تناقلت وسائل إعلام عديدة مؤخرا أخبارا نقلا عن مصادر من كيان يهود حول لقاءات سرية تمت خلال الشهور الماضية بين مسؤولين فلسطينيين ومسؤولين يهود، بدعم من رئيس وزراء كيان يهود نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن، وأنّ الجانبين استطاعا التوصل إلى تفاهمات لتخفيف التوتر الذي كان يطغى على العلاقات بين السلطة الفلسطينية وحكومة يهود منذ توقف المفاوضات بداية عام 2014، واتفق الجانبان على وقف الخطوات أحادية الجانب التي يقوم بها كل طرف، فالجانب الفلسطيني يجمد توجهاته نحو الأمم المتحدة والدخول في الهيئات والمنظمات الدولية، بالمقابل تقوم حكومة يهود بتجميد الاستيطان في مستوطنات الضفة الغربية.
وهذا ما يكشف عن مهزلة المعارك الدبلوماسية التي تخوضها السلطة الفلسطينية ضد كيان يهود، ويسلط الأضواء على سقف هذه المعارك وأفقها. وهو ما يعيد إلى الأذهان موقف السلطة المخزي بعد الحرب على غزة وسحبها لتقرير غولدستون، وسحب طلب تعليق عضوية كيان يهود في الفيفا في اللحظات الأخيرة، مشاهد ترسم حقيقة السلطة كطفيليات لا حياة لها بدون كيان يهود.
فالسلطة ومنذ أن وُجدت على أرض فلسطين وهي تعلم أنّها موجودة بحبل من أمريكا ويهود، وأنّ لا سلطان حقيقياً لها ولا سيادة، فرئيسها - كما قال بلسانه - توقفه أصغر مجندة يهودية على الحواجز حينما تريد. والسلطة عندما تدعي الوقوف في وجه يهود إنما يكون ذلك بحبل من أمريكا التي تسخر السلطة لإحراج يهود أو التضييق عليهم، ضمن حدود تأديب الأب لابنه المدلل دون أن يلحق به ضررا يُذكر. ولذلك يتكرر مشهد استخذاء السلطة ونكوصها على عقبيها عندما تقترب الأمور إلى التأزم أو إلحاق الضرر مهما كان بسيطا بدولة يهود.
وإذا ما رُبطت تلك التسريبات بأحداث المنطقة الأخرى فيمكن قراءة المشهد بشكل أكثر وضوحا؛ فمن جانب أبرمت الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقا مع إيران بشأن الملف النووي، يساهم بشكل ملموس في تخفيف حدة التوتر في المنطقة ويمكّن إيران من بذل جهود أكبر في الملف السوري لتضييق الخناق على المقاتلين والدفع بالأمور بالاتجاه الذي يطمح إليه الغرب. وزيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، خالد مشعل للسعودية قبل أيام ولقاؤه بالملك سلمان بن عبد العزيز صاحب التوجه الأمريكي، في ظل الحديث عن وساطات دولية وعربية لإبرام اتفاق هدنة طويلة الأمد بين كيان يهود وحركة حماس، وكذلك تراجع حدة التوتر بين حركة حماس والنظام المصري مؤخرا، وهو ما يعني مزيدا من الهدوء في المنطقة. والحديث عن تفاهمات واتفاق بين السلطة وكيان يهود من شأنه تهدئة الأجواء أكثر فأكثر.
وحين البحث عن المستفيد من هذا الهدوء والاتفاقات لا نجد مستفيدا أكبر من أمريكا التي تشرف على الدخول في السنة الانتخابية، ويستعصي عليها حل الملف السوري في ظل الجهود المبذولة حاليا من عملائها وأتباعها، ويليها كيان يهود في الاستفادة وخاصة رئيس وزراء يهود صاحب الحكومة الضعيفة والمهددة بالسقوط في أية لحظة.
وفي الجانب الآخر نجد السلطة الفلسطينية وحكام العرب والمسلمين هم الأُجَراء والخدم لمشاريع الغرب ويهود في المنطقة، يسخرون إمكانياتهم لتلبية طلبات أمريكا والغرب بالسرعة القصوى، ولو كانت على حساب دماء وجراح وآهات المسلمين.
فعندما تريد أمريكا توتير الأجواء وتضييق الخناق على كيان يهود، تأمر السلطة وحكام المسلمين فيلبون، فيبدؤون بالمناكفات الدبلوماسية الناعمة والضغوطات ويصورون ذلك للناس على أنه نضال وكفاحٌ وبطولة، ويغطون بذلك على فشلهم وفشل نهجهم التفريطي التنازلي، ويخدمون أمريكا في تحقيق مرادها، وعندما يحين وقت الهدوء تأمرهم فيلبون، فيلعقون كل خطاباتهم "النضالية" وينكصون على أعقابهم حتى وإن ظهروا بمظهر الأنذال ونُعتوا بالخائنين، فلا ضير عندهم، فهم مطمئنون إلى أنّ سندهم وحبلهم هو أسيادهم لا شعوبهم.
إنّه والحال كذلك، فإنّ على أهل فلسطين الأشراف أن يبرؤوا من السلطة الفلسطينية وحكام المسلمين، وأن يخلعوا عنهم كل شرعية يتذرعون بها أو ينسبونها إلى أنفسهم، فيُعلوا الصوت في وجوههم أن ارفعوا أيديكم عن الأرض المباركة فلسطين، فلا أنتم تنتمون لها ولا أنتم تمثلونها. وحينها ستصبح ورقة السلطة الفلسطينية ورقة بالية بيد الغرب لا قيمة لها، فتفشل مشاريع الغرب ومخططاته، حتى يأذن الله بنصر من عنده، فيُسَخِّر لهذا الأمة من يعلي شأنها ويحرر أرضها ومقدساتها.
رأيك في الموضوع