف من الشعوب سواء أكانوا من أبنائها أو أبناء غيرها، كما حصل في أحداث الحادي عشر من أيلول 2001 وما تبعه من حرب على العراق وأفغانستان عام 2003، وإن هناك أهدافاً مشتركة، ومصالح مشتركة بين أمريكا وكيان يهود أساسها حالة العداء لأمة الإسلام، والعمل على الحيلولة دون عودة الإسلام السياسي في بلاد المسلمين. وهي كذلك تتبع طريقة الكذب واللف والدوران، والحيل السياسية في إظهار الضغط على اليهود ظاهرا لإرضاء بعض الدول في المنطقة، أو من أجل تهدئة الشعوب الثائرة في أمريكا وأوروبا، وهذا من صميم المبدأ الرأسمالي في نظرته للسياسة بأنها تقوم على اللف والدوران، والكذب وإخفاء الحقائق من أجل المصالح. وهي تبرر أعمال كيان يهود بشكل دائم، وتوجد له الذرائع، ولا تنتقده إلا بشكل محدود، وضمن سياستها ونظرتها للأمور. وهذا يقودنا للحقيقة الكبرى التي أكد عليها القرآن الكريم في أكثر من آية، حيث قال تعالى: ﴿وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾.
وأخيرا نصل إلى الحقيقة الساطعة وهي أن السبب الرئيس لكل مآسي المسلمين، إنما هو تخاذل حكام المسلمين عن نصرة غزة، وبقاؤهم ضمن العمالة والتبعية والذل والهوان. وإن أولى الواجبات على الأمة إن أرادت أن تنصر غزة هو أن تقوم بخلع هؤلاء المجرمين، وإزالتهم، وتوحيد أمة الإسلام ضمن دولة واحدة، ترفع راية واحدة، وتعلن الجهاد على كيان يهود، وتخلع شرهم وفسادهم، وتعيد للأمة عزتها ومكانتها وكرامتها ورفعتها. اللهم عجل لأمة الإسلام بأسباب العزة، وارفع عن إخواننا في غزة وكل أرض الإسلام ما هم فيه من بلاء عظيم.
رأيك في الموضوع