أُجبر جيش بنغلادش على إعلان استقالة الشيخة حسينة بعد الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت شوارع المدن الرئيسية في بنغلادش، وسقوط مئات القتلى على أيدي جلاوزة الطاغية حسينة، حيث لم تتمكن حسينة وجلاوزتها من الوقوف أمام سيول المحتجين في الشارع وتعاظم الاحتجاجات، ما ألجأ الجيش إلى إعلان استقالة الطاغية وتأمين فرارها إلى ولي أمرها (الهند)؛ في سبيل إنقاذ النظام، وسارعت الدولة العميقة إلى تشكيل حكومة انتقالية لحماية الجيش وإحباط الثورة وضمان عدم استغلال أي طرف من المتصارعين الدوليين الاستعماريين على البلاد، وخاصة أمريكا، ولضمان عدم قيام نظام حقيقي بديل متمثل بالإسلام العظيم، وهكذا كان، فقد تم ترشيح محمد يونس، ودسّ هذا الاقتراح على قادة الاحتجاجات في بنغلادش كي يطالبوا بتولي محمد يونس للحكومة، حتى يبدو ذلك كمطلب شعبي من قادة الحراك الشعبي؛ فئة الطلاب، خاصة وأن محمد يونس شخصية لم يُعرف عنها الفساد المستشري في البلاد، وحائز على جائزة نوبل للسلام، كما عُرف عنه أنه "نصير للفقراء"، ولديه نظريات اقتصادية مغلّفة بالرحمة بالفقراء، وعنده نموذج رأسمالي في ذلك، تماما مثل مهاتير محمد في ماليزيا، فسارع يونس إلى قبول تولي رئاسة حكومة انتقالية في بنغلادش.
لقد تربّت الطاغية حسينة وترعرعت في كنف الإنجليز وعملائهم في الهند، وهي تنحدر من عائلة عميلة للإنجليز، وابنة مجيب الرحمن العميل الإنجليزي وزعيم الانفصاليين الذي ترأس ثورة انفصال بنغلادش عن باكستان عام 1971م، بمساعدة الهند، لتستلم حسينة السلطة لأول مرة من خلال انتخابات عام 1996م، وتخسر منصبها كرئيسة للوزراء في عام 2001م لصالح خصمتها آنذاك التي كانت يوماً حليفة لها (خالدة ضياء من الحزب الوطني البنغالي)، لتعود حسينة إلى السلطة في عام 2009م عبر عملية اقتراع أشرفت عليها حكومة تسيير أعمالها، وراحت تتعاقب على الحكم في ولايات خمس متتالية، كانت آخرها بعد انتخابات بداية عام 2024م.
لقد كان عند أهل بنغلادش ألف سبب يدفعهم للإطاحة بالطاغية حسينة، حيث فشا في فترات حكم الشيخة حسينة مختلف صنوف الفساد والفشل، فهي امرأة حكمت بالحديد والنار، ولأنها كانت تحكم بغير ما أنزل الله، فقد أفرز نظام الحكم الكافر الذي حكمت به العديد من المشاكل والمصائب، من مثل: الفساد الحكومي وانتشار المحسوبية خصوصاً لصالح أعضاء حزبها الذين كانوا يمارسون البلطجة على الناس، صنو شبيحة بشار الأسد من النصيريين يوم كانت لهم صولة. لقد سادت فترة حكم حسينة الجبري الدكتاتورية وإقصاء وتصفية وقتل كل مخالف لها، ومجزرة حرس الحدود التي قامت بها حسينة في 25 شباط/فبراير 2009م على أيدي قوات الاستخبارات الهندية مثال بارز على ذلك، وقد شاعت فترة حكمها حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القانون على أيدي قوات الأمن البنغالية، وانتشرت سجون تعذيب أشبه بسجون الجزار بشار في الشام، كما انتشر الفقر والبطالة، على الرغم من غِنى البلد ومصادرها الطبيعية، ناهيك عن ولائها وتبعيتها للغرب والهند، والسماح لهم بدوام التدخل في شؤون البلاد. أما القشة التي قصمت ظهر البعير ووقعت على إثرها الاحتجاجات، فكانت تخصيص 30% من الوظائف الحكومية لأفراد عائلات المشاركين في حرب الانفصال عن باكستان.
إن حال الثورة في بنغلادش كحال ثورات الربيع العربي، فهي وإن كانت ثورة مباركة مطالبها شرعية، إلا أنه لا يوجد لها حتى الآن غاية محددة، والبديل ليس واضحا لديها وكذلك مشروع التغيير، وتفتقر إلى المشروع السياسي الذي يخرج البلاد من تبعيتها للغرب وينهض بها ويجعلها في مصاف الدول الرائدة في العالم.
على الرغم من وجود حزب التحرير صاحب المشروع الحضاري البديل، الذي يحقق التغيير الحقيقي والنهضة الصحيحة التي ترضي ساكن الأرض وساكن السماء، إلا أن الغرب وأذرعه في البلاد لن يسمحوا له بقيادة مشروع التغيير في البلاد وعرضه بحرية على مختلف شرائح المجتمع، ومنهم أهل العلم وأهل القوة في البلاد، لذلك كان لزاما على الحزب أن يعمل لانتزاع السلطة من مغتصبيها في الدولة العميقة المُسيَّرين من الكافر المستعمر بشقيه، الإنجليزي والأمريكي ومعه الهند، وكان لزاما على العاملين لإعلاء كلمة الدين ونصرة الإسلام والمسلمين في حزب التحرير ومعهم المخلصون من أهل بنغلادش، من علماء وناشطين وطلاب وسياسيين وإعلاميين، أن يرغموا أهل القوة المتمثلين بالجيش على إعطاء النصرة للحزب، فالحزب هو الأقدر على قيادة البلاد بالحكم بما أنزل الله، وهو السياسي الفذّ الذي سيقطع أذرع الغرب والعابثين في البلاد والعباد من المستعمرين وعملائهم المحليين والإقليميين، فاستبدال طاغية باقتصادي - وإن كان غير فاسد - لا يكفي، بل يجب تغيير أركان النظام والدستور والقوانين والوسط السياسي العميل، وبغير هذا التغيير الجذري والشامل، فإن الحكم الجبري سيخرج من الباب ويعود من الشباك كما حصل في مختلف بلدان الربيع العربي!
أخيراً، فإنه على الرغم من سعي عملاء الإنجليز - وهم أكثر الوسط السياسي والدولة العميقة في البلاد - إلى الحفاظ على عمالة النظام للإنجليز، إلا أن أمريكا تتربص بالنظام ولن تتوانى في تغيير عمالة النظام إليها، ولكنها تشترك مع الإنجليز في حرصها على أن يظل النظام علمانياً تابعاً للقوى الغربية وليس مستقلاً بالإسلام، وهذا هو التحدي الذي يواجه المخلصين في حزب التحرير وغيرهم، ونحن بأمسّ الحاجة إلى عون الله سبحانه وتعالى للحزب حتى يتمكن من إيصال دعوته ومشروعه الحضاري البديل إلى عموم الناس في البلاد وخصوصا الثائرين فيه وأهل القوة والمنعة، حتى يعطوا النصرة للحزب، والأيام القريبة الماضية والقادمة تبشر بخير بإذن الله، فالناس في حالة فرح لزوال الطاغية، بعد أن كسروا حاجز الخوف وأصبحوا في وضع اختيار البديل، ندعو الله أن تكون الخلافة على منهاج النبوة البديل الذي تنشرح به صدور أهلنا في بنغلادش وأهل قوتهم ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً﴾.
رأيك في الموضوع