إن اضطهاد المسلمين في بورما ليس بجديد، بل هو قديم قدم أفول شمس الحكم بالإسلام في شبه القارة الهندية، والاستعمار البريطاني للقارة، والذي كان يتعمد خلق النزاعات بين أصحاب الأديان والأعراق المختلفة ليتمكن من السيطرة على الشعوب المستعمَرة ونهب ثرواتها، وقد كان أول اضطهاد للمسلمين في ميانمار لأسباب دينية في عهد الملك باينتوانغ (1550-1589م)، الذي حظر الذبح الحلال للدواجن والمواشي بسبب التعصب الديني، وأجبر المسلمين على الاستماع إلى الخطب والمواعظ البوذية وعلى تغيير دينهم بالقوة. وحصلت مذبحة مروعة للمسلمين في أراكان لأسباب دينية أيضاً في القرن السابع عشر الميلادي، حيث تم قتل بعض أفراد عائلة الأمير شاه جهان، وقُطعت رؤوس الرجال الذين يطلقون اللحى، واحتُجزت النساء في السجن حتى الموت جوعاً، واستهدفت المذبحة جميع اللاجئين المسلمين من أصول هندية. وفي عهد الملك بوداوبايا (1782-1819م) قُبض على أشهر أربعة أئمة ميانمار المسلمين وتم قتلهم بعد رفضهم أكل لحم الخنزير. وبعد الأزمة الاقتصادية العالمية في 1929م اندلعت في بورما سنة 1930م أعمال شغب معادية للهنود، ومن ضمنهم المسلمون، تحت الحكم البريطاني، وخلال أول نصف ساعة فقط ذُبح ما لا يقل عن 200 هندي وطُرحوا في النهر.
وفي عام 1997م اشتعل التوتر العنصري ضد المسلمين من قبل البوذيين في ماندلاي، وتم الاعتداء على ممتلكاتهم، فاستُهدفت المساجد أولاً، ومن ثم منازل المسلمين ومتاجرهم وعربات النقل في الأماكن القريبة من المساجد. وفي عام 2001م وزّع الرهبان كتيب (الخوف من ضياع العرق)، وغيرها من المنشورات المناهضة للإسلام في جميع الأنحاء. وكان سببُ تفاقم المشاعر العدائية ضد المسلمين هو استفزاز البوذيين بعد تدمير تماثيلهم في باميان بولاية باميان في أفغانستان، حيث طالب الرهبان البوذيون على إثره بتدمير مسجد هانثا في توانغو "انتقاماً"، وفي يوم 15 من أيار/مايو 2001م اندلعت أعمال شغب ضد المسلمين في توانغو، فخرب العنصريون بقيادة الرهبان البوذيين مقرات المسلمين من شركات ومنازل وأتلفوا ممتلكاتهم، ودمّروا أكثر من 11 مسجداً، وأحرقوا أكثر من 400 منزل، وقتلوا أكثر من 200 مسلم. وفي عام 2016م، أصدرت الحكومة البورمية بيانات التعداد السكاني الخاصة بالدين والعرق لعام 2014م، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ 33 عاماً، بعد عامين من التأخير، لتظهر تلك البيانات تراجعاً في نسبة مسلمي البلاد، من 3.9% من إجمالي تعداد السكان لعام 1983، إلى 2.3%، في حين لم يشمل التعداد حوالي 1.2 مليون نسمة من مسلمي الروهينجا، وأشارت نتائج التعداد إلى أن المسلمين المسجلين يقدرون بمليون و147 ألفاً و495 نسمة، من تعداد سكان البلاد البالغ 51.5 مليون نسمة.
إن ميانمار، والتي تعرف أيضا باسم بورما، تُحكم بنظام سياسي استبدادي عسكري، وذلك منذ استقلالها الشكلي عن بريطانيا في عام 1948م. تقع ميانمار في جنوب شرق قارة آسيا، تحدّها من الشمال الهند والصين، ومن الشرق الصين ولاوس وتايلند، ومن الجنوب تايلند والمحيط الهندي، ومن الغرب خليج البنغال وبنغلادش والهند، وعلى الرغم من مساحتها الكبيرة (نحو 677 ألف كيلومتر مربع) ومن مناخها الموسمي الذي يجعل الأرض خصبة للزراعة، ووفرة الموارد الطبيعية فيها مثل: الزنك، النحاس، الحديد، الرصاص، الفحم، الرخام، ومنتجاتها المهمّة مثل: الأرز، الأخشاب، الغاز، الفول، الملابس، النحاس، القصدير، التنغستن، الحديد، وبالرغم من غِنى البلاد ووفرة الموارد الطبيعية، إلا أن الناتج الفردي السنوي لا يزيد عن 1700 دولار سنوياً. وتعداد السكان في ميانمار يبلغ نحو 50 مليون نسمة، غالبيتهم بوذيون والإحصاءات الرسمية غير الصحيحة تظهر أن نسبة المسلمين فيها لا تزيد عن الخمسة في المائة.
كحال باقي بلدان ما تُسمّى بالعالم الثالث، تم التعامل مع ميانمار من قبل الدول العظمى الاستعمارية بسياسة "جمهوريات الموز"، يتصارع عليها الاستعمار القديم المتمثل ببريطانيا والدولة الاستعمارية الجشعة أمريكا، ومنذ استقلال ميانمار عام 1948م لغاية إخراج أمريكا لزعيمة حزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية أونغ سان سو تشي من السجن وإجراء انتخابات عام 2015م، تفرّد الإنجليز بالحكم، ولكن مع ظهور سو تشي في المشهد السياسي، أصبح النفوذ السياسي منقسماً بين الإنجليز الذين يمثلهم الجيش، والوسط السياسي الموالي لأمريكا. ولم يدم ذلك طويلاً، ففي عام 2021م، وبعد الانتخابات التي جرت عام 2020م والتي حصل فيها حزب سو تشي على أغلبية ساحقة بلغت 83% أعادت الحكم إلى محبسه، قام الجيش بقيادة عميل الإنجليز وقائد الجيش الجنرال مين أونغ هلينغ بانقلاب عسكري على سو تشي، حيث لم يعترف الجيش بنتيجة الانتخابات التي تهدد هيمنته على الحكم المستمرة منذ 1962م. إن الذي يقف خلف سو تشي هو أمريكا، واهتمام أمريكا بميانمار هو بسبب محاذاتها للصين بالدرجة الأولى؛ فهي تريد أن تطوق الصين من كل جانب وتحول دون تمددها في إقليمها لتبقى محصورة في أرضها، لذلك ترغب أمريكا في تصفية النفوذ البريطاني من هذا البلد كما تعمل على تصفيته من كل مناطقه وخاصة شبه القارة الهندية. ولإحباط هذه المساعي الأمريكية، قامت بريطانيا بخبثها السياسي بدفع عملائها في الجيش البورمي إلى إظهار الودّ للصين، فراحوا يتقربون للشيوعيين للتغطية على حقيقتهم منذ الانقلاب الأول للجيش عام 1962م، كما تقربوا لروسيا، ومن ثم أطمعت بريطانيا الصينَ وروسيا بدعم النظام البورمي لمواجهة أمريكا، بينما لا يوجد نفوذ حقيقي للصين وروسيا في البلاد، سوى الأطماع في النفوذ ومواجهة التمدد الأمريكي في جنوب آسيا.
وبالنسبة للمسلمين في ميانمار، فإن قائد الانقلاب هو المسؤول الأول عن اضطهادهم وتهجيرهم منذ عام 2017م، وعلى الرغم من الصراع السياسي بين أمريكا وبريطانيا في بورما إلا أنهما متفقتان على دعم البوذيين في التنكيل بالمسلمين دون أن تهتز للغرب أية مشاعر إنسانية مزعومة سوى تصريحات عامة جوفاء، فعندما قام الجيش وعامة البوذيين المتعصبين، وفي مقدمتهم رهبانهم الحاقدون، باضطهاد المسلمين عام 2017م، لم تفعل أمريكا شيئاً يُذكر، وعميلتهم سو تشي الحائزة على جائزة نوبل للسلام دافعت عن عمليات الجيش في الاضطهاد والتهجير القسري لمئات الآلاف من المسلمين.
لا يُتوقع أن يقل اضطهاد المسلمين في بورما، ولا يُتوقع أن ينصرهم أيٌّ من حكام المسلمين القريبين في بنغلادش، أو البعيدين، فليس حالهم يكدر عيشهم، ودرع المسلمين، الإمام والخليفة، لم يعد موجوداً! ولو كان لما سكت عن ظلم امرأة واحدة من الروهينجا تستغيث وا خليفتاه! ناهيك عن الآلاف الذين يُقتّلون ويُهجّرون من بلادهم، «الْإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ». لقد صار من أوجب الواجبات العمل الجاد المجد لإقامة النظام الذي سينصر المسلمين بإذن الله في كل زاوية من زوايا الأرض التي ستزوى لأمة محمد ﷺ، وهو نظام الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الذي بشر به رسول الله ﷺ بقوله: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» أخرجه أحمد.
رأيك في الموضوع