إن سياسة بريطانيا الخارجية تقوم على أساس الاستعمار والمحافظة على وجودهم في السياسة الدولية مهما كلف ذلك من ثمن. وهي تحاول باستماتة الرجوع إلى الوجود الدولي والاشتراك في السياسة الدولية. وبعد انفراد أمريكا بقيادة العالم وحدها صارت بريطانيا تحاول أن تغرز عودها مع أمريكا دون أن تواجهها لأنها لا تستطيع أن تقف أمامها. وهي تعتمد على عقد الصفقات وجلب العملاء والتأثير بهم.
أما السياسة الإنجليزية في السودان، فبعد أن أخذت أمريكا منها البلاد عن طريق انقلاب النميري أصبحت بريطانيا تعتمد على الوسط السياسي الذي شكلته من الأحزاب والمثقفين والحركات المسلحة. حتى تستطيع أن تأخذ أكبر قطعة من كيكة السودان يمكن أن تختطفها من أمريكا. فتلك الأحزاب والحركات المسلحة التي أنشأتها هي التي جعلت لها وجوداً في السودان حتى بعد أخذ أمريكا للبلاد. فبعد إسقاط البشير وفي 05/12/2022م عادت تلك القوى السياسية للضغط على العسكر والتوافق معهم، وهو توافق مؤقت إلى أن يتمكن أحد الطرفين من الاستحواذ على النفوذ كاملا عسكريا ومدنيا. فأمريكا وبريطانيا لن تتعايشا بهدوء فمصالحهما مختلفة وأدواتهما المحلية تتبع لهما، ولذلك يعمل كل من الطرفين لإجهاض تحركات الآخر. فكانت تحركات فولكر ودستور المحامين ما جعل البرهان وحميدتي يسارعان بالانقلاب على شركائهم.
ولكن كل تلك المحاولات لم تنجح في إخراج عملاء الإنجليز من لعب دور في السياسة السودانية إلا بافتعال هذه الحرب العبثية بين البرهان وحميدتي، عملاء أمريكا. ورغم كل ذلك نجد أن بعض عملاء الإنجليز مثل (جبريل.. ومني) قد أوعزت لهم بريطانيا أن يشتركوا بقواتهم مع الجيش. فالإنجليز كعادتهم (رِجل في الداخل والأخرى في الخارج) لا يستطيعون مواجهة أمريكا، ولكن يتصيدون الفرص لأخذ نصيب من الكيكة فوسائلهم الاستعمارية خبيثة.
فالسياسة الإنجليزية تجاه السودان، هي لعرقلة أمريكا أو أخذ نصيب من الكيكة، وتسير بثلاث طرق:
1- الطريق القانوني للضغط الدولي على عملاء الأمريكان (قيادات الجيش، وحميدتي، وحركة الحلو)، وذلك عبر المحكمة الجنائية الدولية والبعثة الأممية في السودان، ومحكمة العدل الدولية. ففي 28/04/2024م اتهمت وزارة الخارجية السودانية، بريطانيا بتغيير صيغة وطبيعة جلسة المشاورات المغلقة التي عقدها مجلس الأمن الدولي بشأن السودان، مشيرة إلى أن "الجلسة ناقشت الأوضاع السودانية العامة، بعد أن كانت مخصصة لمناقشة شكوى السودان ضد الإمارات".
2- الطريق الثاني الذي تتخذه بريطانيا للولوج في السودان هو المساعدات الإنسانية، وذلك كمؤتمر باريس الذي عبره تريد أن تقوي عملاءها من العسكر وأن تحافظ على نفوذها في القرن الأفريقي. فقد صرحت وزارة الخارجية الفرنسية في مؤتمر باريس أن الاهتمام الدولي ينصب على أوكرانيا وغزة أكثر من السودان، مشيرة إلى أن أزمة السودان إنسانية، ولكن جيوسياسية أيضا، وقالت الوزارة إن خطر تفكك السودان وزعزعة استقرار القرن الأفريقي بكامله كبير جدا.
3- وأما الطريق الثالث الذي تسلكه بريطانيا لزعزعة نفوذ أمريكا في السودان، فهو إنشاء حركات مسلحة ولكنها ضعيفة، غير أنها تقوم بإثارة النعرات والانفصال. فقد وقع كل من الحلو وعبد الواحد وحمدوك اتفاقا في نيروبي في 19/05/2024 جاء فيه في الفقرة ز: "معالجة تركة الانتهاكات الإنسانية من خلال الدولة، والمحاسبة التاريخية، وفي حالة عدم تضمين هذه المبادئ المتفق عليها في الدستور يحق للشعوب السودانية ممارسة حق تقرير المصير". وهذا يعني أنه جعل الشعب الواحد شعوبا، ليسهل بعد ذلك تمرير فكرة حق تقرير المصير الذي يعني الانفصال.
فبريطانيا تعمل على أخذ جزء من كيكة السودان في دارفور بعد أن فقدت الأمل في الشمال بشيطنة أحزابها من خلال ربطهم بحميدتي. ولذلك نجد تخوف عملاء الإنجليز من انفراد قوات الدعم السريع بدارفور بعد الهجوم على الفاشر. فقد صرح مني أركو مناوي بعد الهجوم على الفاشر أن "الهجوم على الفاشر يعني ترسيم حدود دولة جديدة في غرب السودان". وهو ما يعبر عن خوف من أن تستأصل أمريكا جذور بريطانيا في غرب السودان، كما فعلت في الجنوب، وبالتالي خروج بريطانيا ونفوذها من السودان بالكامل.
إن الناظر إلى الطرق التي تتدخل بها بريطانيا في البلاد، يجد أنها وسائل استعمارية. ولا يمكن الانفكاك منها ومن الاستعمار برمته؛ الأمريكي والأوروبي (العسكري والمدني) إلا بجعل الإسلام وحده أساس حياة الأفراد والدولة والمجتمع، في ظل دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فهي وحدها القادرة على قطع يد الاستعمار وأذنابه.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع