في سابقة من نوعها صوّت البرلمان الباكستاني يوم السبت الثالث من نيسان/أبريل 2022م بالموافقة على إقالة رئيس الوزراء عمران خان من منصبه، وقال رئيس مجلس النواب إن أحزابَ المعارضة تمكنت من الحصول على 174 صوتاً في البرلمان المُؤلف من 342 نائباً لدعم اقتراح سحب الثقة، ما منحها الأغلبية في التصويت، واتهمت المعارضة عمرانَ بأنه غير كفء في إدارة شؤون البلاد، حيث ارتفعت نسبة البطالة وازداد التضخم. وبصرف النظر عن الأسباب التي ساقتها المعارضة، إلا أنّ هناك ألف سبب يمكن أية معارضة من المطالبة بتنحيته، ومرد ذلك لا يعود إلى شخص عمران أو حزبه حديث التشكيل، بل يعود إلى النظام نفسه القائم على العلمانية الفاسدة، خصوصاً عندما تكون العلمانية مقتصرة على إبعاد الإسلام عن حياة الناس، وباقي الأنظمة الرأسمالية المطبقة هي رأسمالية مشوّهة، من مثل النظامِ الاقتصادي الرأسمالي الذي يقوم على الربا المستنزف للاقتصاد، ونظامِ الحكم الديمقراطي الذي يديره حفنة من السياسيين الفاسدين هم عملاء للغرب، لا همّ لهم سوى خدمة المصالح الغربية في البلاد والاطمئنان لعدم وصول الإسلام إلى سدة الحكم، مقابل تمكينهم من الوصول إلى السلطة ومن نهب ثروات البلاد وسرقتها. هذا الوسط السياسي في باكستان جذوره بريطانية، بحكم استعمار بريطانيا لشبه القارة الهندية، وما زالت أبواب بريطانيا مشرعة أمام الفاسدين في هذا الوسط، يذهبون إليها كما لو كانت بيتهم الكبير، ولكن هذا لا يعني الولاء والعمالة، فولاء وعمالة الوسط السياسي ومنه الحكومات المتعاقبة وقيادة الجيش هي لأمريكا، وعلاقة الوسط السياسي في بريطانيا هي فقط امتداد طبيعي لحقبة الاحتلال البريطاني لشبه القارة، وهذا الحال ينطبق على عمران خان، حيث عاش فترة طويلة في بريطانيا وتزوج من امرأة بريطانية من عائلة الارستقراط البريطاني، وأنجب منها ابنين.
إن السبب الحقيقي وراء الإطاحة بعمران خان يعود إلى الحاكم الفعلي في باكستان وهو الجيش، فالجيش هو من مكن عمران خان من الفوز في انتخابات عام 2018م، من خلال تزوير الانتخابات، وهو الذي شكل له حزباً من وراء ستار (حزب تحريك إنصاف)، وكانت غاية الجيش من ذلك تأديب الأحزاب السياسية وعلى رأسها حزب الرابطة الإسلامية - جناح نواز وحزب الشعب الباكستاني، فلما تأدبت تلك الأحزاب معه وأبدت استعدادها التام للانصياع له، كما فعل شهباز شريف - شقيق نواز شريف الأصغر وزعيم حزب الرابطة الإسلامية - الذي قال بأنه سيتعاون مع الجيش، ألقى الجيش بعمران خان على قارعة الطريق، وأعاد السياسيين المخضرمين إلى إدارة شؤون البلاد بما يتماشى مع سياسته وهي خدمة مصالح أمريكا، وطبعا كان سبب فشل عمران خان في التحكم بالوسط السياسي وقيادته في باكستان هو أنه ليس جزءاً أصيلاً منه، وعجزه عن إدارة شؤون البلاد اقتصادياً، خصوصاً في ظل جائحة كورونا، ومعارضة عمران خان على التمديد لقائد الجيش لعدم الرجوع إليه في الأمر، ومعارضته لتعيين قائد جديد لجهاز الاستخبارات الباكستانية، كل ذلك دفع بالجيش إلى تقديم عمران ككبش فداء للنظام، واتهامه بالعجز، أي وضع اللوم كله عليه، وكان مما جنى الجيش من الإطاحة بعمران إشغال الشارع العام في أمر لا يعنيه ولا يغير في حاله شيئاً، ما يطيل من عمر النظام.
لم يكن لأمريكا دور محوري كما ادعى عمران بأن الإطاحة به كانت مؤامرة أمريكية، وادعاؤه هذا كان لتشريف نفسه وتبرئتها من العجز والفشل، ولعدم قدرته على تخطي الخطوط الحمراء التي تمنعه من الحديث مباشرة عن الجهة الحقيقية التي أطاحت به، مع أنه أشار إليها في معرض حديثه. بالتأكيد زيارة عمران لروسيا والصين كان مخططاً لها قبل اندلاع الحرب، ولم تقدم أو تؤخر من موقف روسيا في غزوها لأوكرانيا، ولم يكن عمران خان هو الذي كسر الإجماع الدولي ضد الاجتياح الروسي لأوكرانيا، خصوصا وأنه اختار الحياد في الموقف، ولم يكسر عصا الطاعة لأمريكا. لكن لا شك أن أمريكا قد استفادت من الإطاحة به من خلال إرسال رسالة للعملاء بأن هذا هو مصير كل من يحاول الخروج عن إرادتها، ولو شكليا، ولكن ليس هذا هو السبب الحقيقي وراء طرده من الحكم، فتدخل أمريكا في الأمر لم يكن محوريا، بل الصراع كان داخلياً بين العملاء وضمن الهامش الذي تسمح به سيدتهم أمريكا. على الرغم من أن عمران كان مطيعا لأمريكا حافظاً لمصالحها في المنطقة، وعلى الرغم من عمله الجاد في جلب قيادة طالبان إلى بيت الطاعة الأمريكي، والذي كان متمثلا في المفاوضات التي جرت بين أمريكا وقادة طالبان، وتسليمهم للحكم في أفغانستان، والتزام عمران بدور باكستان في حرب أمريكا على الإسلام، المتمثل بالاستمرار في الحكم بغير ما أنزل الله، ومحاربة من يدعون إلى الحكم بالإسلام مكذّباً شعاره "دولة المدينة المنورة"، وعلى الرغم من انصياعه التام للمؤسسات الدولية التي تهيمن عليها أمريكا من مثل البنك وصندوق النقد الدوليين؛ إلا أن ذلك كله لم يحفظ له أي جميل قام به إخلاصاً لهم، وهذا تأكيد جديد على قانون العملاء الذي تتبناه أمريكا والدول الاستعمارية، وهو أنه مهما خدم العميل سيده فإن للسيد التخلي عنه عند أول مفترق، وهذا ما حصل مع بنظير بوتو وصدام حسين وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح، وعمران خان لن يكون آخر كبش فداء.
إن دور الحكومات في باكستان، الدولة الفاشلة التابعة لأمريكا، ليس إلا دوراً وظيفياً، وتغيير وجه النظام بتغيير الحكومات والرؤساء فيها لا يغير من حال باكستان المبدئي والسياسي والاقتصادي... الخ، فالفساد والتبعية للغرب هو عنوان كل الحكومات الماضية والقادمة أيضا، ما بقي هذا النظام في البلاد، دستوراً وقانوناً ووسطاً سياسيّاً، وما الاحتجاجات التي خرجت بعد الإطاحة بعمران إلا احتجاجات ضد النظام وضد الحالة المعيشية في البلاد وضد النفوذ الغربي البغيض في البلاد، ولم تكن تأييدا لعمران وإن بدت كذلك في الإعلام، فمن عرضها كذلك هو الإعلام البريطاني لوضع العصي في دواليب السياسة الأمريكية، لذلك كان الحل الوحيد لباكستان، البلد المسلم الذي قام على حب الإسلام، هو إقامة الإسلام فيه متمثلا بدولة الخلافة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع