تناقلت وسائل الإعلام أنباء الاشتباكات القبلية التي جرت في إقليم كورام، الواقع في ولاية خيبر بختونخوا شمال غرب باكستان. وقد كانت تغطياتها تحت عنوان "الاشتباكات الطائفية"، بينما الحقيقة مختلفة تماماً؛ إذ إن للناحية الطائفية دوراً مسانداً للنعرات القبلية الجاهلية، التي تُعد السبب الرئيس وراء النزاعات القبلية الدائرة، فهذه النزاعات اندلعت بسبب خلاف على أرض متنازع عليها بين القبائل، في ظل غياب شبه تام للحكومة المحلية والفيدرالية الباكستانية.
أسفرت الهجمات المتبادلة بين القبائل، خلال يومين من النزاع على الأراضي، عن مقتل 32 شخصاً على الأقل يوم السبت، الموافق 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، وذلك بعد يومين من هجمات مماثلة أدت إلى مقتل 43 شخصاً. وبهذا يرتفع عدد القتلى منذ الصيف بسبب أعمال العنف بين القبائل في إقليم كورام، الواقع على الحدود مع أفغانستان، إلى حوالي 150 قتيلاً، وغالباً ما تندلع المواجهات القبلية بعد كل حادث بسيط أو احتكاك بين القبائل، في ظل غياب حلول لمشاكل الأراضي المتنازع عليها، حيث يدّعي كل طرف أنه المُعتَدى عليه.
إن الحكومة الإقليمية والفيدرالية الباكستانية، إلى جانب الأجهزة الأمنية التابعة لهما، تراقب الوضع دون أن تحرك ساكناً. وإن تدخلت، فإنها تؤجج الصراع الدائر وتغذي أسبابه من خلال إضافة الطابع الطائفي إليه. وقد صرّح ضابط كبير في الشرطة لوكالة فرانس برس بأن "الوضع تدهور"، وأضاف: "هاجم شيعة غاضبون مساء سوق باغان، الذي يُعد منطقة سنية بالأساس"، موضحاً أن "المهاجمين المزودين بأسلحة خفيفة ورشاشة وقذائف هاون أطلقوا النار طوال ثلاث ساعات، ورد عليهم السنة". وذكر مسؤول محلي، رفض الكشف عن هويته، أن "أعمال العنف بين المجموعتين الشيعية والسنية تواصلت (السبت) في أماكن مختلفة، وأسفرت عن مقتل 32 شخصاً، بينهم 14 من السنة و18 من الشيعة". كما قال مسؤول آخر، جواد الله محسود، إن "مئات المتاجر والمنازل أحرقت في منطقة سوق باغان"، وأضاف مسؤول آخر: "ليس لدينا عدد كافٍ من عناصر الشرطة والطواقم الإدارية". وأكد أنه تم إبلاغ الحكومة الإقليمية بخطورة الوضع والحاجة الماسة لنشر قوات إضافية بشكل عاجل.
وعلى الرغم من معرفة جميع الأطراف أن محور النزاعات بين القبائل ذات المذاهب المختلفة هو مسألة الأراضي، حيث تتقدم قواعد الشرف القبلية غالباً على النظام الذي تسعى قوات الأمن إلى إرسائه، فإن الحكومة والإعلام، وخصوصاً الإعلام الغربي، يصرّ على تصوير النزاع أنه طائفي، وليس صراعا قبليا على أراضٍ متنازع عليها. هذا التوجه يتماشى مع سياسة النظام الذي يسعى إلى إذكاء أسباب الفرقة بين أطياف المجتمع. وقد اعتبرت اللجنة الباكستانية لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية مدافعة عن الحريات، أن "تكرار تلك الحوادث يؤكد فشل الحكومات الفيدرالية والإقليمية في حماية أمن الناس وفي السيطرة على انتشار الأسلحة في المنطقة". يذكر أنه خلال هذا الأسبوع شهدت المنطقة الجبلية في شمال غرب البلاد العديد من الهجمات أسفرت عن مقتل 20 جنديا على الأقل، فيما اختُطف سبعة أفراد شرطة ليوم كامل.
منذ اندلاع الحملة الصليبية التي شنتها أمريكا على البلاد الإسلامية، بدءاً بأفغانستان ثم العراق، كانت سياسة أمريكا قائمة على تغذية الخلافات الطائفية والمذهبية، بينما عاش الناس في هذه البلاد، على اختلاف مللهم ونحلهم، في وئام وسلام تامين لقرون طويلة، ولم تكن الخلافات تظهر علناً أو حتى باطناً. ففي شبه القارة الهندية، التي تحتضن عدداً لا حصر له من الملل والنحل، عاشوا تحت حكم الإسلام لقرون دون أن تُذكر في التاريخ أية حوادث نزاع تُذكر بينهم، ولم يعرف أهل باكستان وأفغانستان الفرق بين السنة والشيعة إلا بعد أن غزت أمريكا وحلفها الصليبي المنطقة، فصار الناس يعرفون القبائل بمذاهبها الفقهية؛ هزارا وبشتون وطاجيك...الخ، وكانت أمريكا تقوم بقتلٍ أو تفجّر من هذا الجانب وتنسبه للجانب الآخر حتى تغذي أسباب الكراهية بين أبناء الملة الواحدة، والسياسة نفسها قامت أمريكا بتنفيذها في العراق.
يجب أن يدرك أهل باكستان وأفغانستان أن الله سبحانه وتعالى أرسل الإسلام العظيم للبشرية جمعاء، ديناً لا طائفية فيه ولا تعصب مذهبي. قال الله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ وقال رسول الله ﷺ في حجة الوداع: «لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ» رواه البيهقي، كما أن الإسلام أمر بحل الخلافات بردها إلى كتاب الله سبحانه وسنة نبيه ﷺ، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً﴾.
وأخيراً، يجب أن يدرك المسلمون أن غياب الخليفة الذي يوحد صفوفهم ويرفع الخلافات بينهم هو السبب وراء جميع نزاعاتهم. فلن تُحل مشاكلهم إلا بعودة الإسلام نظاماً للحياة، بإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي توحّد كلمتهم وترفع الظلم عنهم، فهذا نبي الله محمد ﷺ رفع الخلاف بين القبائل العربية، الأوس والخزرج وآخى بينهم وبين المهاجرين بمجرد وصوله المدينة المنورة وإقامة دولة الإسلام فيها، لذلك وجب على كل موحّد بالله العمل لإقامة دولة الإسلام ومبايعة الخليفة الذي يُقاتلون من ورائه ويتقون به ويرفع الخلاف بينهم.
رأيك في الموضوع