لطالما كانت خطوط التقسيم بالمنطقة تضعها أطراف خارجية عبر القوى الاستعمارية الغربية، ويتم تنفيذها بأيدي عملائه المحليين، السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق لم يُخفِ مطلقا طموحاته الانفصالية عن العراق، وإقامة دولة كردية مستقلة؛ فقد أكد يوم الأربعاء 9 حزيران خلال اجتماع حضره ممثلون عن الأحزاب السياسية في الإقليم أن الوقت حان لإعلان الدولة الكردية وضرورة الاستقلال عن الحكومة المركزية بشكل سلمي، موضحاً: "أنه لا حاجة للحصول على ترخيص من بغداد لإجراء الاستفتاء على الاستقلال الذي تم تحديده في 25 أيلول وأضاف أنه "سيصوت في ذلك اليوم سكان منطقة كردستان وباقي المناطق المتنازع عليها ليقولوا إن كانوا يقبلون الاستقلال". وتشير عبارة "المناطق المتنازع عليها" إلى مناطق في شمال العراق وخصوصا محافظة كركوك الغنية بالنفط، وتابع أنه تقرر خلال الاجتماع تشكيل ثلاث لجان بشأن الاستفتاء وبرئاسة رئيس الإقليم، مسعود بارزاني، حيث ستقوم اللجنة الأولى بزيارة الدول العربية لبحث عملية الاستفتاء في إقليم كردستان، وتشكيل لجنة ثانية لزيارة الدول الإقليمية، وتشكيل لجنة ثالثة وأخيرة لزيارة بغداد لبحث عملية الاستفتاء في إقليم كردستان.
سبق هذا الإعلان تصريحات على درجة خطيرة من الأهمية تعكس طموحات البارزاني في الاستقلال أثناء زيارته التي قام بها إلى جبهات القتال قرب الموصل، واجتماعه مع قادة البشمركة. يمكن استخلاص بعض النقاط الأكثر أهمية التي تسلط الأضواء على الخطط المستقبلية للزعيم الكردي؛ النقطة الأولى: تأكيده أنه بحث مسألة استقلال إقليم كردستان بوضوح خلال زيارته الأخيرة لبغداد (قبل شهرين)، ولقائه مع السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء، حيث أكد له على وجوب التفاهم، وحسن الجوار، وتجنب الصراعات، وقال "إذا لم نتوصل إلى حل مع بغداد فالاستفتاء هو الحل". النقطة الثانية: تشديد البارزاني على أنه اتفق مع أمريكا على عدم الانسحاب من "المناطق الكردستانية" التي "حررتها" قوات البشمركة "بدماء 11500 شهيد وجريح، ومن غير الممكن بعد كل هذه التضحيات أن نقبل بالتعامل المباشر للمركز مع المحافظات" وسنحتفظ بكل هذه المناطق المحررة. أي أن هناك تفاهما أمريكيا بارزانياً مسبقا على إعلان استقلال إقليم كردستان فور القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" في الموصل، وضم جميع الأراضي التي "ستحررها" قوات البشمركة إلى الدويلة الجديدة المستقلة، بما في ذلك كركوك الغنية بالنفط، والقرى المحيطة بالموصل، علاوة على جبل سنجار. هذا ما أكده رئيس "هيئة المناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة إقليم كردستان" نصر الدين سندي بوجود "تفهم أجنبي" إزاء الاستفتاء في كردستان، وأضاف سندي أن "الإسراع بإجراء الاستفتاء سيكون في صالح كردستان كونها تتمتع حاليا بدعم دولي"، مشددا على "ضرورة عدم تأخير الاستفتاء والاستفادة من الدعم الدولي للإقليم". وأكد سندي "ضرورة أن تتخذ القيادة السياسية الكردستانية قرارا تاريخيا لشمول المناطق الكردستانية الواقعة خارج إدارة الإقليم بالاستفتاء". السيد البارزاني، لم يحدد ما هي المناطق الكردستانية التي اتفق مع الأمريكان على عدم انسحاب قوات البشمركة منها، وستصبح ضمنيا جزءا من الدولة الكردية، وترك هذه المسألة مفتوحة، لأن الحرب ما زالت مستمرة، وتقدم قواته مستمر أيضا، ولكنه لمّح إلى أن حدود هذه الدولة ستترسم في النقطة التي ستتوقف عندها هذه القوات في نهاية الحرب.
في أول رد حكومي على الإعلان، قال المتحدث باسم مكتب رئيس الوزراء العراقي سعد الحديثي لوكالة فرانس برس "نحن نحتكم إلى الدستور، وموقف الحكومة العراقية في ما يخص العلاقة مع الإقليم يستند إلى الدستور العراقي". وأضاف "نؤكد على أن المرحلة الحالية تشهد تحديات ومخاطر تهدد أمن العراق واستقراره، وعلى جميع الأطراف أن تعمل وفقا لذلك، عبر الحوار ومعالجة الملفات الخلافية وعدم اتخاذ خطوات أحادية الجانب". بينما ذكر رئيس كتلة ائتلاف دولة القانون النيابية علي الأديب أن "الاستفتاء الذي دعت إليه حكومة إقليم كردستان هو قرار انفرادي تقوم به حكومة الإقليم بمعزل عن الحكومة الاتحادية"، مؤكدا أنه "يأتي ضمن القرارات والخطوات الانفرادية التي تقوم بها". مبينا أن "اتخاذ هذه الخطوة يأتي في مرحلة مفصلية تتزامن مع القضاء النهائي على عصابات داعش الإرهابية"، واعتبر أن "توقيت الاستفتاء خاطئ جدا، لا سيما وأن الوضع الإقليمي والدولي لا يسمحان بمثل هذه الخطوة ويمكن أن يجر الشعب الكردي إلى مزيد من الأزمات والمشاكل". بينما ذكر ممثل وزارة الخارجية الأمريكية، هايزر ناويرت أن الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق سيصرف الاهتمام عن محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي وذكر خلال مؤتمر صحفي: "أن الولايات المتحدة تدعم عراقاً موحداً، وفدرالياً، وديمقراطياً، ومستقلاً، نحن نفهم ونحترم السعي القانوني لسكان كردستان العراق. إلا أننا أعربنا عن مخاوفنا لسلطات كردستان العراق حول أن إجراء الاستفتاء، على الرغم من أنه لا يحمل طابعا إلزاميا، سيصرف الاهتمام عن التعامل مع مسائل أكثر أهمية، منها محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي".
يتضح من خلال تصريحات الأمريكان والحكومة أنه ليس هناك اعتراض حول الاستفتاء وإنما حول التوقيت؛ فثمة اتجاهان رئيسيان يتحكمان في النظرة إلى الدويلة الكُردية المرتقبة، لا يختلفان على الفكرة وإنما على التوقيت، الاتجاه الأول: يتزعمه رئيس إقليم كُردستان والحزب الديمقراطي الكُردستاني مسعود بارزاني، والذي يرى أن الظروف مهيأة إلى حد كبير للعمل على إعلان الدويلة، لا سيما بعد المشكلات والأزمات العديدة مع الحكومة الاتحادية في بغداد، فيما يتعلق بالمادة 140 من الدستور والخاصة بالمناطق المتنازع عليها، وقانون النفط والغاز وتوزيع الثروات والمشاركة في القرار السيادي في البلاد. أما الاتجاه الثاني: فتتزعمه قوات الاحتلال والحكومة العراقية وهو لا يختلف مع الاتجاه الأول سوى بالتوقيتات الزمنية، سواء بإجراء الاستفتاء أو إعلان الدولة الكُردية المستقلة، ويعتقد هذا الاتجاه أن الوقت غير مناسب بعد لتحقيق الحلم الكُردي بسبب مشكلات البلاد الداخلية والظروف الخارجية المتعلقة بموقف كل من إيران وتركيا وسوريا المتخوفة من اتخاذ هذه الخطوة من أن يشجع بقية الأكراد عندهم بخطوة مماثلة أو الانضمام للدولة الكردية المستقلة، وربما ينتظر هذا الاتجاه إلى حد كبير متغيرات الخارطة الجديدة للشرق الأوسط، التي أعلن عنها الأمريكان ولا سيما فكرة أن لا عراق ولا سوريا سيكونان كما هما على الخارطة الجديدة، ما يعني أن الخارطة الجديدة، ربما ستظهر فيها حدود للدويلة الكُردية. فمنذ أن فرضت أمريكا مناطق الحظر الجوّي على شمال العراق عام 1991، أصبحت منطقة كردستان شبه دولة، وعندما احتلت أمريكا العراق 2003 كان النظام الذي وضعه بريمر سيئ الصيت، يقوم على أساس طائفي مذهبي قومي. حيث صاغت اللجنة المكلفة بكتابة الدستور بجعل العراق دولة اتحادية "فدرالية" على أساس الأقاليم مثل إقليم كردستان التي نصت المادة (1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 على أن (جمهورية العراق دولة اتحادية)، ونصت المادة (116) على أن يتكون النظام الاتحادي في جمهورية العراق من عاصمة وأقاليم ومحافظات لا مركزية وإدارات محلية، أما المادة (117) فإنها قضت بأن يقر هذا الدستور عند نفاذه إقليم كردستان وسلطاته القائمة إقليماً اتحادياً، والذي ينظر في صلاحيات هذا الإقليم يدرك مدى تفكيك العراق في المستقبل القريب وبخاصة وأن المادة (119) تنص على "إمكانية استحداث أقاليم أخرى"، وهكذا بذرت أمريكا بذور تفكيك العراق من خلال دستور ملغم ومن قبل احتلاله بعشرات السنين.
يجب أن يكون بعلم الجميع وخصوصاً إخوتنا الكرد أن مشروع الفدرالية في العراق نقيض لرابطة العقيدة والأخوة، وقد يؤدي إلى حروب أهلية وفتنة كبرى لا يعلم مداها إلا الله، وسيخسر المسلمون جميعاً عرباً وكرداً، سنة وشيعة، كما خسرت الأمة من قبل في اتفاقية (سايكس بيكو) المشؤومة سنة (1916م) التي مزقت أمتنا شر ممزق، وقطعت أوصالها وأصبحت فريسة للاستعمار تلتهمها بكل شراهة ووحشية ببدعة القوميات والموالاة والتبعية، ولا زالت تعيش آثار هذه المؤامرة الاستعمارية وتئن تحت وطأتها ذليلة في دويلات صغيرة وضعيفة ترزح تحت وصاية الاستعمار وهيمنته إلى يومنا هذا.ثم إﻥ ﺣﻜﻢ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻓﻲ ﻭﺍﻗﻊ ﺍﻟﻔﺪﺭﺍﻟﻴﺔ التي هي مقدمة إلى الانفصال والاستقلال ﻫﻮ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻢ ﻗﻄﻌﺎ لأن نظام ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻓﻲ ﺍﻹﺳﻼﻡ هو ﻧﻈﺎﻡ ﻭﺣﺪﺓ ﺗﺎﻣﺔ ﻭﻟﻴﺲ ﻧﻈﺎﻣﺎ ﺍﺗﺤﺎﺩﻳﺎ ﺗﻨﻔﺼﻞ ﺃﻗﺎﻟﻴﻤﻪ ﺑﺎﻻﺳﺘﻘﻼﻝ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ، ﻭﺍﻹﺳﻼﻡ ﺟﻌﻞ ﻗﻀﻴﺔ ﺗﺠﺰﺋﺔ ﺑﻼﺩ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﺟﺮﻳﻤﺔ ﻻ ﺗﻐﺘﻔﺮ ﻭﻗﻀﻴﺔ ﻣﺼﻴﺮﻳﺔ ﻳﺴﺘﺤﻖ ﻣﺮﺗﻜﺒﻬﺎ ﺍﻟﻘﺘﻞ ﻟﻘﻮﻟﻪ e «مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ» رواه مسلم. وهكذا فالاتحاد الفدرالي من حيث الأصل حرام قطعاً، فكيف إذا علم أنه يتم وفقاً لمشروع صليبي في المنطقة لخدمة أمريكا ومشاريعها الاستعمارية؟!
على إخوتنا الكرد أن يدركوا أنهم جزء أصيل من هذه الأمة العريقة وأنه كانت لهم البطولات في رد الحملات الصليبية عليها واسترجاع أراضيها المغتصبة وإعادة توحيدها وتحرير فلسطين بقيادة صلاح الدين الأيوبي، وأنه لا سبيل أﻣﺎﻣﻬم ﻟﻠﻨﻬﻮﺽ إلا إذا أدركوا هذه الحقيقة وتخلصوا من الفكر القومي ونبذوهُ وراء ظهورهم وتبنوا مشروع الأمة المتمثل ﺑﺎﻟﻌﻮﺩﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﺤﺘﻤﻞ ﺇﻻ ﺇﻗﺎﻣﺔ الخلافة على منهاج النبوة، ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻤﻘﺪﻭﺭﻫﺎ أﻥ ﺗﺨﻠﺺ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ جميعا ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻭﻓﻲ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻌﻤﺮﻳﻦ ﻭﺍﻟﻌﻤﻼﺀ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﻨﺎﻓﻘﻴﻦ. ﻭأﻥ ﻣﺎ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﻣﻦ أﺻﻮﺍﺕ ﺗﻨﺎﺩﻱ ﺑﺎﻟﻔﺪﺭﺍﻟﻴﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺰؤاﻡ ﺑﻌﻴﻨﻪ، ﻭﻫﻮ ﺟﻞ ﻣﺎ ﻳﺘﻤﻨﺎﻩ ﻋﺪﻭﻛﻢ، ﻓﻴﻪ ﺿﻴﺎﻉ ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﻭﺗﻔﺮﻕ ﻛﻠﻤﺘﻜﻢ، ﻭﻧﻬﺐ ﺛﺮﻭﺍﺗﻜﻢ، ﻭﺑﻘﺎﺀ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻓﻮﻕ ﺭﺅﻭﺳﻜﻢ، ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺣﺮﻣﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ، ﻓاﻧﺒﺬﻭﺍ ﺻﻔﺤﺔ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻭﺣﻜﻢ ﺍﻟﺠﺎﻫﻠﻴﺔ ﻭﺍﺳﺘﺒﺪﻟﻮﺍ ﺑﻪ ﺣﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻬﻮ ﻣﻘﺘﻀﻰ أﻣﺮﻩ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ...
قال تعالى: ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾
بقلم: علي البدري – العراق
رأيك في الموضوع