بعد خروجها منتصرة على أنقاض أوروبا المدمرة إثر الحرب العالمية الثانية مرورا بانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، وضعت الولايات المتحدة الأمريكية بصفتها الدولة الأولى في العالم نظاما عالميا يخدم مصالحها وتفردها في السياسة الدولية دون منازع حقيقي.
وحاولت من خلال هيمنتها على القرار الدولي وأدواته الاستعمارية؛ سواء هيئة الأمم المتحدة وما انبثق عنها من مؤسسات دولية كمجلس الأمن وصندوق النقد الدولي والمحكمة الجنائية الدولية واليونسكو والمعاهدات الدولية، حاولت أن تمسك بيدها على زمام التحكم بالعالم في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لتخترق بذلك كل الحصون السياسية وتنفذ في خططها إلى حصون الثقافة والقيم في محاولة لتغيير فكر الشعوب وثقافتهم لتجعل منهم عبيدا يرضون بما تصنع بهم مقتنعين مضبوعين بثقافة وقيم أمريكا والغرب وأنها الأفضل والأكثر رقيا بما روجت له من حقوق الإنسان والمرأة والطفل وحق الشعوب في الاختيار والمساواة والحرية، وكل تلك الحقيبة المتكاملة من الأباطيل التي تكسرت على أعتاب الأحداث والمآسي التي اقترفتها في العالم!
فقد خرجت الولايات المتحدة الأمريكية للعالم حاملة لواء الديمقراطية الخبيثة تحت غطاء من الأباطيل زاعمة سعيها لتحرير الشعوب من الطغاة والدكتاتورية والظلم، واضعة لذلك القوانين والأطر الدولية التي تخدم هذه الأهداف التي روجت لها عبر الإعلام، وصفق لها وردد وراءها الحكام الخونة وأتباعها كالببغاوات قوانينها وسياساتها وثقافتها، وكرّسوا التبعية لأدواتها ومواثيقها الدولية، فزاد الظلم وذاق العالم المرَّ مغلفاً بأساطير الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان!!!
فدخلت أمريكا إلى أفغانستان ودمرتها وقتلت مئات الآلاف، وانتقلت للعراق لتحاصره لتبيد شعبا وتحرق أرضه بالفسفور المنضب، ودعمت الطغاة الخونة المترنحين أمام شعوبهم فحرقت ودمرت حواضر المسلمين في الموصل وحلب وغيرهما... وصولا لدخولها الحرب سافرة متبجحة إلى جانب كيان يهود لتسقط حممها وقنابلها على أهل غزة فتقتل الأطفال والشيوخ والنساء وتقصف المستشفيات والمدارس على مسمع ومرأى العالم وشعوبه التي كفرت بأساطير الحرية وحقوق الإنسان التي تباكت عليها أمريكا غير بعيد في أوكرانيا.
فأوكرانيا التي حشدت لها أمريكا والغرب كل الدعم المالي والعسكري وتكاد تقاتل معها على كل شبر وتصدر القوانين والمواقف الداعمة لها وتتشبث بإعادة كل ذرة تراب لها من روسيا المحتلة بما في ذلك جزيرة القرم، تشكل علامة فارقة في الكذب والدجل الأمريكي المغلف بدموع التماسيح على أطفال أوكرانيا، فهل أوكرانيا وأطفالها بشر ولهم كل الحقوق والدعم والدموع، وغيرهم ليسوا بشرا ولا يملكون الحق في الدفاع عن أنفسهم كما هو الحال في غزة وغيرها من بلاد المسلمين؟!!
إن هذا المثال الصارخ أمام أعين البشرية الآن يدلل على وحشية النظام العالمي الذي تقوده أمريكا، فالعالم بات يدرك أن كل ما تقوم به الولايات المتحدة والغرب وعملاؤهم من الحكام الخونة هو لمصالحهم المادية الجشعة ولضمان السيطرة على ثروات العالم وشعوبه والتحكم بها وأن كل القوانين والمعاهدات والأدوات الدولية مسخرة لتلك المهمة الوحشية، وأن دماء الشعوب ودمار الحواضر والمدن لا قيمة لها في قاموس النظام العالمي الذي تقوده أمريكا. بل إن دماء البشر وتدمير البلدان أصبح وسيلة للتقدم الاقتصادي وزيادة أرباح الشركات العالمية الأمريكية سواء التي تبيع الأسلحة أو تلك التي يحال لها مشاريع إعادة الإعمار بعد التدمير والقصف والإبادة الجماعية!
إن هذا العالم المنهك المدمر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تحت وطأة هذا النظام العالمي الأمريكي الظالم بات يدرك عوار ووحشية المبدأ الرأسمالي المادي الذي تحكم به أمريكا العالم؛ فالأحداث والشواهد تراكمت أمام أعين البشرية في ظل انفتاح وسائل الإعلام غير الرسمية وسهولة الوصول للصورة والحقائق.
وإن البشرية اليوم في حاجة ماسة وحيوية لنظام عالمي جديد عادل ورحيم وإنساني وروحي يعيد للبشرية اتصالها بخالقها وبشريعته السمحاء التي تنشر النور والرحمة، وتخرج البشرية من جور قوانين أمريكا وإجرامها وعنصريتها!
والأمة الإسلامية هي الوحيدة المرشحة لقيادة العالم بما تحمله من عقيدة وتشريعات ربانية تحل مشاكل العالم المنهك والمتعب، وتنقذه من المستنقع الدموي المادي الذي أغرقته فيه أمريكا والغرب!
إن الثأر المعتق في عيون أطفال غــزة وقلوب المسلمين في العالم من هذا الظلم والقتل والتهجير واستباحة الدماء والثروات والذل، سينفجر في بقعة ما من العالم الإسلامي ليطيح بعملاء أمريكا وطغاتها لتستعيد الأمة سلطانها المسلوب بإقامة الخلافة على منهاج النبوة التي تحرر الأرض والمقدسات وتثأر من الظلمة والوحوش البشرية، وتحمل الإسلام رسالة عدل ونور للبشرية فتخلصها من هذا النظام العالمي الجائر المادي.
وقد آن لأهل القوة والمنعة وقادة الجند المخلصين في الأمة أن يقوموا بواجبهم في اقتلاع جذور النظام العالمي الأمريكي من بلادنا وإقامة الخلافة على منهاج النبوة فقد استنصرتهم غزة والأمة وانتظرتهم البشرية الحائرة وآن لهم أن يلبوا النداء.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع