أصبح جليا أن أزمة أوكرانيا تلقي بتبعاتها على المشهد الدولي، ونختصر هذه التداعيات على النحو التالي:
- اشتعلت نيران الحرب في الجناح الشرقي لأوروبا، وهي مرشحة لتمتد زمنا وبشكل ينذر بتوسع الصدام بين روسيا والناتو، وآخر ذلك تهديد روسيا بنشر السلاح النووي على ضفاف بحر البلطيق في تحذير لفنلندا والسويد كي لا تمضيا قدما في الانضمام إلى حلف الناتو.
- وكثر الحديث مؤخرا عن احتمال توسع النزاع إلى نشوب الحرب العالمية الثالثة، بل وصل الأمر بمذيعة الأخبار على قناة روسيا 1 أولغا سكابييفا إلى القول: "إن روسيا تخوض حربا ضد ذراع الناتو، وهذا يعني أن النزاع في أوكرانيا قد يتوسع ليصبح حربا مباشرة ضد الناتو أي الحرب الدولية الثالثة، هذا ما علينا أن ندركه".
- الصين ليست بعيدة فأوروبا باتت تتوجس منها في ظل تنامي العلاقات بينها وبين روسيا، ما اعتبرته دعما صينيا ولو ضمنيا للعدوان الروسي على أوكرانيا. هذا الدعم الذي جاء ليكون القشة القاصمة لظهر بعير العلاقة بين الصين والغرب الذي أصبح يرى في الصين مصدر قلق.
- أمريكا صارت لا تمانع بإعادة بعث العسكرية الألمانية واليابانية لتشاركها أعباء الهيمنة الدولية، ويدور الآن جدل حامي الوطيس في الحكومة الألمانية لمد أوكرانيا بأسلحة ثقيلة تشمل الدبابات الألمانية، واللافت للنظر أن وزراء حزب الخضر يضغطون على مستشار ألمانيا للمسارعة بذلك.
- كما تشجع أمريكا عبر حلف أوكوس أستراليا على التصدي للخطر الصيني، كما تستفز الصين بدعم تايوان، وآخر ذلك زيارة وفد من الكونغرس الأمريكي لتايوان برغم الغضب الصيني من الزيارة.
نعم لا زال من المبكر الإعلان عن الحرب العالمية الثالثة، ولكن تداعيات الحرب في أوكرانيا لا تخفى على أي مراقب للأحداث.
ولكن، نحن معشر المسلمين، لا يُقبل منا أن نكتفي بموقع المراقب والمحلل، فهذا ترف لا تتحمله أمتنا التي تئن تحت وطأة الاستعمار الغربي الذي قام بهدم دولة الخلافة بعيد الحرب العالمية الأولى، ثم فرض تقسيم الأمة إلى عشرات الكيانات المسخ لضمان عدم وحدتها وللحيلولة دون أن تتبوأ الأمة المكانة الجديرة بها بحمل رسالة الإسلام إلى البشرية المكتوية بمعاناة الحضارة المادية البهيمية التي تقدس المنفعة المادية دون أي اعتبار للقيم الروحية أو الخلقية أو الإنسانية.
فما يجري على المسرح الدولي يكشف عن خلخلة الهيمنة الأحادية الأمريكية، في وجه تصادم الإرادات بين الأطراف المتصارعة، ورغبة كل طرف بتعزيز مكاسبه على حساب الآخرين.
نعم نحن نعي جيدا أن موازين القوى الدولية هي التي تحسم الصراعات، وتحدد بالتالي موقع كل طرف بحسب ما يمتلك من قدرات وقوى عسكرية واقتصادية وحضارية (أي أسباب القوة الناعمة، والقوة الصلبة). وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الأمة تمتلك من الطاقات والقدرات ما يؤهلها لأن تتبوأ المكانة التي يرتضيها رب العالمين لها حين وصفها بأنها خير أمة أخرجت للناس، هذه الخيرية المرتبطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الإيمان بالله تعالى.
فأمة تمتد من المغرب إلى إندونيسيا ومن وادي فرغانة إلى الصومال، وتمتلك مضائق شرايين التجارة الدولية من قناة السويس ومضيق البوسفور ومضيق ملقا وباب المندب ومضيق هرمز، وما تملكه من مصادر الطاقة، وقبل كل ذلك العقيدة الإيمانية التي تجعل من المسلمين أصحاب رسالة يحملون مشاعل النور والهداية للبشرية الغارقة في ظلمات الحضارة المادية المفلسة، نعم فهذه الأمة قادرة على أن تقود البشرية اليوم كما فعلت بالأمس حين كانت حواضر بلاد المسلمين مركز الحضارة الإسلامية التي شعت أنوارها عبر القارات.
وواضح أن هذا كله رهن بوجود القوة السياسية التي تتبنى هذه الرؤية الحضارية لتضعها موضع التطبيق العملي، وكل هذا تحت راية الإسلام وليس من منطلقات قومية وطنية ضيقة تبقى أسيرة المنظومة الاستعمارية التي فرضها الغرب المستعمر بعد الحرب العالمية الأولى. فلا شيء يبرر وجود قواعد الاستعمار في بلاد المسلمين، ولا شيء يبرر تحكم السفارات الغربية بمفاصل القرار في بلادنا لتكريس تبعية المنطقة لإملاءات عواصم الغرب، ولا شيء يبرر استئثار الغرب بثروات الأمة التي حبانا الله بها.
في حسابات القيمين على الأمور في بلاد المسلمين يقولون لا طاقة لنا بأمريكا ولا نستطيع معاداة أوروبا والصين وروسيا، فلا بد من التدرج والأخذ بأسباب القوة، ومع الزمن سنتمكن من الاستعداد للمواجهة. ويغفل هؤلاء عن مواطن القوة لدى المسلمين، فالأمة تتوق للحياة في ظل الإسلام، وتتطلع إلى بزوغ فجر الإسلام. وفي خضم هذه الأحداث العالمية وصراعات الأطراف المتنافسة فهذه الخلخلة في النظام الدولي تتيح للأمة الفرصة للانفكاك من قيود التبعية للغرب، وتمكن المسلمين من إعادة وحدتهم في كيان دولة الخلافة. وليس المطلوب إعلان الحرب على العالم لنقول لا نستطيع مواجهة كل القوى، بل القيادة السياسية البارعة قادرة على تحييد الخصوم، مع العمل السريع المكثف لامتلاك أسباب القوة المادية التي تحصن الأمة من مطامع الأعداء. وبدل الاستغراق في حروب الاقتتال الداخلية بين المسلمين التي لا تكاد تنتهي وهي خدمة للاستعمار الغربي، فيتم وقفها فورا وحشد القدرات ورص الصفوف واستثمار كل جهد وكل طاقة لتتمكن الأمة من تبوؤ المكانة التي يرتضيها رب العالمين لها. فيا ليت قومي يعلمون!
اللهم إنّا نرغب إليك في دولة كريمة تعز فيها الإسلام وأهله وتذل بها الكفر والنفاق وأهلهما، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك.
رأيك في الموضوع