منذ ما يقارب الأسبوعين، وبالتحديد منذ اغتيال كيان يهود لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، في تفجير استهدف مكان إقامته أثناء زيارته لإيران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، منذ ذلك الحين والمنطقة تشهد حراكا دبلوماسيا وسياسيا مكثفا من كافة الأطراف الفاعلة في المنطقة، دولية وإقليمية، وعنوانها الأبرز هو خفض التصعيد ومنع المنطقة من الذهاب نحو حرب واسعة، في ظل تهديدات إيران وحزبها في لبنان والحوثيين على الرد على العمليات، ردا قويا، بحسب وصفهم.
حيث قال مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني حجة الإسلام طائب، الأحد، إن الرد على اغتيال كيان يهود لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية سيكون "جديدا ومفاجئا". ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا" عن طائب قوله إن "العملية المصممة التي تهدف للثأر لدم الشهید إسماعيل هنية ستكون جديدة ومفاجئة". وأضاف أن "السيناريو المصمم للانتقام لدم الشهيد هنية هو من السيناريوهات التي لا يمكن قراءتها".
في حين هدد حزب إيران في لبنان أيضا بالرد على عملية اغتيال أحد أكبر قادته، فؤاد شكر، حيث قال أمين عام الحزب، حسن نصر الله، مساء الثلاثاء في خطابه في ذكرى مرور أسبوع على اغتيال فؤاد شكر بقصف من كيان يهود استهدف الضاحية الجنوبية لبيروت: "إن الرد على اغتيال شكر آت لا محالة، سواء بشكل منفرد أو مشترك"، معتبرا أن "حالة الانتظار (الإسرائيلي) هي جزء من العقاب".
وكذلك تهديد الحوثيين بالرد على ضرب كيان يهود لميناء الحديدة، حيث أكد زعيم جماعة أنصار الله (الحوثيين) عبد الملك الحوثي يوم الخميس أن "تأخر الرد على الضربة (الإسرائيلية) التي استهدفت ميناء الحديدة غرب البلاد الشهر الماضي مسألة تكتيكية بحتة وأنه لا مجال للتراجع عنها".
هذه الأجواء والتهديدات من قبل إيران ووكلائها بالرد على الصفعات والإهانات والعدوان الذي تعرضوا له في عقر دارهم، دفع بأمريكا وأوروبا والدول الإقليمية إلى التحرك عاجلا في حراك واسع من أجل ما أسموه "تطويق الأحداث"، خاصة أن يهود يهددون بالرد على أي عدوان يتعرضون له ردا قاسيا أيضا، حيث قال رئيس وزراء يهود، بنيامين نتنياهو خلال كلمة له الأحد: "سنرد على أعدائنا الضربة بضربتين". وهو ما دفع بالكثيرين إلى القول بأن يهود يريدون جر أمريكا والمنطقة إلى حرب واسعة، كخيار أمام نتنياهو لتحقيق أهدافه بضرب إيران وتحجيمها والقضاء على مشروعها النووي، وإعادة حزب إيران في لبنان إلى ما خلف نهر الليطاني وإعادة ترسيم الحدود مع لبنان، في موازاة مواصلة حربه الوحشية على قطاع غزة للقضاء على ما تبقى من قدرات لدى حركة حماس والمجاهدين في غزة.
والشيء الأكيد بغض النظر أصحّت التوقعات في أن ما فعله نتنياهو من تلك العمليات الأخيرة إنما هو من أجل جر المنطقة إلى حرب واسعة وزج أمريكا معه، أم أنها كانت من تبعات الحرب على غزة وسعيه للمحافظة على قوة الردع وتحقيق النصر الذي يصفه بـ"المطلق" على حماس، بحيث اغتال لغاية الآن إسماعيل هنية وصالح العاروري، ويدعي اغتيال محمد الضيف القائد العسكري لحماس، ويسعى لاغتيال كل من يستطيع الوصول إليه من قادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، ويرد على حزب إيران في لبنان بالقدر الذي يعتبره ضمن قواعد الاشتباك لمنعه من التمادي في ضرب يهود، في ظل أنه قادر على إيجاع يهود لو أراد ذلك، وكذلك يرد على الحوثيين للسبب نفسه... فالشيء الأكيد في كلا الحالتين أو الاحتمالين أن أمريكا ومعها الدول الأخرى لا يريدون تصعيد الأوضاع ويحاولون تطويق الردود حتى لا تخرج عن السيطرة.
فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يوم الثلاثاء في تصريح لصحافيين إنّ "أحداً يجب ألا يصعّد هذا النزاع. نحن منخرطون في (جهود) دبلوماسية مكثّفة مع حلفاء وشركاء، لنقل هذه الرسالة مباشرة إلى إيران. لقد نقلنا تلك الرسالة مباشرة إلى (إسرائيل)". وأضاف أن "الولايات المتحدة أبلغت إيران و(إسرائيل) بوجود توافق في الآراء بالشرق الأوسط على ضرورة عدم تصعيد الصراع".
ومن جانبهم "أعرب وزراء خارجية مجموعة السبع، عن القلق الشديد إزاء الأحداث الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط والتي تهدد بتوسيع رقعة الصراع (الإسرائيلي)-الفلسطيني، بدءا من لبنان، داعين الأطراف المعنية إلى الامتناع عن أي تحركات من شأنها أن تعيق مسار الحوار المعتدل وتهدد بالتصعيد".
وكذلك مثلها جاءت التصريحات والمواقف الأخرى من باقي الدول الإقليمية، كتركيا ومصر وقطر والأردن، إذ زار وزير خارجية تركيا مدينة رفح وعقد مؤتمرا صحافيا مشتركا مع وزير خارجية مصر أكدا فيه على تجنب التصعيد في المنطقة وضرورة وقف الحرب، وطار وزير خارجية الأردن الصفدي إلى إيران ليوصل الرسالة نفسها وليؤكد على ما أسماه "حياد السماء الأردني"، وحتى روسيا نصحت إيران بالعقلانية وتجنب ضرب المدنيين. وكثفت مصر وقطر مساعيهما مع أمريكا لإبرام صفقة تبادل ووقف إطلاق النار.
ومن الواضح من التحركات والتصريحات أن الضغوطات إنما هي على جانب واحد لا على كلا الجانبين، فباستثناء المكالمة الهاتفية التي أجراها بايدن مع نتنياهو بعد عملية اغتيال هنية، والتي طالب فيها نتنياهو بإبرام صفقة تبادل ووقف إطلاق نار خلال أسبوع أو أسبوعين، لم نلحظ ضغوطا حقيقية على كيان يهود، بل على العكس من ذلك، حشدت أمريكا قواتها البحرية والدفاعية والصاروخية في المنطقة لحماية كيان يهود من ضرب إيران له، وقد يكون مع ذلك لمنعه من خطوات طائشة، فهددت أمريكا إيران بشكل مباشر في حال أقدمت على رد واسع على كيان يهود، وأكدت أنها ستقف مع كيان يهود وأنها ملتزمة بأمنه ومصالحه.
فأمريكا لا تريد توسيع الصراع ولكن ليس بمنع كيان يهود من مواصلة القتال والإجرام، فكما نشاهد فإنهم ارتكبوا عدة مجازر خلال الأسبوع الأخير في قطاع غزة بكل وحشية ودموية، وواصلوا قصف الداخل اللبناني واغتيال القيادات، وإنما لا تريد توسيع الصراع من خلال منع الطرف الآخر من الرد الكبير، فكما تمكنت أمريكا من منع حكام دول الطوق ودعاة الوصال بفلسطين، كمصر والأردن وتركيا، وباقي حكام المسلمين من التحرك لنصرة غزة وفلسطين، والآن تريد أن تمنع إيران وحزبها من الرد الذي يخلق مبررا لكيان يهود لخوض حرب واسعة تنجبر أمريكا على المشاركة فيها، فربما لا تعارض أمريكا ردا إيرانيا لحفظ ماء وجهها، أو حتى لمحاولة كبح جماح نتنياهو وكيان يهود، ولكنها بكل تأكيد لا تريدها حربا حقيقية ولا ردا على مستوى جرائم الكيان.
مع أن الواجب والشرف يوجب على حكام إيران خاصة وباقي حكام المسلمين أن يكون ردهم على جرائم يهود حربا حقيقية تفضي إلى تحرير فلسطين كاملة وتنصر غزة وتطهر المسجد الأقصى، ولكن أنى لهم ذلك وقد اختاروا العمالة والتبعية لأمريكا وللغرب، فخذلوا فلسطين وأهلها، وخذلوا الأمة ومقدساتها، وحتى بلادهم القُطرية لم يحفظوا لها هيبة أو كرامة، رغم أن من يقابلهم هو كيان هش لا يقوى على نزال ولا يصبر على حرب حقيقية ساعة من نهار؟! وهذه حقيقة تدركها أمريكا جيدا ولذلك تسعى بكل قوتها إلى منع وقوع مواجهة كيان يهود مع الأمة.
فحريٌ بكل مخلص غيور أن يغذ الخطا مع العاملين المخلصين لقلع الحكام عن عروشهم وتنصيب خليفة راشد يوحد الأمة ويسير بجيوشها نحو فلسطين محررا ناصرا وينهي عذابات ومآسي المسلمين. وبدون ذلك ستبقى دماؤنا مهراقة ومقدساتنا مدنسة وأعراضنا منتهكة.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
رأيك في الموضوع