تفاجأ أهل السودان يوم الجمعة 19/11/2021م، بزيادة جديدة في أسعار الوقود رغم عدم وجود حكومة في البلاد، بعد أن حل البرهان قائدُ الجيش الحكومةَ في 25/10/2021م، وإعلان قانون الطوارئ، ووفقا لسودان تريبيون فقد ارتفع سعر لتر البنزين إلى 362 جنيها بدلا عن 320 جنيها كما زاد سعر لتر الديزل من 305 إلى 347 جنيهات.
ففي 8/6/2021م رفعت الحكومة الانتقالية سعر لتر البنزين إلى 290 جنيها، ولتر الجازولين 285 جنيها، ثم رفعتها مرة أخرى إلى 320 جنيها للتر البنزين، والجازولين إلى 305 جنيها.
لقد قامت الحكومة بهذه الخطوة انصياعاً لتعليمات صندوق النقد الدولي، ففي حزيران/يونيو 2021م بررت وزارة المالية الزيادات في بيان لها قالت فيه: "وذلك في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تمكن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية" (سونا 8/6/2021م).
تتخذ الحكومة هذه الخطوات التعسفية دون مراعاة لمعاناة وآلام أهل البلاد نتيجة هذه السياسات الإجرامية التي وصفها وزير المالية جبريل إبراهيم في الحكومة المعزولة، بأنها مؤلمة، خلال مقابلة على الجزيرة مباشر، الخميس 8/4/2021م، حيث قال "لقد بدأنا إجراءات حقيقية لإصلاحات اقتصادية مؤلمة لكنها ضرورية ولازمة لكي تستعيد السودان مكانتها وعلاقتها مع المؤسسات السياسية والمالية الدولية".
إن المؤلم حقاً هو أن الحكومة الانتقالية بشقيها العسكري والمدني ما زالت تتواطأ وتجرم في حق أهل السودان، فترفع أسعار الوقود، خاصة البنزين، الذي يكفي إنتاجه المحلي تقريباً 60% من حاجة البلاد. قال وزير النفط في نظام البشير في حوار معه نشرته البوابة نيوز في 2017م: "إن الإنتاج المحلي يغطي 70% من احتياجات البلاد". ثم دخلت آبار أخرى الخدمة في العام الماضي 2020م إلا أن الحكومة تتجنب الحديث عنها، قال المدير العام لشركة البترول الوطنية السودانية سودابت أيمن أبو الجوخ: "إن بلاده ستضيف 3000 برميل يوميا لإنتاجها النفطي من حقل جديد ما يرفع إنتاج البلد إلى 64 ألف برميل يوميا" (سكاي نيوز العربية 4/11/2020م). ونشرت وكالة سبوتنيك الروسية في 2/12/2020م عن وكيل وزارة الطاقة والتعدين حامد سليمان قوله: إن "البلاد تنتج حاليا 60 ألف برميل يوميا". وفي مقابلة مع وكالة الأناضول في 26/11/2020م، مع الوزير قال: "تراجع إنتاج السودان النفطي بعد انفصال جنوب السودان في 2011م من 450 ألف برميل يوميا، إلى 60 ألفا". ونشر سودان تريبيون في 11/8/2021م، عن وزير النفط قوله: "إن الإنتاج المحلي يغطي 55% من احتياجات أهل السودان".
فإذا افترضنا صحة هذه الأرقام، فأين ذهبت هذه الكميات الضخمة من الوقود المحلي؟! هذا غير المبالغ الضخمة التي يجب أن تدفعها دويلة جنوب السودان مقابل عبور برميل النفط الواحد، 25 دولارا لكل برميل نفط. 25 دولار / 60 ألف برميل يوميا، يعني تقريبا مليون وخمسمائة ألف دولار يوميا مبلغ ضخم، سبحان الله!
يقول موقع غلوبال بترول برازيس دوت كوم إن الحكومة الانتقالية تبيع الوقود حسب الموقع في 15/11/2021م، خاصة البنزين بـ0.688 سنتاً أي 320 جنيها كأعلى سعر من 22 دولة حول العالم، منها السعودية ونيجيريا.. إلخ، بل أغلى من إثيوبيا التي يصدر السودان إليها البنزين.
صرَّح الخبير الاقتصادي الأستاذ سليمان الدسيس أن تكلفة إنتاج برميل النفط السوداني هي 11 دولاراً، كما أن هناك تصريحاً لوزير النفط في عهد البشير في حوار مع البوابة نيوز في 2017م قال: "إن تكلفة إنتاج برميل النفط 20 دولاراً". فإذا افترضنا صحة هذا الرقم، فيكون سعر جالون البنزين 20 دولاراً ضرب 450 جنيها مقابل الدولار = 9000 جنيه على 40 جالون "كمية البنزين والجازولين على حد سواء في برميل النفط إذا افترضنا أن سعرهما واحد" يكون سعر الجالون بـ225 جنيهاً ويكون سعر اللتر بــ50 جنيهاً.
وإذا افترضنا صحة تكلفة 11 دولاراً في 450 جنيهاً =4950 جنيهاً للبرميل على 40 جالوناً، ليكون سعر الجالون بـ124 جنيها ويكون اللتر بـ28 جنيهاً. إذا أضفنا الترحيل وما يحتاجه، فبأي تكلفة تصل أسعار الوقود إلى هذا الغلاء الفاحش؟
إنه لمن المؤلم حقاً أن تتاجر الحكومة بأموال الملكية العامة، فأين تذهب هذه الأموال الضخمة؟ برر وزير المالية جبريل إبراهيم، قرار تحرير الوقود، في مؤتمر صحفي 9/6/2021م بقوله: "نجيب من وين غير جيب المواطن"!!
إن دوافع الحكومة في غلاء الأسعار، تتمثل في أمرين اثنين: أولهما وهو أقوى الدوافع: تنفيذ إملاءات صندوق النقد الدولي، فقد كشف وزير المالية جبريل إبراهيم في مقابلة مع قناتي الحدث والعربية في 22/05/2021م عن تلقيهم تعليمات جديدة لرفع الدعم، فقال: "نحن لسنا على استعداد في الوقت الحالي لرفع الدعم عن غاز الطبخ والخبز"، وقال: "اتفقنا معهم أن يأتي هذا الإجراء في وقت لاحق" (موقع النيلين). وثانيهما: سداد نفقات أعداد الجيوش الضخمة التي تتبع لقادة الحركات المسلحة حسب اتفاق جوبا في 3/10/2020م.
والسؤال المهم: ماذا استفاد أهل السودان من تنفيذ أجندة المستعمرين سواء أكانت روشتات صندوق النقد الدولي، أم الاتفاقيات مع حملة السلاح التي تكرس للشقاء والضنك والتمزيق للبلاد؟!
إن البترول من الملكيات العامة، وهي الأعيان التي جعل الشارع ملكيتها لجماعة المسلمين، وجعلها مشتركة بينهم، ومنع الأفراد من تملكها، مثل مولّدات الكهرباء، ومحطاتها، ومصانع الغاز، والفحم الحجري...إلخ، والمعادن العدّ التي لا تنقطع سـواء أكـانت جـامدة كـالـذهب والحـديد، أم سـائلة كـالنفط، أم غازية كالغاز الطبيعي...إلخ، تقوم الدولة باستخراجها والإشراف عليها لصالح الرعية، فهي لا تُمَلك للأفراد ولا للحكومة ولا للشركات فهي ملك لعامة رعية الدولة، يقول النبي ﷺ: «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْكَلَأِ، وَالْمَاءِ، وَالنَّارِ» وفي رواية «وَثَمَنُهُ حَرَامٌ». هذا هو الإسلام العظيم وهذه أحكامه ومعالجاته، والحكومات العلمانية (مدنية كانت أو عسكرية) لا تملك هذه المعالجات الناجعة. فالحياة الكريمة تكون بإقامة الإسلام عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فبها يكون الخلاص والمخرج بإذن الله رب العالمين.
رأيك في الموضوع