نقلت جريدة الغارديان البريطانية، في عددها في 25 أيلول 2008، أن الرئيس الأمريكي جورج بوش، في زيارته الوداعية لكيان يهود في 14 أيار 2008، رفض تلبية طلب رئيس الوزراء إيهود أولمرت لمقابلة وزير الدفاع إيهود باراك قائلا: "أنا أعرف ما يريده باراك، يريد مني الموافقة على توجيه ضربة لمنشآت إيران النووية، وأنت تعلم جوابي وهو لا"! ولكن أولمرت أصر بطلبه فاستجاب بوش، وعند دخول باراك انطلق يشرح بإسهاب الأسباب التي توجب توجيه ضربة ساحقة للمنشآت النووية في إيران، حتى وإن لم تنه المشروع النووي إلا أن الضربة ستؤخر المشروع النووي لسنوات قادمة، إلا أن بوش انفجر غاضبا، مقاطعا كلام باراك: "قلت لك لا يعني لا، ألا تفهم؟! لن يكون هناك هجوم على المنشآت طالما أنا في البيت الأبيض".
وفي 2009 صرح زبغنيو بريجنسكي معقبا على احتمال قيام كيان يهود بشن هجوم على إيران قائلا: "يجب على الجيش الأمريكي في العراق التصدي لأي هجوم من (إسرائيل) على إيران".
بمراجعة مسيرة مواقف قادة أمريكا من المشروع النووي في إيران يلمس بوضوح لعبة "القط والفأر" القائمة على تهديدات ووعود بأنه لا يمكن السماح لإيران بحيازة السلاح النووي، ثم ضغوطات متواصلة على قادة يهود لمنعهم من السير في أي هجوم يستهدف تدمير المنشآت النووية، وتطمينهم المرة تلو الأخرى بأن أمريكا لن تسمح بحيازة إيران للسلاح النووي، وأنها تضمن أمن كيان يهود. ولهذا الغرض قام الرئيس أوباما بعقد الاتفاق النووي مع إيران في 2015، في الوقت نفسه الذي أطلقت أمريكا يد إيران لتوسيع نفوذها في سوريا ولحماية نظام بشار من السقوط.
وكان اتفاق 2015 قد وضع سقفا على المشروع النووي لجهة حد التخصيب لليورانيوم 3.67% وحدد الكمية المسموح بها لليورانيوم المخصب، وعدد أجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول وتحت إشراف مباشر متواصل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مقابل رفع العقوبات التي فرضتها أمريكا على إيران وفتح الباب أمام التعامل التجاري والمصرفي مع إيران. إلا أن الرئيس ترامب، بعد أن أصدر التقرير الدوري في 17 تموز 2017، الذي يفيد بالتزام إيران باتفاقية 2015، عاد في تقريره التالي، 13 تشرين الأول 2017 وذكر أن إيران خالفت الاتفاقية، ممهدا للانسحاب منها في 8 أيار 2018. ولم تشفع لإيران التقارير الدورية المتوالية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية باستمرارية التزام إيران ببنود الاتفاقية.
ورغم توسل إيران للأطراف الخمسة الموقعة على الاتفاقية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، روسيا، الصين) المتكرر بضمان السير في الاتفاقية، إلا أن هذه الأطراف لم تستطع مقاومة العقوبات الأمريكية رغم قيامها ببعض المبادرات الخجولة في سبيل ضمان حرية تعامل الشركات الأوروبية مع إيران، وحمايتها من سيف العقوبات الأمريكية، فما من شركة مستعدة للوقوع تحت سيف العقوبات وفقدان السوق الأمريكية مهما كانت السوق الإيرانية مغرية.
بعد سنة من انسحاب أمريكا من الاتفاق بدأت إيران تتملص من بعض التزامات اتفاقية 2015 واتباع خطوات عدة لجهة تحسين نوعية أجهزة الطرد المركزي وتطوير جيل ثان ورابع وسادس منها وهي أكثر فعالية، ما مكّنها من زيادة درجة التخصيب إلى 4.5% في تموز 2019 ثم إلى 20% في أول 2021. وفي كل مرة كان المسؤولون الإيرانيون يصرحون باستعدادهم للعودة إلى الالتزام ببنود اتفاقية 2015 متى عادت أمريكا إلى الالتزام بها. ومع أن قادة يهود كانوا يتميزون من الغيظ ويهمهمون بوجوب توجيه ضربة قاصمة للمشروع النووي، بل وقيامهم ببعض عمليات التخريب ولكن أثرها جزئي ومحدود، بالإضافة إلى اغتيالهم المهندس محسن فخري زادة رئيس المشروع النووي، ولكن هذا كله لم يمنع إيران من السير قدماً ودفع المشروع إلى الأمام. وفي ظل الفيتو الأمريكي الصارم لم تنفع يهود مناوراتهم وتدريباتهم وزمجرتهم الإعلامية.
وهذا كله يكشف أن أمريكا لم تتخذ الموقف الحاسم لوقف المشروع النووي الإيراني، لا في بداياته في 2002 ولا عبر السنين التي تلت ذلك.
والآن في ظل الجولة الأخيرة من المفاوضات الدائرة في فينّا، يحبس العالم أنفاسه متسائلا عما إذا كان الدخان الأبيض سيظهر منها أم أن المنطقة ستعيش أجواء البركان الذي يهدد بالانفجار؟
هنا نقول إن مفاوضات فينّا هي بمثابة قمة جبل الجليد الظاهرة، فلا بد من إدراك ما تريده أمريكا من إيران والمنطقة، هل تسعى أمريكا حقا للحفاظ على السلم والأمن والاستقرار في شرق السويس؟ وبالتالي تعمل على نزع فتيل الصدام الظاهر مع إيران ومنع وقوع اشتباك بين إيران ويهود؟
الكل يعرف أن قادة إيران حريصون على توسعة النفوذ الإيراني في المنطقة، وبعد تحكمهم بأربع عواصم عربية فهم يتطلعون إلى العاصمة الخامسة والسادسة ودوما تحت المظلة الأمريكية، وبالتالي فهم بعيدون كل البعد عن الدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا أو تهديد مصالحها، وما شعار الزحف إلى القدس إلا دجل وتضليل. وكذلك قادة يهود لا طاقة لهم بتحمل الغضب الأمريكي، وقد برهنوا على خضوعهم للفيتو الأمريكي المتكرر عبر أربع إدارات أمريكية: جورج بوش، باراك أوباما، دونالد ترامب، وصولا إلى بايدن حاليا. فما من طرف يغامر باستجلاب سخط أمريكا.
إذن ما الذي تسعى إليه أمريكا؟
لاستكمال صورة الجزء المخفي من جبل الجليد علينا ملاحظة تكثف قطار الخيانة مع يهود وتسارع الأنظمة في عقد اتفاقيات التطبيع من المغرب حتى الخليج، وهذا يتزامن مع تبني الحكام سياسة فرض الديانة الإبراهيمية الجديدة التي تهدف إلى تمييع مفاهيم العقيدة الإسلامية في المنطقة، وفرض المفاهيم المنحرفة وما يتطلبه ذلك من تعديل المناهج التعليمية، الذي يشمل منع النصوص الشرعية المنادية بوجوب الجهاد ووجوب إقامة الحدود على المرتدين وإيقاع العقوبات الزاجرة على الشواذ وأمثالهم، كما يتطلب الترحيب باليهود في العواصم ودمجهم في النشاط الاقتصادي والثقافي تحت عناوين شتى. وهذا يشمل ما حصل مؤخرا في سوريا في المناطق المحررة حيث وزعت كتب تعليمية تضمنت صورا للرسول ﷺ، وكذلك اعتماد كتب التعليم في مناطق (قسد) لمفاهيم الديانة الإبراهيمية والتي تتضمن الذم بأحكام الإسلام، وخاصة أحكام الجهاد، وتصويرها بأنها تحض على الكراهية والتطرف والإرهاب، وتبني الأزهر لمقولة مكافحة الإرهاب (أي التنظيمات المتطرفة)، هذا دون ذكر حملات التغريب وفرض العلمنة السافرة في أرض الحرمين مهبط الوحي، والتنكر لشرع الله والبطش بكل من تسول له نفسه الإنكار على الحكام الظلمة.
إذن يبدو أن أمريكا تحتاج إلى إبقاء الفزاعة الإيرانية في سماء المنطقة، وإشعال التوترات تحت عنوان التصدي للغول الإيراني، وتحت ستار دخان مواجهة هذه الفزاعة، يسير قطار الخيانة مع يهود ومحاربة الإسلام بسرعة هائلة، وبين حين وآخر تحرص أمريكا على افتعال تسخين هنا أو هناك لصب الزيت على نار الخصومة والعداوة بين أهل المنطقة. بينما يتنافس الحكام في خطب ود أمريكا بكل غالٍ ورخيص في محاربة الإسلام وسفك الدم الحرام، ونشر ثقافة المجون والمنكرات وفي البطش بالعاملين لإعلاء كلمة الله، ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾.
رأيك في الموضوع