وقّع وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس ونظيره القطري خالد العطية اتفاقا قيمته 12 مليار دولار أمريكي لبيع قطر 36 طائرة مقاتلة من طراز إف-15، وتمّت الصفقة في وقتٍ تأكّد فيه أنّ إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي التي دفعت السعودية لفرض حصارٍ خانقٍ على قطر براً وبحراً وجواً، فيما يُكرّر فيه ترامب اتّهاماته لقطر بتمويل (الإرهاب)، فقال في 9/6/2017: "إنّ دولة قطر للأسف لديها تاريخ طويل في تمويل (الإرهاب) على مستوى عالٍ جدًا، وعلينا أن نوقف تمويل (الإرهابيين)، وقرّرْتُ مع وزير الخارجية، وكذلك الجنرالات بالجيش الأمريكي دعوة قطر لإنهاء تمويلها لــ(الإرهاب)"، وبعد توقيع الاتفاق مُباشرةً انطلقت مناورات عسكرية أمريكية قطرية هي الأولى من نوعها منذ بدء أزمة الحصار في الخامس من حزيران/يونيو الجاري، وشارك في التدريبات التي جرت في المياه القطرية جنوب العاصمة الدوحة سفينتان من قوات البحرية الأمريكية، وقطع بحرية من القوات الأميرية القطرية، وتضمنت المناورات عدداً من التمارين الخاصة بالعمليات البحرية المتعلقة بالتدريب على رماية المدفعية والصواريخ البحرية، إضافة إلى بعض التمارين البحرية المشتركة مثل الإمداد والإخلاء الطبي بواسطة الطائرات المروحية.
إنّ هذه السرعة في إبرام صفقة شراء الطائرات قبل رفع الحصار عن قطر، وما تبعها من إجراء مُناورات بحرية قطرية أمريكية لا تعني إلاّ شيئاً واحداً: ألا وهو أنّ قطر قد استجابت للضغوطات الأمريكية، وأنّها قد خضعت لإملاءات إدارة ترامب، فسارعت بتقديم جزءٍ من الإتاوة الأمريكية المفروضة عليها بقيمة 12 مليار دولار حتى قبل رفع العقوبات المفروضة عليها، وهو يعني أيضاً أنّها لم تعُد قادرة على المُماطلة في الدفع كما فعلت إبّان إدارة أوباما التي كانت قد أعلنت في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي 2016 عن صفقة محتملة لبيع 72 طائرة إف 15 إلى قطر بقيمة 21.1 مليار دولار، لكنّ قطر تهرّبت وقتها من تنفيذها، وتجاهلتها، إلى أنْ جاءت إدارة ترامب التي عاقبت قطر من خلال فرض السعودية الحصار عليها، وهو ما أدّى إلى خضوعها، ودفعها نصف قيمة الإتاوة المفروضة عليها، على أنْ يتبعها النصف الآخر بعد مدة.
وبعد هذا الخضوع علّق مسؤول قطري على هذه الصفقة بالقول: "هذا بالطبع دليل على أن المؤسسات الأمريكية معنا، ودعم أمريكا لقطر متأصل، ولا يتأثر بسهولة بالتغيرات السياسية"، ولكن أمريكا حتى الآن - ومع كل هذا الخضوع - لم تأمر السعودية برفع الحصار المفروض على دولة قطر، ويبدو أنّها تُريد المزيد من إذلالها.
إنّ قطر التي غدت مطبخاً رئيسياً للسياسات البريطانية في المنطقة، ومنبراً إعلامياً كبيراً للتشويش على السياسة الأمريكية، ومركزاً لكشف خططها وفضح عملائها، ومغناطيساً سياسياً كبيراً لجذب القوى السياسية الإسلامية (المعتدلة) المُناوئة للسياسات الأمريكية، وملاذاً لقياداتها، إنّ قطر بهذه الأعمال لا شكّ أنّها آذت أمريكا وضايقتها كثيراً، وجاء الرد الأمريكي عليها من خلال عميلها الملك سلمان، والذي أوكلت إليه القيام بدور نشط مقابل للدور القطري، ومُهدّدٍ له، فكان ثمرته هذا الحصار الخانق المشاهَد ضد قطر.
وجدت قطر أنّه لا مناص لها من اللجوء إلى حل مالي يُخفّف عنها ضغط الحصار لعله يُسرّع في رفعه، ويكون بديلاً أقل سوءاً عن الخضوع التام للإرادة الأمريكية، فكانت هذه الصفقة التي أشبعت نهم إدارة ترامب شيئاً ما، وملأت الخزينة الأمريكية بالأموال.
لم تستطع بريطانيا ومعها أوروبا الدفاع عن قطر في أزمتها تلك، ولا الوقوف في وجه (البلدوزر) الأمريكي الذي أطلق عاصفةً هجوميةً حادّةً على عملاء أوروبا، وهو الأمر الذي جعلها تنحني أمام تلك العاصفة.
إنّ تمادي أمريكا في ابتزاز البلاد العربية والإسلامية، وفرض الإتاوات عليها، ونهب المليارات منها بذريعة بيع الأسلحة، ما كان ليحصل لو كان هناك حاكمٌ في هذه البلاد يملك قراره، أو لو كانت هناك دولةٌ في هذه البلاد تملك السيادة الحقيقية، ولكنّ انبطاح الحكام لأمريكا بهذا الوضع المهين، واستسلامهم لها بهذا الشكل المُخزي، لهو دلالة على قرب نهاية حكمهم الذليل، وزوال دولهم المصطنعة.
فشعوب هذه الدول قد فاض بها الكيل، ولم تعُد تُطيق هذا الإذلال المُشين الذي تُمارسه أمريكا بحق بلدانهم بكل هذا السفور، وها هي تتحسّس طُرق التغيير الأكثر مُلائمةً للتمرد على أدوات أمريكا، وعلى سياساتها المُتغطرسة في المنطقة، فالمسألة لم تعُد سوى مسألة وقت، والتغيير قادمٌ لا محالة، والمد الإسلامي يشتدّ يوماً بعد يوم، والثورات تتوالى موجاتها جيلاً بعد جيل، وحالة الركود والسكون التي استوطنت لدى الشعوب في زمن الهزيمة بعد الاستعمار قد ولّت إلى غير رجعة، وحلّ مكانها حالة دينامية فعّالة مُنتجة ستُثمر - بإذن الله - غِراساً نشطة تتحرك بقوة وحيوية لإيجاد دولة إسلامية فتية، تكنس كل الوجود الأمريكي والاستعماري من ديار المسلمين كنساً تامّاً، وتحمل الدعوة الإسلامية حملاً حقيقياً، تتغير معه المقاييس والموازين والقوى تغيراً انقلابياً جذرياً، وتتبوأ عندها دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة المكانة التي تليق بها، وتتولّى مقاليد الأمور العالمية من غير مُنازع.
رأيك في الموضوع