بعد تجميد للجبهات دام خمس سنوات، وبتاريخ 27/11/2024م، أُعلن عن بدء عملية عسكرية ضد النظام المجرم، تضم تشكيلات عسكرية متعددة، انطلاقاً من ريف حلب الغربي، الواقع تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، تحت عنوان "ردع العدوان"، وأهداف تتلخص بـ"إيقاف اعتداءات النظام المجرم وإبعاد خطر المليشيات الإيرانية عن المناطق المحررة وتهيئة الظروف المناسبة لعودة الناس إلى أرضهم". ليتلوها بعد أيام إطلاق عملية جديدة في ريف حلب الشمالي الواقع تحت سيطرة الجيش الوطني، تحت عنوان: "فجر الحرية".
وما إن اندلعت المعارك حتى بدأ الناس يستعيدون حماس وأنفاس انطلاقة الثورة الأولى وصيحات التكبير فيها، وراح مخلصو الثوار والمجاهدون، بعزائم قوية وهمم تعانق السماء، يسطرون أروع ملاحم البطولة في تحرير المناطق والقرى والبلدات من سيطرة النظام المجرم، وخاصة مع إكرام الله سبحانه وفتحه لهم أبواب رزقه من غنائم عدوهم وأسلحته من كل أنواعها، ومع وقوف الحاضنة الشعبية ومؤازرتها لهم على شتى الصعد، فكان أن حرروا مدينة حلب وأتبعوها بتحرير سراقب ومعرة النعمان وخان شيخون وعدد كبير جداً من المدن والبلدات في ريفي حلب وإدلب، ليفتح الله عليهم وتتساقط أمامهم المناطق تباعاً حتى وصلوا، حتى لحظة كتابة هذا المقال، إلى مشارف مدينة حماة بعد أن حرروا الكثير من قرى وبلدات الريف فيها، وذلك بالتزامن مع جهود وفزعات أبطال حمص ودرعا الذين مرغوا أنف النظام في التراب بعد أن هاجموا حواجزه الأمنية وثكناته العسكرية، ورعب حقيقي يعشعش في قلوب حاضنة النظام المجرم وجنده وشبيحته. كل ذلك أوجد الخوف عند أمريكا وأدواتها من أنظمة الضرار في بلادنا، والتي راحت تعلن مساندتها للنظام المجرم في (محاربة الإرهاب) والحرص على وحدة الأراضي السورية واستقلالية القرار. وليس أدل على أن المقاول الأمريكي الكبير هو من يوزع أقذر الأدوار على اللاعبين الصغار من قول جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي: "نراقب عن كثب ما يحدث في سوريا ونحن على تواصل مع شركائنا في المنطقة بهذا الشأن"! فيما صرحت الخارجية التركية بالقول إن "الاشتباكات في سوريا تصعيد غير مرغوب فيه"، وقال وزير الخارجية التركي لنظيره الأمريكي: "ندعو لعملية سياسية بين الحكومة السورية والمعارضة لاستعادة السلام". طبعاً هذا مكر المجرمين ومكر الله بهم أكبر.
يأتي تحرك الأمة المبارك وما تبعه من نتائج ليثبت معية الله لعباده، ويثبت المعدن الحقيقي للثوار والمجاهدين بأنهم جند الله الذين لا ينامون على ضيم، ويثبت أيضاً عجز أعداء الأمة عن كسر إرادة أهل الشام الثائرين وإيمانهم بقدرتهم على التغيير. مع التأكيد على أنه في زحمة الأحداث وتسارعها والتحليلات وكثرتها، هناك ثابت واضح وحقيقة سياسية صارخة وهي أن نظام الإجرام متهالك، متصدع الأركان والبنيان، بل هو أوهن من بيت العنكبوت، مهما حاول أن يحكي انتفاخاً صولة الأسد. ولولا تسخير أمريكا لأدواتها من الأعداء و(الأصدقاء) والمؤامرات ومقررات المؤتمرات، لسقط منذ زمن بعيد.
من أجل ذلك كله، فإنه حريٌّ بصادقي الثوار والمجاهدين الأحرار أن يكملوا طريقهم دون توقف لزلزلة النظام المهلهل قبل أن يلتقط أنفاسه، في خاصرته الساحلية الرخوة وعقر داره دمشق، حيث الفصل والملحمة بإذن الله.
إلا أنه في ظل أجواء النصر التي نعيشها، وما إن انقضى يومان على بدء المعارك، حتى خرج علينا تصريح صاعق لما يسمى "إدارة الشؤون السياسية في المناطق المحررة" التابعة لـ"حكومة الإنقاذ" يعتبر روسيا الصليبية، التي ولغت في دماء أهل الشام وأمعنت فيهم قتلاً وتشريداً وتهجيراً وما زالت، "شريكاً محتملاً في بناء مستقبل مشرق"، ويدعوها إلى "عدم ربط المصالح بنظام أسد أو شخص بشار"!
فأين يذهب كتّاب البيان بالدماء التي أريقت والأشلاء التي مُزقت والأعراض التي اغتُصبت والأسواق والمشافي والمدارس التي دُمّرت؟! لا غرابة، فقد سبقهم إلى ذلك قبل أسابيع أحمد طعمة، رئيس الوفد التفاوضي لما تسمى "المعارضة" في أستانة، فطالب روسيا، بشكل وضيع، بـ"دور أكبر في تقريب وجهات النظر بين المعارضة والنظام"!
هذا وقد كثرت التساؤلات بين الناس والمحللين والمتابعين عن طبيعة هذه المعركة وعن كونها ذاتية مخلصة أم أنها بضوء أخضر أمريكي تركي للدفع باتجاه الحل السياسي الذي تهندسه أمريكا لتثبيت نظام الإجرام العلماني ووأد الثورة. علماً أن بعض المحللين الذين أشاروا إلى "ضوء أخضر" قالوا بأن من أعطاه لم يتوقع أن تتفلت الأمور بهذه الطريقة وانهيار خطوط دفاع النظام، وخاصة مع الطاقات والإمكانات والمؤهلات الكبيرة للثوار والظروف المواتية التي تصب في صالحهم لصعق عدوهم.
ولكن باختصار، من المؤكد أن المعركة جاءت بعد رأي عام ضاغط من حاضنة الثورة لفتح الجبهات واستعادة القرار السياسي والعسكري، وخاصة في ظل تدهور أوضاع النظام على شتى الصعد وانشغال حلفائه بأنفسهم، روسيا وإيران وحزبها في لبنان.
وأي مكر من أعدائنا بحق ثورتنا يجب أن يقابله وعي أهل الثورة وتحركهم على الأرض لإبطال هذا المكر.
إن ما يقدمه أهل الثورة والجهاد اليوم على أرض الشام من صبر ومصابرة وبطولات وتضحيات ودماء وأشلاء، يجب أن تكون ثمرته في سبيل الإسلام لا في سبيل أعدائه، في سبيل إسقاط النظام المجرم لا في سبيل الجلوس معه في تسويات سياسية قذرة تدفع باتجاهها أمريكا وتضغط لتنفيذها عبر أدواتها وعلى رأسهم النظام التركي عراب المصالحات مع الطاغية أسد. فقد أدرك أحرار الأمة ضرورة وحتمية الاستمرار في مقارعة النظام دون توقف قبل أن يلتقط أنفاسه، وزلزلة حصونه الكرتونية التي يتحصن بها، لا تقديم أوراق اعتماد مذل ومخز لهذه الدولة أو تلك، فكلها دول وأنظمة ومنظمات دولية حاقدة على الإسلام وثورة الشام، وهم يمكرون ليل نهار لإعادتنا لنظام الإجرام عبر فرض الحلول الدولية القاتلة لثورة الشام.
ونقول لأهلنا الثوار والمجاهدين الأحرار: الحذر الحذر مما يمكر بكم لوأد ثورتكم وتضحيات جهادكم، فأنتم حراس الإسلام وأمل الثورة بعد الله سبحانه، فغُذّوا السير على بركة الله، نحو الجنوب، نحو العاصمة دمشق، لقلب الطاولة على المتآمرين وجعل النظام المجرم أثراً بعد عين، لعل الله يكرمنا على أنقاض هذا النظام البائد بحكم الإسلام ودولته الخلافة على منهاج النبوة، فذلك وحده ما يكافئ أهل الشام وتضحياتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
* عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع