قال تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، إن ضم الاحتلال لأراضي الضفة الغربية قادم لا محالة، لكن ليس بشكل مباشر، وربما يكون عن طريق "فرض السيادة" لأن هذا المصطلح أقل حساسية من "الضم".
يأتي الحديث عن ضم كيان يهود للضفة الغربية في سياق تاريخي لا بد فيه من تمييز الحقائق على الأرض عن الوهم الذي تعيشه السلطة والأنظمة العميلة للغرب ومن يدور في فلكهم، فالحقائق على الأرض ترسم واقعا لا يمكن لتصريحات دخانية أو مشاريع وهمية تغييره أو حجب كارثيته.
فالكارثة أو النكبة التي شارك فيها حكام المسلمين عملاء الغرب بتسليمهم الأرض المباركة لكيان يهود وجعل القرارات الدولية مرجعية لها تدرجت بقضية فلسطين من تسليم الأرض المباركة والتنازل عنها، إلى الاعتراف بالكيان وحراسة حدوده إلى الاتفاقيات فالتنسيق الأمني إلى الشراكة الاقتصادية.
ومرورا بكل المراحل تلك التي كانت الأنظمة الحاكمة في بلادنا، ومن ثم السلطة الفلسطينية شريكة حقيقة في تثبيت كيان يهود. إن الحقيقة التي تتجسد على الأرض هي أن الأرض المباركة كلها تقع عمليا تحت احتلال يهود وسيادتهم العملية، فهي مضمومة واقعيا في ظل استمرار بناء المستوطنات في كل زوايا أرض فلسطين وإجهاز كيان يهود على مشروع حل الدولتين الذي لا واقع له في ظل توسعه في تلك المناطق المقزمة التي كان من المفترض أن تشكل جغرافية دولة فلسطين. ذلك الوهم الذي طنطنت به السلطة والأنظمة العميلة للغرب على مدى عقود من التنازلات والاعتراف وشرعنة كيان يهود وقتل الوقت وتجميد القضية والتخاذل عن نصرتها وإضعاف أهل فلسطين وقمع الثائرين في خطوات مهدت لكيان يهود ليقوم بخطوته الجديدة ليبدد الأوهام ويتجاوز إرث المرحلة التحضيرية التي شاركت فيها الأنظمة والسلطة ببيع أوهام حل الدولتين والسلام والتطبيع إلى مرحلة الضم السياسي للأرض المباركة ومحاولة فرضه على الأرض للاستيلاء على أراضي الضفة الغربية وجعلها جزءاً من الكيان، ومن ثم، وتحت ظرف دولي ما، سرقة "شرعية دولية" على كامل أرض فلسطين، وبالتالي محاولة تأبيد وتثبيت الاحتلال قانونيا ودوليا وذلك تمهيدا لتحقيق آمال يهود بتفريغ الأرض من أهلها عبر استئصالهم وتهجيرهم لاستكمال مشروع يهودية الدولة.
فمكونات حكومة يهود الحالية التي تطرح ضم كافة الأراضي ترى أحقية في كافة ما يسمونه "أرض إسرائيل"، والضم هنا سيكون خططاً ومساعي - وإن كانت على المدى الطويل - لاستئصال أو لتهجير أهل فلسطين، إذ تصبح الأمور حينها سياسة دولة تجاه سكان، وستنتقل مشاريعهم الإجرامية من الأرض بعد فراغهم منها إلى سكانها.
فالضم لو حصل فلن يكون نهاية المراحل بل بداية مراحل جديدة من إجرامهم نحو أهل فلسطين والأمة الإسلامية، ومقدمة لجريمة ونكبة أخرى ستتعدى آثارها وتبعاتها السياسية فلسطين وأهلها. فالضم بداية مرحلة وليس النهاية، كما كانت اتفاقية أوسلو مرحلة لما قبل الضم جمدت القضية وأعطت كيان يهود الفرصة والوقت للتحضير للضم والتهجير، فهذا الكيان لا نهاية لشروره، ويهودية الدولة والعمل على تغيير الحقائق الديموغرافية، والترحيل للأردن كلها أفكار قابلة للتنفيذ وضعت لها الخطط والبرامج والسيناريوهات القابلة للتطبيق.
تطبيق قد يعيقه مواجهة كيان يهود لما يسمى بالمجتمع الدولي الذي روّج لعقود لحل الدولتين عبر القرارات الدولية ومئات المؤتمرات والتصريحات والمبادرات، في محاولة منه لتثبيت كيان يهود وشرعنة وجوده على جل الأرض المباركة.
وتحاول أمريكا والغرب تخفيف وطأة عملية الضم بالدعوة إلى الحفاظ على الوضع القائم وحل الدولتين، والضغط على كيان يهود لعدم اتخاذ خطوات دراماتيكية قد تشعل المنطقة ولا تفيده، فجوهر ردود الفعل الأمريكية والغربية يسكنها الخوف على كيان يهود من تهوره، وليس مصلحة أهل فلسطين أو حرصهم على الإنصاف والعدل.
إن كيان يهود يدرك هذه الحقيقة فلا يعتبر ذلك عقبة حقيقة بقدر اختلاف في التسميات والمصطلحات التي لا تغير من الواقع شيئا، فيلجأ إلى استخدام التعابير الملطفة ومصطلحات قد تعتبر من الناحية السياسية أكثر شرعية مثل "تطبيق السيادة"، الذي يبدو أكثر استساغة من مصطلح "الضم" لإزالة الحرج الدولي وتخفيف وطأة إدارة الظهر لعقود من المواقف وركام من القرارات الدولية التي طحنت الهواء وكسبت الوقت لصالح كيان يهود.
وعلى الجانب الآخر فقد كان موقف الحكام العملاء والسلطة دافعا ومحفزا لكيان يهود للمضي قدما في خططه، فعبر ثلاثين عاما من حكم أوسلو لم تعمل السلطة إلا على مزيد من التوهين والتقييد وقتل الثورية وتقليص القدرة على المواجهة، وهي بذلك مهدت الطريق لهم وجمدت الوقت لصالحهم.
فالضم والتنكر للاتفاقيات ليس وليد اللحظة ولا وليد حكومة جديدة وإنما له مقدمات شاركت فيها القيادات الخائنة، فبعد أن كانت حكومات يهود تلاحق وتحتمي بالمجتمع الدولي والقوانين الدولية لتحصل على السلام والشرعية ها هي تستدير وتقف في وجه ما يسمى بالمجتمع الدولي واضعة تحت أقدامها ما وقعته مع السلطة بعدما استنفدت مآربها من تلك الاتفاقيات.
إن كيان يهود هو كيان سرطاني متمدد لا ينفع معه إلا استئصاله، فعقود من التخاذل والهوان تحت مسميات السلام لم تزده إلا شراسة وخطورة، ومع ذلك كله تهرول الأنظمة العميلة للغرب نحو التطبيع مع كيان يهود على وقع الضم الفعلي للأرض.
أما السلطة الفلسطينية فلا هم لها إلا بقاء السلطة ومصالح رجالاتها، فمشروع السلطة جوهره بقاؤها لا بقاء الأرض أو تحريرها، وهو مشروع صمم ليقتات على بقايا فتات المشاريع الدولية والأمريكية، ومن هنا تعتبر مسألة الضم خطرا على بقاء أصحاب مشروع السلطة التي باتت الحقائق تجسد لهم أن من رضي بالهوان والفتات فإن عدوه لن يبقي له حتى الفتات وخاصة إن كان العدو هو يهود ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً﴾.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع