قال الله سبحانه وتعالى: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾
ترسم هذه الآية الكريمة حدود العلاقة بين الأمة الإسلامية وبين يهود، فيخاطب الله محمدا عليه الصلاة والسلام وأمته من بعده؛ لتجدن يا محمد أشد الناس عداوة للذين آمنوا بك وصدقوك واتبعوا ما أنزل عليك اليهود والذين أشركوا، وتلك حقيقة قرآنية لا تتبدل ولا تتغير مع تغيير الأزمنة والأجيال والأمكنة.
والمكان هذه المرة هو الأرض المباركة والزمان زماننا والجيل جيلنا، والحقيقة القرآنية لا زالت تضبط علاقة الأمة بكيان يهود لتتجسد يوميا هذه العداوة في قتل كيان يهود للمسلمين على مسمع ومرأى من العالم فيقتلون الحرائر والشباب والأطفال ويقتحمون المسجد الأقصى المبارك ويستبيحونه ليل نهار.
والمطالبة بالتهدئة هي معاندة واضحة لتلك الحقيقة القرآنية من تلك الأنظمة والحكام العملاء للغرب المستعمر تكشف انسلاخهم عن ثقافة الأمة وثوابتها فيهرولون للتطبيع وعقد المعاهدات مع كيان يهود وكأنه الصديق الحميم والحليف الوفي!
فعندما يكون المشهد صارخا في العداوة مستجمعا لكل خيوط الحقيقة القرآنية في شدة عداء كيان يهود للمسلمين وتثور جموع المسلمين وينتفض أهل الأرض المباركة للمسجد الأقصى وحرماتهم أمام إصرار كيان يهود على القتل والاستباحة اليومية، فإن المطالبة بالتهدئة وعدم التصعيد تكون الغاية الأولى والسمة البارزة للتصريحات والتحركات السياسية لحكام المسلمين، ومطالبة حكام المسلمين بالتهدئة ليس لها إلا معنى سياسيا واحدا هو إعطاء كيان يهود رخصة بقتل المسلمين من أهل الأرض المباركة والتنكيل بهم وقمعهم واستباحة الأقصى والمقدسات دون رادع.
فالمطالبة بالتهدئة في ظل غضب أهل فلسطين ومحاولتهم الذود عن مقدساتهم وأعراضهم تعني في قاموس كيان يهود وحكام المسلمين أن من يقوم بتصعيد الوضع والإخلال بالهدوء هم أهل فلسطين، وأن الوقوف في وجوههم بالقتل والاعتقال والقمع والترهيب مهمة جليلة في سبيل التهدئة وعدم التصعيد وضمان استقرار المنطقة وعدم انزلاقها لحرب. وهذه رخصة واضحة بالقتل ممهورة بخاتم الحكام الخونة والأنظمة العميلة للغرب في بلادنا.
فالأنظمة الحاكمة في بلادنا سواء ما يسمى بدول الطوق أو غيرها تقول عبر دعواتها للتهدئة لكيان يهود بلغة يفهمها جيدا: اقتلوا من شئتم واعتقلوا من شئتم حتى تتم تهدئة الأوضاع وتستقر المنطقة، وتستقر بذلك عروش الحكام الخونة. وبذلك يكون الحكام هم من أعطى كيان يهود الضوء الأخضر للقتل والقمع وتقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا لصالح كيان يهود، وتلك حقائق سياسية تنطق بها الأحداث اليومية وتكشفها الوقائع السياسية.
فهل طلبت أمريكا والاتحاد الأوروبي من أوكرانيا التهدئة وعدم التصعيد أمام الاجتياح الروسي أم أنها زودتها بالأسلحة وتكاد تقاتل معها على كل شبر من أجل مصالحها ومحاولة صد الاجتياح الروسي أو تكبيد روسيا خسائر وتحجيمها سياسيا؟!
فالحقيقة السياسية صارخة في وجوب دخول المعركة إن أردت حماية مصالحك والدفاع عن أهدافك، وقد تدخلت أمريكا في المعركة بشكل سافر عبر دعمها عسكريا وسياسيا وإعلاميا لأوكرانيا ضد الغزو الروسي.
وتغيب هذه الحقائق كليا في تعاطي الأنظمة الحاكمة في بلادنا في قضية الأرض المباركة وفي قتل اليهود للمسلمين واستباحة الأقصى فتطالب وبلا خجل بالتهدئة وعدم التصعيد بل وتحذر من حرب دينية وكأن الدماء تحقن بالتهدئة والمقدسات تحرر بعدم التصعيد!
إن مطالبة الأنظمة بالتهدئة في كل جولة من جولات الصراع مع كيان يهود لا يعني إلا إصرارها على إعطاء أهل فلسطين والأرض المباركة لقمة سائغة لكيان يهود يفعل بهم ما يشاء فيقتلهم أو يهجرهم أو يقمعهم ويستبيح المسجد الأقصى كيفما يشاء. فالأنظمة لا تريد تصعيدا أو حربا دينية ولا تريد حربا فعلية لأنها لا تريد تحريرا أو صدا للعدوان، ولا تريد حماية الأراضي ولا حقن دماء المسلمين، بل تريد حماية عروشها وتثبيتا لكيان يهود كمصلحة حيوية للمستعمر الغربي الذي شيد لهم عروشهم على دويلات سايكس بيكو التي أنشأها ليقسم الأمة الإسلامية ووضعهم نواطير عليها.
إن تحرير الأرض المباركة يمر عبر اقتلاع هذه الأنظمة العميلة للغرب فهي جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل، فكل همها التهدئة وعدم التصعيد وعدم إشعال حرب تجتث كيان يهود وعروشها؛ فتقف أمام الأمة وجيوشها وشعوبها لمنعهم من التحرك الجدي لتحرير فلسطين واقتلاع كيان يهود.
إن تحرير فلسطين واجب على الأمة الإسلامية وعلى جيوش الأمة وكل قواها الحية أن تفك القيود التي كبلتها بها هذه الأنظمة العميلة للغرب المستعمر فتعيد سيرة صلاح الدين الذي حرر فلسطين من الصليبيين وتنطلق كما انطلق قطز بجيوشه من مصر فتمردت جيوش الممالك التي والى حكامها الصليبيين والمغول والتحقوا بجيوش قطز لتكون معركة عين جالوت التي كسرت المغول وتحررت بها الأرض المباركة وبلاد الشام.
واليوم تستطيع جيوش الأمة أن تتمرد على حكامها لتكون عين جالوت من جديد وتصنع حطين في نسختها الثانية بيد جيوش لا تقهر ما دامت تقاتل في سبيل الله، فالنصر حليفها والتحرير طريقها، وتلك حقيقة تاريخية وسياسية أخرى آن لجيوش الأمة أن تتلقفها فتعيش النصر في ساحات المسجد الأقصى على وقع التكبير والتهليل ذاته الذي انطلق من حناجر أهل الأرض المباركة يوم حطين وعين جالوت.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع