في مخاطبة شعبية بضاحية الجريف شرق بالخرطوم في 15/12/2018م، بحسب ما أوردته صحيفة الجريدة، زفر علي عثمان محمد طه النائب الأول السابق لرئيس الجمهورية زفرات أخرجت هواءً ساخناً، لونه أسود وريحه منتنة قد اعتلج كثيرا في صدره. ونتج هذا الهواء من تفاعل الشعارات التي جاءت بها حكومة الإنقاذ مع الواقع المرير على الأرض.. وسوف أتناول بعضاً من هذه الزفرات بالتحليل...
فقد قال في تلك المخاطبة (إننا ما زلنا نقبض على القضية)، فعن أية قضية يتحدث؟ فإن كان يتحدث عن الإسلام، فإن حكومة الإنقاذ والتي جاءت باسم الإسلام، لم تطبق الإسلام يوماً، بل إنها طبقت في أفضل حالاتها الاستثنائية بعض أحكام العقوبات، والإسلام لا يُختزل في بعض الأحكام، إنما هو نظام متكامل، يشمل جميع جوانب الحياة؛ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وغيرها من أنظمة الحكم والتعليم والسياسة الداخلية والخارجية، بالإضافة إلى سلوك الفرد وسلوك الجماعة وسلوك الدولة... إنه نظام عام شامل، ومن ينحرف عنه ويشذّ في سلوكه عن الحياة العامة يعاقب بعقوبة الإسلام، وذلك للحفاظ على النظام. أما أن تطبق العقوبات الإسلامية في ظل نظام رأسمالي فهي تقدم صورة مشوهة للإسلام، وهو ما فعلته الحكومة.
أما إن كان يقصد بالقضية التي قال إنه ما زال ممسكاً بها هي الشعارات الإسلامية التي ظلت ترفعها الحكومة، فإن الرجل هو أول من دعا للتخلي عنها، فقد دعا علي عثمان في محاضرة له ألقاها في نادي الشرطة ببري، دعا الرجل إلى مراجعة بعض الشعارات من مثل (الإسلام هو الحل)، كما أكد على المعنى نفسه في المنتدى التأسيسي الأول للحركات الإسلامية، الذي عقد في العاصمة الماليزية بمشاركة نخبة من قيادات الفكر والعمل الإسلامي من 14 دولة، حيث قال علي عثمان: (إن البرنامج الإسلامي السابق أخفق في التعامل مع قضايا المجتمع) مطالباً بإعادة النظر في شعار (الإسلام هو الحل). وقد تبعه في ذلك كثير من رجالات الحركة الإسلامية بل صار البعض يستحي من ذكر تلك الشعارات، كما أنها اختفت من الإعلام بشكل كامل بعد أن ملأت الدنيا ضجيجا في السابق وقال: (رداً على من قالوا إن الحكومة لم يبق لها إلا التطبيع مع (إسرائيل)، بعد أن باعوا دماء الشهداء، وتراجعوا عن المبادئ من أجل السلطة، نقول لهم دم الشهداء أمانة في أعناقنا...)، وهنا يرد سؤال، علام قاتل هؤلاء الرجال حتى استشهدوا في جنوب السودان، أليس من أجل الحفاظ على وحدة البلاد؟! أليس من أجل حماية المسلمين من أهل الجنوب؟! ألم تقم الحكومة بفصل الجنوب وتسليم رقاب أكثر من 2 مليون مسلم من أهل الجنوب لحكومة كافرة دفعت كثيرا منهم للرد بلا ثمن إلا البقاء في السلطة، فضاع كل شيء قاتل من أجله هؤلاء الشهداء... فإن لم تكن تلك خيانة لدماء الشهداء، فما هي الخيانة إذن؟!!
ثم إنه أورد في تلك الزفرات أن قيادات المؤتمر الوطني لم يبحثوا عن ملاجئ، أو أخلوا الساحة أو ارتجفوا، وطلب من عضوية حزب المؤتمر الوطني عدم الخوف والوجل... وتعليقي على كلامه هذا بالمثل العربي القائل "كل إناء بما فيه ينضح"، وبالمثل السوداني "الما فيه شق ما بقول طق"...
وأخيراً اتهم جهات خارجية بالتآمر ضد السودان لاقتلاع شجرة الوطني!!! إن التآمر ضد السودان لم ولن يتوقف، أليس فصل الجنوب كان تآمراً خارجيا، قامت الحكومة بتنفيذه، وقد اعترف رئيس الجمهورية في زيارته الأخيرة لروسيا بذلك؟ ثم أليس وضع كل أجزاء الدولة غربها وشرقها وجنوبها الجديد على صفيح ساخن قابل للانشطار في أي لحظة تآمراً خارجياً؟! أليست الحالة الاقتصادية الطاحنة التي يعيشها أهل السودان جراء تطبيق سياسات صندوق النقد الدولي (سيئ السمعة) تآمراً دوليا على السودان، فمن الذي سار في تطبيق تلك الروشتات حتى نهايتها، أليست هي الحكومة؟ نعم من الممكن أن يكون هناك من يتآمر على قطع شجرة الوطني والحكومة طالما نضبت ثمارها، وتساقطت أوراقها، فلم يعد ينتظر منها ذلك المتآمر والذي كان المستفيد الأول من وجودها ثمرة تؤكل، أو ظلاً يستظل به فكان من الطبيعي أن يسعى لقطعها إن لم تسقط لوحدها.
وهنا أقول لأهل السودان إن التغيير المنشود ليس هو تغيير أشخاص، وليس لعبة كراسي تمارسها الدول الكبرى في بلاد المسلمين، بل التغيير المنشود هو تغيير نمط الحياة التي نعيشها، تغيير للقضية التي نعيش من أجلها، تغيير النظام كله وليس تغيير شعارات، لنعيش حياة كريمة يرضاها الله ورسوله والمؤمنون، يعز به الإسلام وأهله ويذل به الكفر ومن شايعه.
رأيك في الموضوع