كتب لبيب النحاس - مدير مكتب العلاقات الخارجية في حركة أحرار الشام مقالا في الواشنطن بوست بتاريخ 10/7/2015 بعنوان "النتائج القاتلة للتصنيف الخاطئ للثوار في سوريا" استنكر فيه تصنيف إدارة أوباما للثوار ما بين متطرفين ومعتدلين، وتذرُّع أوباما بأنه ليس هناك قوات معتدلة يمكن أن تكون شريكا لأمريكا للتخلص من نظام الأسد، وبعد أن أسهب في تقديم أوراق اعتماد حركة أحرار الشام بوصفها تنظيما معتدلا بتعريفها لنفسها، بما في ذلك نأيها بنفسها عن تنظيم القاعدة المدرج على لائحة التنظيمات الإرهابية من قبل أمريكا، دعا الإدارة الأمريكية لاعتماد حركة الأحرار "البديل الثالث – أي عن كلٍّ من تنظيم الدولة ونظام الأسد"، متعهدا في الوقت نفسه بأن حركة الأحرار تتبنى مشروعا وطنيا سوريا جامعا لا يقصي أحدا بل وحريصا على المحافظة على مؤسسات الدولة. وختم نحاس مقاله بالقول "ما زالت الفرصة سانحة للولايات المتحدة الأمريكية لتغيير مسارها، "الخيار الثالث" الذي طرحه جون كيري موجود، ولكن على واشنطن أن تفتح عينها وتبصره".
طبعا أن تنشر جريدة مرموقة (الواشنطن بوست) مقالا لتنظيم "إسلامي" له دلالته، والتاريخ يذكر أن أول منبر إعلامي أعلن للعالم عن ثورة فيديل كاسترو ورفاق دربه في كوبا كانت جريدة النيويورك تايمز يومذاك. وسرعان ما جاء رد الإدارة الأمريكية على "العرض" المقدم من قبل السيد النحاس على لسان أحد أهم الخبراء، تشارلز ليستر، الذي يزعم صفة الحيادية من خلال عمله في مركز بروكنغز في مقال له في 14/07/2015، أثنى فيه على العرض السخي المقدم ولكنه اعتبره خطوة أولى قبل البحث في قبول "أوراق اعتماد" حركة الأحرار، ودعا ليستر إلى استمرار الحوار مع قادة الأحرار بغية التوصل إلى برنامج عمل مشترك بين الطرفين (الإدارة الأمريكية والأحرار)، وعلى رأس ذلك ضرورة القطيعة مع جبهة النصرة وكل ما يمت للقاعدة بصلة، والأهم، التخلي عن الفكر الإسلامي المتشدد، يعني بعبارة أخرى الدخول في نفق الحوارات المتواصلة بحيث تنسلخ حركة الأحرار من كل ما يمت للإسلام بصلة وتتلبس بلبوس "الإسلام الأمريكي" المزكّى من قبل الإدارة الأمريكية.
لقد فات السيد اللبيب ما جرى لحركة الإخوان المسلمين في مصر ولكن هذه مشكلته، كما فاته ما جرى مع المجاهدين الأفغان الذين وإن نجحوا في هزيمة الاتحاد السوفياتي، إلا أنهم لم ينجحوا في الانفكاك من حضن التبعية لأمريكا وأدواتها في باكستان والسعودية، ثم وصل الأمر بقادة الأفغان إلى دخول كابول على الدبابات الأمريكية... ولطالما طرحنا على أنصار المجاهدين الأفغان ومحبيهم، في حقبة الثمانينات، أسئلة عن برنامجهم لما بعد إسقاط الحكم الروسي في كابول، فكان جوابهم دوما: "لا تقلقوا فمستقبل الجهاد في أيدٍ أمينة"... وقد أقر ليستر بأنه يعرف النحاس معرفة وثيقة وشخصية. مع العلم أن النحاس كان يتبع للواء الحق الذي انضم إلى حركة أحرار الشام في شهر 12/2014 أي بعد ثلاثة أشهر على اغتيال قيادات حركة الأحرار وعلى رأسهم أبو عبد الله الحموي رحمهم الله. وقد تواصلتُ مع كل من لبيب وقائده أبو جابر الشيخ وأبو صالح طحان مناشدا إياهم التراجع عن هذا المنزلق الخطير الذي يسير فيه لبيب ومتسائلا عما إذا كان الموقف المنشور تمَّ بعلم قيادة الحركة وحتى الساعة لم يأت أي رد منهم. بينما تذكر مصادر لنا أن هناك خلافات عاصفة بين القادة "في الداخل" و"المكتب السياسي في الخارج".
طبعا وجد لبيب من يناصره من الكتّاب تحت دعاوى شتى مما يسمى "بفقه الموازنات" و"فقه الواقع" وغيرها من التعابير الرنانة التي لا تغني ولا تسمن من جوع غير أنها تضفي "هالة" من الشرعية المزعومة على مواقف لبيب، بحيث يضيع البسطاء من محبي الثوار وسطها. كما حاول البعض الزعم بأن الحركة التي قدمت الشهداء والتضحيات الجسام جديرة بأن تؤتمن على مسار الثورة ومستقبلها، وهي النغمة نفسها التي سمعناها بالأمس من أنصار المجاهدين الأفغان، دون أن نذكر أن ياسر عرفات برر لأنصاره ضرورة التوقيع على قرار 242 القاضي بالاعتراف بكيان يهود تحت وطأة قصف الطيران على بيروت إبان حرب 1982.إذن في كل مرة يأتي بعض المشبوهين ليبرروا صفقات خيانية مريضة مسمومة تحت ذريعة "قدمنا كذا وكذا من التضحيات فلا تخونونا". مقتل مقال النحاس يكمن في أنه أضاع البوصلة في فهم حقيقة الصراع: فهو يتهجم بقوة على إيران لدعمها نظام طاغية دمشق،ويدعو، في تغريدات له على حسابه على التويتر، إلى ضرورة التحالف المرحلي مع القوى الإقليمية ومع أمريكا، للتصدي لإيران والأسد. وهذا يكشف عنجهل مدقع في فهم الواقع السياسي الذي يشهد أن كلا من النظام السوري والنظام الإيراني ركائز الهيمنة الأمريكية على المنطقة تحت الشعارالكاذب بـ"محور المقاومة والممانعة"،أو أنه يكشف عن خيانة سافرة لمشروع الثورة التي انطلقت من المساجد تحت شعار "هي لله هي لله" و"الشعب يريد خلافة من جديد"... كما أن هذا الموقف الخياني للنحاس يكشف عن هشاشة البرنامج السياسي لحركة أحرار الشام الذي انطلق في الأساس تحت شعار تطبيق شرع الله ونبذ الديمقراطية والدولة العلمانية، فلما استشهد القادةالأوائل جاء خلف من بعدهم يروجون لسياسات البراغماتية بالتحالف مع رأس الكفر أمريكا.
ونختم بالقول إننا نهيب بالقادة المخلصين في حركة أحرار الشام أن يعتصموا بحبل الله ويتبرؤوا من حبال البشر والشيطان، وأن يستمدوا أسباب النصر من رب الأرباب وليس من العبيد فضلا عن الأعداء.
ونذكرهم بقول الحق سبحانه ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا﴾ وقوله ﴿إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ
رأيك في الموضوع