سبعة أشهرٍ حالكة السَّواد مَضتْ على بداية الشروع في ما سُمِّيَ بمعارك (تحرير) الموصل منذ الإعلان عنها في 17/10/2016 م ولمَّا تضع الحربُ أوزارها. فبالرغم من انتزاع ما يزيد على (90%) من المدن والقرى والبلدات من أيدي تنظيم "الدولة"، ولم يعُد تحت سيطرته أكثرُ من أحياء قليلةٍ كحيِّ الشفاء والمستشفى الجمهوريِّ وحيِّ الزَّنجيليِّ وحيِّ الصحة الأولى... حيث أكملتِ القواتُ العراقية استعداداتِها لتحريرها وذلك بعد نحو ثلاثة أشهر من انطلاق عملياتها العسكرية لاستعادة الجانب الأيمن من الموصل. بل جرَى فعلاً اقتحامُ الأحياءِ المذكورةِ من قبل قوات الجيش بحسب قائد العمليات "يار الله"، وأنَّ "قوات الشرطة الاتحادية اقتحمت حيَّ الزنجيليِّ، واقتحمت قواتُ مكافحةِ (الإرهاب) حيَّ الصحة الأولى في الساحل الأيمن". وكان الجيشُ العراقيُّ قد دعا مؤخراً سكانَ تِسعِ مناطقَ لا تزال تخضع "للتنظيم" في الموصل، وأبرزها المنطقة القديمة إلى مغادرتها "فورا"، والتوجه إلى الممرات الآمنة... ما يعني العزمَ على تسويتها بالأرض. (روسيا اليوم).
ولا يخفى على المُراقب لما يجري هناك أنَّ حَسمَ المَعركة، وإنهاءَ وجود "التنظيم" في العراق أو تحويلَهُ لجهاتٍ أخرى إنما هو قرارٌ أمريكيٌّ خالصٌ، وما على جيش العراق سوى السَّمعِ والطاعة..! وذلك واضحٌ لا يختلف عليه اثنان، فالإدارة الأمريكية ترى ارتباطا وثيقاً بين الأحداث المأساوية الجارية في كلٍّ من العراق وسوريا..! ولو كان قرارُ الحسم يملِكهُ العراق لما استغرق كل ذلك الوقت.
إنها حربٌ قذرةٌ بكل معنى الكلمة، ذلك أنَّها جلبتِ الموتَ والدَّمار واليأسَ لأهل الموصل الكرام دون ذنبٍ اقترفوه..! قتل الآلافُ من المدنيِّينَ العُزلِ لا سيَّما الشيوخ والنساء والأطفال جراءَ إفراطٍ لئيمٍ باستخدامِ قواتٍ ناريةٍ غيرِ مسبوقة أجَّجَها حِقدٌ طائفيٌّ لإنهاء وجودِهِم وتحويلِ ديارهم إلى بلاد أشباح ليُفسَحَ المجالُ أمامَ (إيران) لتَخلُصَ إلى سوريا ولبنان فالبحر المتوسِّط. وقد ذكرَ المَرصَدُ العراقيُّ لحقوق الإنسان: أنَّ أعداد القتلى المدنيين في الساحل الأيمن من مدينة الموصل ارتفعت بشكل مخيف في وقت تشتد فيه المعارك وتتسارع عمليات النزوح باتجاه المخيمات وتزداد معاناة المدنيين، ووجود أنباء عن مقتل (700) آخرين لكن لم يتم التأكد منها باعتبارها معلوماتٍ قادمة من مناطق سيطرة "التنظيم" التي يَصعُب الوصولُ إليها. وفوق ذلك اعترفت وزارة الدفاع الأمريكية بمقتل أكثر من (100) مدنيٍّ بضربةٍ جويَّةٍ على مدينة الموصل في شهر آذار الماضي... وذلك بعد أن أسقط جيشُها قنبلة على مَبنىً فتسبَّبتْ بانفجارات ثانويَّةٍ لوجود متفجرات مزروعة هناك من قبل مقاتلي "التنظيم"، ما أسفر عن انهيار المبنى. أما البُنَى التحتيَّة للمدينة والعُمران والجُسور فقد بلغت نسبة دمارها أكثر من (80%). فضلاً عن تهجيرٍ جَماعيٍّ تقومُ به القواتُ المشتركة ضِدَّ أهالي الموصل في استمرار للجرائم المنظمة من قبل تلك القوات ومليشياتها. (روسيا اليوم،ووكالة يقين).
والسؤالُ الذي يَطرحُ نفسَهُ: مَنِ المُتسبِّبُ في كُلِّ ذلك؟ ومَن الذي تولى كِبرَ تلك الجرائم بحقِّ أهل تلك المناطق في العراق وسوريا؟ أليس تنظيمُ "الدولة"؟!. لقد شَوَّهوا صورة الإسلام في أعيُنِ العالم، وهوَّنوا أمرَ الخلافة العظيمة، لإسقاطها من أعيُن الناس، وختَمُوا إنجازاتهِم بإدخال السُّرورِ على قلوب الكفار عامة ويهود خاصَّة..! فهنيئا لهم صنيعُهم هذا.. وقد قال رسولُ الله e: «إنما الأعمالُ بالخواتيم».
وسؤالٌ آخَرُ أشَدُّ مرارةً: هل يَرضَى الناجُونَ من أهل الموصل - بعد كلِّ ما جَرى - أن يحكُمَهُم (المُحَرِّرون)؟ كلا وألفُ كلا، بل سيُطالِبونَ بجعل (محافظتهم) إقليماً تابعاً للمركز أو مستقِلاً... ومِثلُهم أهالي (الأنبار، وديالى، وصلاح الدين) مِمَّن اكتَوَوا بنـار الطائفية التي فَعلتْ بهمُ الأفاعيل، وقتلت خيـرة رجالهم تحت ذرائعَ شتَّى... وهذا عينُ ما تَسعى إليهِ أمريكا الكافرة لتُمزقَ العراقَ، وتُقسِّمَهُ إلى مِزَقٍ حقيرةٍ متنافرة، أعانها عليه (إيران) ومليشياتُها الطائفية، واضطلع بها أيضاً السَّاسة (الشيعة) خدمة لأسيادها الأعداء، وكذا (الأكراد) إسناداً لمَواقِفِهِمُ الداعية لسلخِ (أراضيهم) من البلد الأمّ، وقد نُقِلَ عنرئيس وكالة المخابرات الدفاعية الأمريكية الجنرال فنسنت ستيوارت: أنَّ مساعيَ استقلال أكراد العراق عن بغداد "مسألة وقت". (الجزيرة). وأما السَّاسَة (السُّنَّة) فهم شهودُ الزُّورِ على كل المصائبِ التي ألمَّت بالعراق وأهلهِ بسكوتِهِمُ المُذِلِّ، وطمَعِهم في المناصب الخائبة.
والحقُّ أنَّ تقسيم العراق - كما هو معروفٌ - مشروع أمريكيٌّ خالص، جاءت به الإدارة الأمريكية بعد احتلالهِ في 2003، ووظفت الأحداث التالية له لتقودَ في المحصِّلة إلى تمزيق لُحمة الشعب العراقيّ المُسلم بوسائل شتى... كتضمين الدستور الأعوج موضوع (الفيدرالية) وإنشاء الأقاليم على أسُسٍ عرقيَّةٍ وطائفيَّة، وإضرام نار الطائفية بين إخوة الأمس في ظل فراغٍ سياسيٍّ شبهِ كامل بواسطة مليشيات عاثت في الأرض الفساد بجرائمها التي باتت معلومة للقاصي والدَّاني ودون رادعٍ أو إنصافٍ لمَن أصابهم الظلم، يُضاف لذلك إهمالٌ وتهميشٌ لأهل السُّنَّة، ومنعهم من ممارسة حقوقهم كمكوِّنٍ رئيسٍ في البلد، ثم مجيء تنظيم "الدولة" الذي زاد الطينَ بِلة بفظائع بشعةٍ من قتل وتهجير وسلبٍ للأموال العامة والخاصة تسبَّبتْ باستنزاف موارد العراق الاقتصادية، وفقدان أيّ قرارٍ أو موقِفٍ للحكومات العميلة التي أسسَ لها المحتل الكافر ما أحال البلاد إلى ساحةٍ لتصفية الحسابات بين الأقطاب الدولية والمحلية... حتى صار الكلامُ عن التقسيم إلى ثلاثة كيانات؛ شيعية، سُنِّية وكرديَّة أمراً مُستساغاً يُردِّدُهُ حتى المعارضون للمشروع الخبيث بادئ الأمر.
ولا نملكُ في الختام غير الدعاء إلى الله العليِّ القدير أن يُوفِّق الثلةَ المُخلصة - التي تعمل منذ عقود على مشروع الخلافة الحقة على منهاج النبوَّة - لبلوغ نهاية الشوط ورفع راية الإسلام، وإعادة الأمور إلى نصابها بإحقاق الحق وإبطال الباطل، واجتثاث خبَثِ الكافرين والمستعمرين وأذيالهم لتخلُص ديار المسلمين لأهلها، وما ذلك على الله بعزيز ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.
بقلم: عبد الرحمن الواثق – العراق
رأيك في الموضوع