إن الناظر اليوم لما آلت إليه أحوال ثورة الشام المباركة وإلى ما وصلت إليه بعد هذه السنين الطويلة من عمرها يستوجب عليه النظر إلى العالم نظرة مستنيرة من زاوية العقيدة الإسلامية وإلى النظام العالمي الرأسمالي الوحشي المتهاوي الذي اجتمع هو وحلفاؤه على المسلمين وعلى ثورة الشام بالتحديد، فهم يعملون على إسقاطها مهما كلفهم الأمر لأنهم يعلمون أن نجاحها ووصولها لهدفها وهو إسقاط النظام المجرم في دمشق وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه، يعني بداية تغيير النظام الدولي وتغيير شكل الخارطة السياسية وميزان القوى العالمي.
إن العالم اليوم يعيش في بحر من الظلمات وسط أمواج عاتية من الأزمات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية وفي كل مناحي الحياة نتيجة سيطرة الرأسمالية الغربية، وغياب الحكم بما أنزل الله، وسيادة شريعة الغاب في العالم أجمع، خاصة في ظل سيطرة المبدأ الرأسمالي على العالم وفرض أنظمته وحضارته على الناس ما جرّ على البشرية جمعاء الشقاء.
إن ثورة الشام المباركة تحاك لها في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها، مؤامرات كبيرة، فقد ازدادت التصريحات من أمريكا وعلى لسان مبعوثها الخاص إلى سوريا غير بيدرسون حيث قال في آخر تصريح له: "نحتاج إلى تطبيق القرار 2254 لأنه يخاطب المخاوف الرئيسية لدمشق والمجتمع الدولي".
وكثير من التصريحات في المرحلة الأخيرة التي تظهر مخاوف أمريكا والدول الغربية من انفجار الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط وفي سوريا على وجه التحديد، فالجميع ينظر لثورة الشام كأنها القنبلة الموقوتة التي يُخشى من انفجارها.
فهذه التصريحات تدل على الخوف والقلق من جانب أعداء الثورة وخصوصاً أمريكا، فالجميع يشعر بخطر الثورة ويرى قرب انفجارها ويحاول تأخير ذلك.
والسبب الأساسي في محاولة تأخير انفجار هذه الثورة هو غياب الحلول وانعدام الرؤية وأن لا حل يلوح في الأفق إلا القرار الدولي 2254 والحل السياسي الأمريكي الذي كانت نهايته واضحة وهي الإخفاق، ورفض أهل الشام الثائرين الذين أبوا إلا أن تكون ثورتهم لله وفي سبيل تحكيم شرع الرحمن بإسقاط هذا النظام المجرم وإقامة حكم الإسلام على أنقاضه.
فالعالم يغلي والقوى العالمية تتوجس مما يحصل داخلها من تغيرات، فالمبدأ الرأسمالي يكاد ينهار في نفوس أبنائه، وأصبح غير قادر على حل المشاكل في العالم من أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية، ولا عند منظريه أنفسهم، وأصبح شبه عاجز أو بتعبير آخر ميتا سريرياً وفي غرفة الإنعاش يلتقط أنفاسه الأخيرة قبل الوداع والسقوط المدوي القريب بإذن الله.
فاليوم وهذه المرحلة بالتحديد هي مرحلة سقوط حضارة ونهوض أخرى بمبدئها ومفاهيمها وأفكارها ونظامها ووجهة نظرها عن الحياة، فالمبدأ الرأسمالي وحضارته وأفكاره العفنة إلى زوال بإذن الله، وقد ظهر اليوم إفلاسهم وعجزهم عن حل المشاكل عند أبناء المبدأ أنفسهم بالإضافة لشقاء البشرية جمعاء جراء هذا المبدأ العفن المخالف لفطرة الإنسان السليمة.
إن ثورة الشام المباركة انطلقت من المساجد وصدحت حناجر الثائرين فيها "هي لله هي لله" ولتحكيم شرع الله، فأرعبت أمريكا والغرب كافة، فبعد مئة سنة من إسقاط دولة الخلافة العثمانية واحتلال البلاد الإسلامية وتمزيقها ووضع نواطير عليها ومحاربة المسلمين فكريا وسياسيا واقتصاديا لم تنطفئ جذوة الإسلام في قلوب المسلمين فكانت جمراً تحت الرماد، وما لبثت حين أتيح لها المجال أن قامت بالثورات حتى انتفض أهل الشام الثائرون بكبارهم وصغارهم، بشيبهم وشبابهم، وبنسائهم الخنساوات، وأعلنوها ثورة هزت أركان الطغاة دون رجعة عن هدفهم وهو إسقاط النظام المجرم وتحكيم الإسلام.
فلذلك يراقب الجميع ثورة الشام المباركة؛ فالصديق ينتظر نصرها وتمكين الثلة المؤمنة في الشام وإقامة حكم الإسلام في ظلال الخلافة على منهاج النبوة لتخليص البشرية والمسلمين من ظلم هذه الرأسمالية الفاسدة التي أهلكت الحرث والنسل. أما العدو فهو يتربص بثورة الشام ويمكر بها ويقعد لها كل مرصد للإجهاز عليها وإسقاطها، وهذا ما رأيناه طوال أكثر من عقد من الزمن، فالأعداء يحيطون بثورة الشام من كل جانب ويعملون على إسقاطها، ولكن كانت معية الله لأهل الشام الثائرين ولثورتهم المباركة ظاهرة جلية للعلن يراها الجميع، وهذا ما حطم إرادة أمريكا وجعل محاولاتها للقضاء على الثورة تبوء بالفشل. فإرادة أهل الشام وصبرهم على أمر الله مع رعايته سبحانه أمران لا يقهران ولا يستطيع أحد مجابهتهما.
إن الحراك الجديد المبارك الذي مضى على انطلاقه سنة وقد بدأ في سنته الثانية بصبرٍ وجلدٍ وجهودٍ جبارة وثباتٍ عظيم في وجه أعداء هذه الثورة المباركة من قبل حملة الدعوة المخلصين ومعهم أهل الشام الثائرون، قد انطلق نتيجة انتهاك الحرمات واعتقال الشرفاء والثوار على يد قيادة هيئة تحرير الشام وجهاز ظلمها العام والتي ظهرت للعلن عمالتها للتحالف الدولي على مستوى قادة الصف الأول باعترافهم.
واليوم بعد انقضاء عام كامل على انطلاق الحراك الشعبي المنظم المطالب بإسقاط الجولاني وجهاز ظلمه العام وتبييض السجون وفتح الجبهات وإسقاط النظام، ما زال الأحرار والثوار والمجاهدون المخلصون في الساحات والزخم الشعبي يزداد يوماً بعد يوم وبوعي أكبر تجاه ما يحدث، فأهل الشام قد كشفوا ألاعيب جميع الدول بهمة أبنائهم الصادقين الغيارى أصحاب الفكر المستنير، وعرفوا العدو من الصديق وعلموا أن لا خلاص لهم إلا بإسقاط هذا الطاغية وجهاز ظلمه العام، فهم الخط الأول في وجه الثائرين وهم حماة هذا النظام المجرم، فإسقاطهم اليوم بات مطلباً شعبياً ورأيا كاسحاً عند جمهرة أهل الشام الثائرين.
إن ثورة الشام المباركة وحراكها الشعبي اليوم يسير بهمة الصادقين نحو تصحيح مسار الثورة واستعادة قرارها من مغتصبيه، فالمخلصون الصادقون من أبناء الثورة بدأوا بالتحرك من جديد لتحقيق ثوابت هذه الثورة، وسيقفون بقوة ضد هؤلاء العملاء المرتبطين وسيدهم النظام التركي عرّاب المصالحات مع النظام المجرم. وها هي مقومات النصر لهذه الثورة أخذت تتكامل بإذن الله.
فيا أهلنا الثائرين: لم يبق بينكم وبين النصر على عدوكم إلا خطوة واحدة وهي تبني مشروع الدستور الذي يقدمه لكم إخوانكم في حزب التحرير، وعنده تصور ورؤية واضحة لكيفية السير بهذه الثورة لبر الأمان ولطريق الخلاص، فلا تتوانوا عن اتخاذه قيادة سياسية مخلصة لكم تصون تضحياتكم وتكون رائدا لا يكذب أهله، خبرتم صدقها وإخلاصها، وكانت في مقدمة الصفوف تذود عن الثورة وعن الإسلام، تسير بكم وبالثورة لإسقاط النظام المجرم لنقيم على أنقاضه دولة الخلافة الراشدة التي ستحرر بيت المقدس من رجس يهود فإن هذا والله لهو الفلاح والفوز العظيم في الدنيا قبل الآخرة.
قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ إبراهيم معاز
رأيك في الموضوع