اختتمت في 26 شباط/فبراير 2025 في دمشق أعمال "مؤتمر الحوار الوطني السوري"، بمشاركة أكثر من 600 شخصية. ويهدف المؤتمر، حسب منظميه، إلى "الإسراع في عملية وضع أسس وثوابت الرؤية الدستورية ونظام الحكم وهيكلة المؤسسات القادمة لسوريا.
وقد خلص المؤتمر إلى اعتماد مخرجات أهمها: (الحفاظ على وحدة الجمهورية العربية السورية وسيادتها، وإدانة التوغل (الإسرائيلي) في الأراضي السورية، ورفض التصريحات الاستفزازية من رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، ودعوة المجتمع الدولي والمنظمات الإقليمية إلى تحمُّل مسؤولياتها، وحصْر السلاح بيد الدولة، وبناء جيش وطني احترافي، واعتبار أي تشكيلات مسلحة خارج المؤسسات الرسمية جماعات خارجة عن القانون، والإسراع بإعلان دستوري مؤقت يتناسب مع متطلبات المرحلة الانتقالية، والإسراع بتشكيل المجلس التشريعي المؤقت، الذي سيضطلع بمهام السلطة التشريعية، وتشكيل لجنة دستورية لإعداد مسودة دستور دائم للبلاد يحقق التوازن بين السلطات، ويرسخ قيم العدالة والحرية والمساواة، ويؤسس لدولة القانون والمؤسسات، واحترام حقوق الإنسان، ودعم دور المرأة وترسيخ مبدأ المواطنة، ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني، والتأكيد أن البيان الختامي "يمثل عهداً وميثاقاً وطنياً وخطوة أساسية في مسيرة بناء الدولة السورية الجديدة، دولة الحرية والعدل والقانون").
وفيما يلي تبيان لنقاط لا بد من تبيانها في ظل الصعاب والتحديات التي تمر بها سوريا:
أولاً: عند الحديث عن وحدة البلاد، لا بد من الدفع باتجاه استعادة السيطرة على المناطق التي تقع خارج سيطرة الدولة، وعلى رأسها مناطق سيطرة "قسد" التي تغص بالثروات التي تحتاجها الدولة للوقوف على قدميها، وذلك لضرب فكرة التقسيم والفدرلة التي تدعمها الدول المتآمرة وكيان يهود، وهذا لا يتطلب إلا قراراً حازماً، وخاصة مع وجود نفسٍ ثوري جهادي قوي ذاخر بخيرة رجال الثورة والجهاد الذين صقلتهم الصعاب على مدار 13 عاماً.
ثانياً: التعامل بحزم مع تصريحات الاستعلاء الاستفزازية لكيان يهود التي يتبجح بها نتنياهو وجوقته، بعيداً عن سياسة المسايرة والملاينة التي لا تنفع معهم، ولا مكان في هذا المقام للشجب والاستنكار والاحتفاظ بحق الرد الذي كان يتقنه النظام البائد، من الأسد المقبور إلى الجرذ الهارب، خاصة وأن لدينا قوة جهادية لا يستهان بها تتوق لرؤية الأقصى الأسير محرراً من يهود وعربدتهم، وتتوق لخطاب: "يا عدو الله.. الجواب ما تراه لا ما تسمعه"، وإلا فمن أمن العقاب أساء الأدب، وقد تمادى كيان يهود في غطرسته وعربدته رغم أنه أوهى من بيت العنكبوت.
ثالثاً: الحديث عن حصر السلاح بيد الدولة وبناء "جيش احترافي" يكون عند اكتمال أركان جيش عقائدي مخلص للإسلام وعامل لتحكيمه عبر دولة، وعندما يتم فرض الاستقرار والقضاء على فلول النظام وشبيحته، واستعادة المناطق الشرقية الخارجة عن سيطرة الدولة وغيرها من مناطق الجنوب المتأرجحة. فالسلاح يجب أن لا يكون في الأيدي الخطأ ممن يشكل خطراً على استتباب الأمن واستقرار الدولة، ويجب توجيهه نحو صدور الأعداء الذين تسول لهم أنفسهم مس الدولة بأي سوء. وقد بين النبي ﷺ أن أرض الشام هي أرض رباط وجهاد.
رابعاً: الأصل في المؤتمر ألا يبحث شكل نظام الحكم لأن الأصل فينا أن يحكمنا نظام الإسلام ودولة الإسلام ودستورها المستنبط من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ بعيداً عن أي مصدر وضعي أو رابطة بعيدة عن ضوابط الإسلام، وحريّ بأي مؤتمر يجتمع فيه أعيان البلاد أن يبحث في اختيار من سيحكم البلاد في ظل نظام إسلامي خالص.
خامساً: إن أهل الشام، قدموا التضحيات الجسام من أجل إرضاء الله وتحكيم شرعه وحده سبحانه، ولا يجدر بهم أن يُحكموا بنظام وضعي من تشريع البشر تحت ظل دولة مدنية وطنية علمانية تقصي الإسلام عن الحكم والدولة والمجتمع، ترضي الغرب الكافر وتسخط الله الذي حملتنا معيته سبحانه إلى دمشق منتصرين.
سادساً: إن الممثلين الحقيقيين للأمة يجب أن يكونوا من أهل الدين والنزاهة والأهلية والكفاية، سواء من مخلصي الشام في كل مكان أو من أهل الثورة الذين جادوا بدمائهم وأبنائهم وأموالهم وهجّروا من ديارهم وعاشوا السنوات الطوال في الخيام، ليعيشوا تحت عدل الإسلام، فهؤلاء هم الأحق بتقرير مستقبل الشام، وذلك حتى لا تعود فلول النظام البائد وشبيحته ومطبّلوه ونظامه العلماني.
سابعاً: إن أي نشاط أو حوار أو مؤتمر يجب أن يكون هدفه إرضاء الله، وحسن رعاية أهل الشام بشرع الله، لا يكون فيه مجال لإرضاء دول تتآمر علينا ولا استجابة لضغوطها ومطالبها، ومعلوم إصرار كل من تواصل مع الإدارة الجديدة على علمانية الدولة وإبعاد كل ما له علاقة بالإسلام عن أن يكون له دور حقيقي مؤثر في مستقبل سوريا.
ثامناً: يجب أن ندرك أننا ما خرجنا إلا لإرضاء الله عز وجل الذي أكرمنا بالنصر وحملنا إلى دمشق بعونه وتوفيقه بعد أن قذف الرعب في قلوب فلول النظام البائد وشبيحته ومن كان معهم من مليشيات حاقدة على الإسلام وأهل الشام وثورتهم. فعلينا أن نثق بمعية الله وأن نتوكل عليه وحده وأن نسعى لما يحقق رضاه من تحكيم شرعه بإقامة دولة الإسلام، لا أن نسعى لرضا دول الغرب الحاقدة التي تريدنا أذلاء ضعفاء متفرقين لا تقوم لنا قائمة، فرضا الله ورضا أعدائه من الدول المتآمرة ضدّان لا يلتقيان.
وختاماً، فإننا ندعو الجميع أن يحذروا من مصير من سبقهم من الثورات في تونس ومصر وغيرهما، عندما حاولوا استرضاء الغرب الكافر، فعادت الثورة المضادة وسمومها وعادت الفلول المجرمة وأنيابها، فضاعت التضحيات وعادت أنظمة الحكم أسوأ مما كانت عليه قبل الثورات.
ونقول لأهلنا المسلمين في سوريا، أرض الرباط والثبات، أرض والجهاد والاستشهاد:
أنتم أبناء أمة عظيمة لا تنهض إلا بالإسلام الذي كان الحكم به على رأس ثوابت ثورتكم؛ أنتم أرقى من أن تضيعوا ثمرة جهادكم بنظام جمهوري يكون التشريع فيه للبشر من دون الله، ودولة مدنية ديمقراطية علمانية يدفع باتجاهها أعداء الله؛ أنتم أعظم من أن تقيّدكم رابطة الوطنية وحدود وهمية خطها الكافر المستعمر بيديه لينسينا أننا أبناء أمة واحدة آن لها أن تجمعها دولة مرهوبة الجانب، يقف أمامها المتجبرون بأدب بعد أن طغوا وتفرعنوا وعاثوا في الأرض الفساد. أنتم ملح الأرض التي آن لجحافل الجيوش أن تتحرك منها بعد أن تكون منطلقاً ونواة لدولة عظمى تجتمع بأخواتها في بلاد الإسلام، لتنشر الأرض عدلاً ورحمة بعد أن ملأها الكافرون ظلماً وجوراً، فذلك والله وحده ما يكافئ عظيم تضحياتكم ودماء شهدائكم، فانصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم، وحسبكم وعد ربكم سبحانه: ﴿وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية سوريا
رأيك في الموضوع