يقول حزب التحرير في كتاب "مفاهيم سياسية" (والتنافس والتشاحن والتصارع الموجود اليوم، بين أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، الظاهر منها والخفي، حول قضايا العراق، وأفغانستان، والشرق الأوسط، وغيرها من القضايا الدولية، إنما هو من أجل الاستعمار، ومن أجل السيطرة على المنافع والموارد؛ لذلك فإن الاستعمار هو الذي يتحكم في الصراع الدولي الآن، بما يتضمنه من نـزاع على الموارد، وصراع على النفوذ، وتنافس على السيطرة بكافة أشكالها وأنواعها).
والصراع بين الدول قد يكون ظاهرا كما هو الآن بين أمريكا والغرب وبين روسيا في أوكرانيا، وقد يكون خفيا من خلال الأدوات، ويكون دور المركز هو ضبط الحركة لتسير وفق الخطة المراد تنفيذها. والصراع في العالم قديم وليس حديثا بل لا يخلو منه عصر، وكان من أشد مناطق الصراع في العالم هو الشرق الأوسط وكان مركّزاً بفاعلية بين أمريكا وبريطانيا خاصة بعد مؤتمر إسطنبول الثاني 1950م حيث (رأى الدبلوماسيون الأمريكيون المعتمَدون لدى المجموعة العربية أن لا سبيل لبقاء السياسة الأمريكية مرتبطة بالسياسة البريطانية، إذا كانت تريد فعلاً تحويل الشرق الأوسط إلى قاعدة أمريكية) فألغت فكرة المشاركة مع الإنجليز لتتحول إلى إخراجهم من المنطقة نهائيا فانتقلت أمريكا من سياسة المشاركة إلى إدارة الصراع.
وعليه كانت دول المنطقة ومنها اليمن محل الصراع، حيث بدأ الصراع على اليمن في الستينات (أي منذ انقلاب السلال 1962م الذي كانت وراءه أمريكا وأعلنت الجمهورية اليمنية، وبقيت بريطانيا في جنوب اليمن حتى أقامت فيه جمهورية عام 1967، وانسحبت عسكرياً من هناك. وكان النظام المصري الموالي لأمريكا بقيادة عبد الناصر يقود الحرب لحسابها في اليمن الشمالي حتى هزيمة الجيش المصري في حرب 1967م، ومن ثم انسحابه، وعلى إثر ذلك قامت بريطانيا في هذا العام عام 1967 بقلب عبد الله السلال عميل أمريكا وأتت بعملائها إلى الحكم في الشمال. فأصبح الشمال والجنوب تحت السيطرة البريطانية. ولكن الصراع استمر بين الدولتين المستعمرتين القديمة والجديدة بواسطة الانقلابات، إلى أن أتت بريطانيا بعميلها علي عبد الله صالح عام 1978 في الشمال، وكان على رأس النظام في الجنوب سالم البيض. فرأت بريطانيا من أجل المحافظة على نفوذها والوقوف في وجه أمريكا أن توحد شطري اليمن برئاسة عميلها علي عبد الله صالح فتم ذلك عام 1990. وعندما جرت الانتخابات عام 1993 وكسبها حزب علي صالح، عدَّها علي سالم البيض قتلاً لنفوذه). فاستغلت أمريكا هذا الأمر واستطاعت أن تضم سالم البيض إلى جانبها فيصبح ولاؤه لها ممنية إياه بإعادته رئيساً للجنوب بعد فصله عن الشمال، فأعلن البيض فصل الجنوب في تمرد مكشوف. ولكن بريطانيا بواسطة نظام علي عبد الله صالح وعملائها الآخرين في المنطقة استطاعت أن تفشل هذا التمرد، واستمر النفوذ البريطاني.
وبقي الأمر مستقرا للإنجليز حتى عام ٢٠١١ حيث اندلعت الاحتجاجات في اليمن فتحركت أمريكا لإسقاط علي صالح عميل بريطانيا المخلص والذي ناكف أمريكا طوال فترة حكمه، فتحركت بريطانيا بنفسها لإخراجه من المشهد من خلال أدواتها تحت مسمى المبادرة الخليجية التي أخرجته من الحكم وسلمته لعميل آخر وهو عبد ربه منصور هادي مسايرة لأمريكا خشية تمكنها من إسقاط النظام كله وإقامة نظام آخر عميل لها.
وأمريكا تدرك قوة قاعدة بريطانيا في اليمن لذا وضعت استراتيجيتها بناء على ذلك، ووضعت خطة قابلة للتطبيق وهي إشراك بعض أدواتها في الحكم وليس أخذ اليمن كله بداية وأخذه سيكون من الداخل فأدخلت الحوثيين في صراع مع عملاء بريطانيا وزودتهم بالمال والسلاح اللازم حتى تمكنوا من السيطرة على العاصمة بل تمددوا في اليمن بشكل لافت وكبير ووقعوا في شرك الإنجليز فهم فئة قليلة لا تستطيع السيطرة على اليمن.
والتمدد كان خطأ منهم فلا هم قادرون على التراجع ولا على الثبات فرأت أمريكا إدخالهم في حرب لتجعل منهم الضحية بدل المعتدي لتهيئ الأجواء مستقبلا لحوار ومفاوضات تجمع الطرفين ليكون الحوثيون نداً في مفاوضات مع عملاء بريطانيا، فما كان من بريطانيا إلا عرقلة توحيد أتباعها هروبا من الجلوس للمفاوضات حتى اضطرت تحت الظرف الدولي وحرب أوكرانيا والأوضاع الصعبة في مناطق الشرعية للقبول بفكرة توحيد الحكومة الشرعية مع المجلس الانتقالي الذي أنشأته الإمارات مع الأحزاب والمليشيات التابعة لها في مجلس رئاسي موحد مع فكرة إسقاط هادي ليتولى هذا المجلس صلاحيات عبد ربه والمفاوضات مع الحوثيين. قالت بريطانيا إنها تتوقع من مجلس القيادة الرئاسي في اليمن العمل بجدية وسرعة نحو المفاوضات السياسية مع الحوثيين، ولإدراكها طبيعة المرحلة القادمة فقد جمعت في المجلس رجالاتها مشكلة إياهم من شمال اليمن وجنوبه؛ لتظهر أنهم يمثلون أهل اليمن كلهم مقابل فئة قليلة ليسوا ندا كما تريد أمريكا حتى لا تعطيها حصة الند، ومشاركة بسيطة لهم من دون تأثير في القرار والنفوذ والسلطة، ولعل البعض يتحدث عن موافقة أمريكا على هؤلاء بل وتسمية المجلس الرئاسي بالمجلس الأمريكي مع أنهم عملاء الإنجليز، فمثلا رئيس المجلس وهو رشاد العليمي وهو من رجالات الإنجليز ونظرة بسيطة لتاريخه تعرفنا من هو فقد شغل منصب وزير الداخلية عام 2001، وشغل منصب رئيس اللجنة الأمنية العليا ونائب رئيس الوزراء في عام 2006، وفي أيار/مايو عام 2008، أصبح نائباً لرئيس الوزراء وزيراً للداخلية لشؤون الدفاع والأمن، وفي العام نفسه تولى منصب وزير الإدارة المحلية، وهو عضو في اللجنة العامة لحزب المؤتمر الشعبي العام، وعضو مؤتمر الحوار الوطني اليمني، وشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية في عام 2014؛ فهو من رجالات الهالك علي صالح، بل وأشد عملاء الإنجليز. وحزب المؤتمر هو حزب علي صالح.
فالمجلس كفكرة أمريكي وخضعت لها بريطانيا، لكن رجالات المجلس هم إنجليز وليسوا من أدوات أمريكا. وتكون أمريكا بذلك نجحت في الخطوة الأولى من توحيد عملاء بريطانيا بموافقة بريطانيا في بوتقة واحدة ومحاولة جعل الحوثيين ندا لهم وليس مجرد فئة قليلة جدا. ورعى هذا الأمر أدوات أمريكا في المنطقة مع أدوات بريطانيا السعودية وإيران والإمارات ووافقت عليه الأدوات في الداخل سواء (الشرعية) والانتقالي ومن معهم والحوثيون، وأنفقت السعودية والإمارات المليارات لنجاح خطة أمريكا وتحقيق الهدف الأمريكي لإشراك الحوثيين في الحكم لتدخل اليمن في صراع سياسي بشكل آخر بل وأشد خطورة على اليمن وأهلها. ولن يهدأ الصراع كما يزعمون ولو بعد الاتفاق بين الطرفين لأن ما قامت به أمريكا هي الخطوة الأولى فقط وبعدها ستكون الخطوات أكبر وأشد تأثيرا من خلال وجود أدواتها في الحكم وعملائها في المنطقة وتأثيرها الدولي، حتى يستطيع أحد الطرفين القضاء على الآخر نهائيا، فتخلص البلد لأحدهما؛ ولذا لن يكون الهدوء إلا مؤقتا ليدخل اليمن في صراع وشكل آخر من خدمة دول الكفر وبيد دول المنطقة وأبناء اليمن، أو أن تتغير الأمور دوليا فيقضي الله أمراً كان مفعولا بإقامة دولة الإسلام لينعم اليمن بعدلها، وما ذلك على الله بعزيز.
رأيك في الموضوع