إن المرء ليعجب مما آلت إليه أحوال العراق، فبات مثلاً للبلدان الفاشلة.. إذ يحتله عدو كافر، أقام القواعد العسكرية لتحصين قواته المحتلة عازما على بقاء طويل الأمد حرصا على مصالحه، ولحماية النظام الذي فرضه، فسادت في البلد شريعة الغاب ولم يعد للدولة وجود، ولا للعدل معنى، فشت فيه العصابات المسلحة، والتجارة المحرمة، ولم يبق لأحد هيبة مهما سما منصبه إلا بقدر ما نهبه من أموال الشعب، وتحصن بأزلام لحمايته، فشاع الخطف والقتل والسجون السرية، وارتفعت أصوات المعذبين، فماذا يتوقع من بلد هذا حاله؟!
ولا جرم أن يكون الفشل والتخبط عنوانا لهذه المرحلة، ويتعذر تكليف بديل لرئيس الوزراء المستقيل. وما إن كلف محمد علاوي بتشكيل حكومة مؤقتة تمهد لانتخابات مبكرة في فترة أقصاها عام واحد حتى نشبت حرب اتهامات وسجالات بين محمد الحلبوسي رئيس البرلمان، ورئيس الجمهورية برهم صالح إذ اتهمه الأول بخرق الدستور حين رفض مرشح الكتلة الأكبر في البرلمان، والوقوف وراء ترشيح علاوي. ولا بد - بطبيعة الحال - أن يحظى المكلف بالثقة من أرباب الفساد قادة الكتل والأحزاب، وهم لا يمنحونها إلا بقدر ما سيحصلون عليه من (مغانم) لكن الخوف بات هاجسهم بعد الانتفاضة الشعبية التي باتت كالسيف المسلط على رقابهم، فلعل المكلف تصدق نواياه بتحقيق أهداف المتظاهرين، وحينها سيتم سوقهم إلى القضاء لينالوا ما يستحقونه من مصير. وصاروا يراوغون بطرح أسماء لأشخاص رفضهم الشارع الغاضب كسبا للوقت الذي لم يعد في صالحهم، ولربما تقود لإعادة تكليف عبد المهدي بحسب مصدر في "كتلة الفتح" الجناح السياسي للحشد الشعبي بزعامة العامري. وهكذا اضطر علاوي لدفع الثمن بالاعتذار عن التكليف بسبب تلك الصراعات، وامتناع السنة والأكراد عن تأييده.
ثم كلف عدنان الزرفي ليكمل المهمة، وهو شخص مغمور بلا مؤهلات، أقام صلات مع المحتل خلال وجوده في أمريكا لأعوام (1991م - 2003م) وعاد إلى العراق بعد احتلاله. ثم عينه الحاكم المدني بول بريمر محافظا للنجف، ثم أقصي عن المنصب، تدور حوله شبهات فساد، ثم استقر به الحال نائبا في البرلمان عن ائتلاف النصر بقيادة حيدر العبادي بعد انتخابات 2018 لكن لم يكن حظه أفضل من علاوي فقد هوجم من جهات، وأيدته أخرى قدر تعلق الأمر بالولاء لإيران أو ما يعدهم به من مناصب.
وإن إفشال الزرفي يدفع إلى المزيد من التأزيم، وعدم القدرة على المضي في تشكيل حكومة تسعى لإخراج البلاد من أزماتها لا سيما في ظل الوباء المستطير "كورونا"، وهبوط أسعار النفط، وضرورات الإصلاح السياسي والاقتصادي الذي يسعى إليه العراقيون. ثم لم يبق أمامه بعد انسداد الأفق سوى الاعتذار عن إكمال المهمة، وخلال ساعات جاء تكليف رئيس المخابرات مصطفى الكاظمي من الرئيس برهم صالح معلنا إجماع القوى السياسية على ترشيحه لرئاسة الحكومة، وعدّ ذلك الإجماع "دليل عافية ومسؤولية"، ودعا المكلف إلى "اختصار الزمن الدستوري، وتقديم البرنامج والتشكيلة الحكومية بأقرب وقت ممكن"، والقوى السياسية إلى "سرعة الاستجابة لعقد جلسة التصويت على الحكومة".
وفور تكليفه، تعهد الكاظمي بالعمل على تشكيل حكومة تضع تطلعات العراقيين ومطالبهم في مقدمة أولوياتها، وتصون سيادة الوطن، وتحفظ الحقوق، مؤكدا أن "السيادة خط أحمر ولا يمكن التنازل عن كرامة العراق"، وسيعمل على حل الأزمات، ودفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام. (الحرة). والكاظمي هو مستقل لا ينتمي لأي حزب، تسلم منصب رئيس جهاز المخابرات الوطني في حزيران/يونيو 2016، خلال فترة العبادي، ولا يزال يشغل المنصب حتى الآن. (الجزيرة). لكن مراقبين ينظرون إلى إجماع الكتل الشيعية هذه المرة على الكاظمي بعد أن رفضوه إبان استقالة عبد المهدي مطلع كانون أول/ديسمبر 2019 على أنه خيار ضرورة لفشلهم في تقديم بديل للزرفي من جهة، واحتمال تمرير حكومته في البرلمان من جهة أخرى، ما ينبئ بأن موقف (الشيعة) قد يتغير فينقلبون مرة أخرى على الكاظمي من خلال عدم السماح بتمرير تشكيلته داخل البرلمان. وتأتي هذه المحاولة بحسب النائب عن تيار الحكمة أسعد المرشدي لضمان بقاء عبد المهدي في السلطة لحين إجراء الانتخابات، لأن هذه القوى حققت مكاسب سياسية كبيرة من خلاله. (الجزيرة نت).
وأيا كان المكلف بتشكيل الحكومة المؤقتة ومنهم الكاظمي، فإن ما يعدون بتحقيقه من أهداف عليا كسيادة الوطن، وأنها خط أحمر وأمثال ذلك لا يمكن تحقيقه، بل يأباه واقع العراق من كونه بلدا محتلا من عدو غاصب لحقوق شعبه، ورافض الخروج منه. وأي حقوق ستحفظ بعد فساد القضاء، واقتسام رموزه من الأحزاب؟! أما تفعيل الاقتصاد والنهوض به فإن المحتل الكافر وأذنابه يصرون على جعل البلد سوقا للمنتجات الأجنبية، وإغلاق مئات المصانع التي كانت يوما ما تسد الحاجة، حتى وصل بنا الحال لاستيراد الفاكهة والخضر!!
بقلم: الأستاذ عبد الرحمن الواثق
وأخيرا، فإن الأمة تنتظر حاكما ربانيا، يعضده حزب إسلامي حقا وصدقا كحزب التحرير، يجمع شتات الأمة في دولة عظيمة هي دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي آن أوانها لخلو العالم كله من مبدأ صالح خلا الإسلام، فتطبق أحكام الإسلام في الداخل، وتحمله عقيدة ومعالجات إلى العالم بالدعوة والجهاد. وتقيم صروح العدل، وتمسح عن الناس آلامهم، وتذيق الكافرين وأذنابهم ما يستحقونه من العذاب، وتطهر الأرض من أرجاسهم وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع