انطلقت في عاصمة السعودية الرياض في الثلاثين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2024 أولى جلسات التحالف العالمي لتطبيق ما يُسمّى بحل الدولتين، وهو كما تمّ تعريفه بأنّه "التحالف المعنيّ بترجمة هدف إنشاء دولة فلسطينية تعيش بسلام إلى جانب دولة (إسرائيل)"، وذلك وفقاً لما كان أعلنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في نهاية أيلول/سبتمبر 2024، والذي اشترط في كلمته الافتتاحية إقامة الدولة الفلسطينية للمضي قدماً في مسألة التطبيع مع كيان يهود مشيراً إلى أنّ "دولاً كبيرة عدة بدأت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وأنّ المساعي جارية للاستمرار باعتراف باقي الدول"، وبيّن ابن فرحان أن اجتماع التحالف الدولي لدعم حل الدولتين هو خطوة أولى ضمن خطوات عدة بمشاركة 90 دولة تسعى المملكة من خلاله إلى ما أسماه بـ(تجييش) الرأي العام الدولي ضد ممارسات كيان يهود بحق الشعب الفلسطيني، وطالب بالوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، وأن يعمل النظام الدولي بشكل جماعي لتحقيق السلام في المنطقة، واصفاً الوضع في غزة بـــــ"المأساوي والكارثي" بسبب الحصار الذي يفرضه كيان يهود.
ومن جهته قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "إنّ إطلاق التحالف العالمي هو بمثابة فرصة لكل الدول للمشاركة لإنهاء الحرب في غزة، والعمل على تحرير الرهائن، وفك الحصار عن غزة، والسعي إلى حل الدولتين، مشيراً إلى ضرورة تحويل الأقوال إلى أفعال"، وأمّا المفوض العام للأونروا فيليب لازاريني فقال إنّ قطاع غزة تعرض "للتدمير بشكل ممنهج"، ودعا كيان يهود إلى التراجع عن قرار حظر وكالة الأونروا.
إنّ احتضان السعودية لهذا الاجتماع لربما يعكس تحولاً جديداً في مسار السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي دور السعودية في هذا الحراك الأمريكي السياسي الجديد الذي من المتوقع أنْ تنخرط فيه منظمات إقليمية ودول من تلك القائمة في بلاد المسلمين وأوروبية وذلك بالرغم من غياب أمريكا عن هذا الاجتماع.
فلعل أمريكا تريد من هذا التحالف مساعدتها في بلورة حل سياسي بعيد انتهاء الانتخابات الأمريكية يفضي إلى وقف القتال في غزة ولبنان من خلال استخدام السعودية والتحالف الجديد للضغط على حكومة نتنياهو لحملها على وضع حد للحرب التي لم تظهر معها أية علامات تدل على قرب انتهائها.
إنّ ترويج فكرة الدولة الفلسطينية كمخرج للحل ليس هدف أمريكا منه إقامة الدولة فعلاً بقدر ما يرمي إلى كسر تعنّت كيان يهود، والالتفاف حول قرار رفضهم بأغلبية ساحقة في الكنيست لفكرة الدولة الفلسطينية نهائياً. فأمريكا تستخدم فكرة الدولتين لإدارة النزاع وليس لحل النزاع، لأنّ كيان يهود لم يبق أرضاً يصلح عليها قيام دولة فلسطينية، إذ إنّ ضمه للأراضي الفلسطينية وقضمها ومصادرتها وبناء المستوطنات عليها أعاق عملياً إمكانية إقامة هذه الدولة، وحوّلها إلى مجرّد فكرة سياسية نظرية لا تصلح إلا لإدارة أزمة وليس لحلها.
والظاهر أنّ أمريكا التي كانت تغري كيان يهود بإيقاف الحرب من خلال استخدام عرض التطبيع المجاني السعودي معه، قد غيّرت أسلوبها هذه المرة بعد رفض كيان يهود الانصياع لطلباتها، وأصبحت تستخدم التطبيع السعودي المشروط معه بدلاً من التطبيع المجّاني.
فالسعودية لأول مرة أصبحت تتحدّث بصراحة عن تطبيع مشروط مع كيان يهود بوجوب تطبيق حل الدولتين، ولأول مرة أيضاً تتزعم تحالفا دوليا لإرغام كيان يهود على القبول بحل الدولتين إذا أراد التطبيع مع السعودية بعد أنْ كانت في السابق تُهرول باتجاه التطبيع المجّاني.
إنّ هذا التغيير الدراماتيكي في الموقف السعودي يعكس في الواقع تغييراً في الموقف الأمريكي وليس الموقف السعودي إزاء ضرورة إنهاء الحرب والبدء بالمسار السياسي، لأنّ السياسة الخارجية السعودية تابعة تبعية مطلقة للسياسة الخارجية الأمريكية، ولا تملك الخروج عنها قيد أنملة، فلا يوجد أصلاً سياسة سعودية خارجية، ولا يوجد موقف سعودي.
إنّ فكرة الدولتين في الأصل هي فكرة أمريكية قديمة هدفها تثبيت وجود كيان يهود كقاعدة أمريكية في قلب البلاد الإسلامية، وأمّا من وجهة النظر الإسلامية ففلسطين كلها أرض إسلامية ولا مكان فيها لدولتين، ولا مكان فيها لكيان يهودي ولا صليبي ولا غربي، وهي جزء لا يتجزّأ من مركزية المنطقة الإسلامية، وهذا من البديهيات الشرعية والمسلّمات العقدية، والتنازل عن شبر منها يعني وضع إسفين مسموم في جنب البلاد الإسلامية يتسبّب في التهاب جسمه وشرخه وتمزيقه، وفلسطين كلها من بحرها إلى نهرها هي قضية إسلامية مركزية عقائدية لا مجال فيها للتفاوض أو المساومة أو المهادنة، ومن ناحية شرعية فأمرها محسوم لكونها جزءاً لا يتجزأ من قلب هذه البلاد الإسلامية، وإنّ المساس بها كالمساس بمكة أو المدينة، وقدسيتها مستمدة من النصوص الشرعية المتواترة فضلاً عن كونها أرضاً إسلامية لا يجوز التنازل عنها أو المساومة عليها بحال من الأحوال.
رأيك في الموضوع