تعد قرية مجدل شمس من أكبر القرى الأربع المحتلة في الجولان منذ 1967، وهي (مجدل شمس، وبقعاثا، ومسعدة، وعين قنية)، يبلغ عدد سكانها حسب إحصاء سنة 2021، قرابة 12000 نسمة، من الدروز بنسبة 99%. حاول يهود سنة 1982، وبعد سن قانون ضم الجولان في كنيست يهود، فرض جنسية الكيان المحتل على أهلها، فانتفض أهلها تحت شعار "انتفاضة الهوية"، حيث أعلن سكان القرية الإضراب المفتوح ضد هذا القرار، وحصلت مواجهات عنيفة، استخدم فيها كيان يهود المجرم الأسلحة الثقيلة والحصار، وصدرت وثيقة سميت "الوثيقة الوطنية للمواطنين السوريين في مرتفعات الجولان السورية المحتلة"، رفض فيها سكان مجدل شمس التجنس بجنسية كيان يهود، واعتبروا من يقبلها منبوذاً مطروداً، ورفضوا الخدمة في جيش كيان يهود، تَقَدَّمَ من أهلها 20% للحصول على جنسية يهود سنة 2018، ولم يصوّت سوى 272 شخصاً في مجدل شمس، في الانتخابات المحلية، وانقسمت البلدة خلال الثورة السورية بين مؤيد لها ومعارض.
وما قدمناه يشير إلى أن القرية ليست بأغلبيتها ممن يتعامل مع كيان يهود، ولا توجد أية مصلحة لحزب إيران اللبناني، بتوجيه أية ضربة لها، عِلاوة على أن الحزب أكد عدم علاقته بهذه الضربة، وقد أكد ذلك نصر الله قائلاً: "نفينا بشكل قاطع مسؤوليتنا عن حادث مجدل شمس ونمتلك شجاعة الاعتراف إذا أخطأنا... والفرضية المطروحة بقوة هي أن الصاروخ هو صاروخ اعتراضي (إسرائيلي)... من واجبي اليوم أن أؤكد أن هذا الاتهام هو ظالم... وأنه عندما وجد (الإسرائيليون) أن الضحايا في مجدل شمس معظمهم أطفال ونساء قرروا المضي في توجيه الاتهام لنا...". كما سبقه وئام وهاب، المقرب من الحزب والنظام السوري بكتابته على منصة إكس: "دمنا ليس رخيصاً ونطالب الأمم المتحدة بكشف الملابسات..."! وهذا يحمل إشارة إلى أنه لا يتهم الحزب بالأمر.
أما موقف جنبلاط من رفضه لاتهام حزب إيران، بالرغم من أنه يعتبر من الصف المواجه للحزب، ولو بمواقف متقلبة، إلا أن جنبلاط في مثل هذه المواقف عادةً ما يُقدِّم من المواقف ما يبرز زعامته للطائفة الدرزية! وخوفه على الانهيار التام لكيان الدولة اللبنانية لو توسعت الحرب، ما يؤدي لخطر وجودي محدق عليه وعلى الطائفة الدرزية، لا سيما مع واقع سوريا المفتت، وعلاقة نظام بشار السيئة مع الدروز هناك، ما دفع حتى جنبلاط للتقارب نوعاً ما مع من ينافسه على زعامة الطائفة رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان، تحت عنوان "لمّ شمل البيت الدرزي"! والتلطي تحت مظلة مناصرة فلسطين!
أما يهود، فإنه من مصلحتهم إيجاد الذرائع القوية، للقيام بضربات ذات مستوى عال، تصل إلى قيادات من الصف الأول في حزب إيران، واستغلال الحادثة بأكبر قدر ممكن لتصفيتهم، ضمن بنك أهداف، واضحٌ جداً أنه موضوع مسبقاً، بالأسماء والصفات العسكرية لأصحابها! حيث كان متاحاً ليهود القتل فقط في سوريا والعراق، وحتى داخل إيران، إلا أن لبنان لاعتبارات أمريكية، من انفلات عقده، وذهابه من يدها، بعد ما بذلته لسنوات طويلة ليكون تحت عباءتها، كان محيداً عن عمليات التصفية والاغتيالات، فلما سنحت الفرصة لكيان يهود، بعد دخول الحزب على خط المواجهة المباشرة مع يهود بعد عملية طوفان الأقصى، يبدو أنهم صاروا في حِلٍّ من أية اتفاقات بشأن لبنان، فبدأوا بتنفيذ برنامج بنك الأهداف، بأكبر قدر ممكن!
ومما لا شك فيه، وبات أمراً جلياً، أن الحزب لا يريد توسيع المعركة، لأن إيران بوصفها دولة تدور في فلك أمريكا، تسير مع أمريكا في عدم رغبتها بإشعال حرب واسعة في المنطقة، لن يكون ثمنها إلا خسارتها ربيبتها كيان يهود، وانفلات عقد المنطقة من يدها، وحتى خسارة إيران ما حاولت أن تبنيه من أذرع في المنطقة، ونفوذ المخلصين إلى أعلى هرم السلطة، إن تحول طوفان الأقصى إلى طوفان للأمة.
وعلى الطرف الآخر، فإن يهود لا مصلحة لهم في توسعة الحرب كذلك، بعدما رأوا أنهم في بقعة لا تزيد عن قرابة 360كم2، وبثلة قليلة من المجاهدين، وبأسلحة لا تُعد شيئاً في الميزان العسكري أمام ما يمتلكه يهود، استطاعت غزة الصمود لمدة 9 أشهر، وتكبد يهود خسائر فادحةً لم تحصل لهم في تاريخ صراعهم في بلاد الإسلام! فكيف إذا توسعت جغرافيا الحرب، وصارت الفرصة سانحةً لأبناء الأمة لضرب يهود؟! لذلك فإن نتنياهو برغم كل ضغوط اليمين في حكومته، ما زال يحافظ على المعركة دون توسعتها، مكتفياً كما أشرنا أعلاها، بتحقيق أهداف نوعية من ضمن بنك أهدافه، قبل أن يضطر لوقف إطلاق النار نتيجة الضغوط الدولية والأمريكية، لذا تراه يُسوف في الأمر رغبةً في بدء الانتخابات الأمريكية، لتقديره أن هذا قد يخفف عنه الضغط، حال وصول ترامب للسلطة. ولعل اغتيال الأخ إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس يأتي ضمن هذا السياق، لناحية إيقاف المفاوضات الذي سيحصل طبيعياً من طرف الحركة، نتيجة قيام يهود، بوصفهم طرفاً في التفاوض، بالإقدام على قتل رأس من يفاوضهم بشكل غير مباشر! وهذا لمصلحة نتنياهو!
ومن طرف فإن حزب إيران اللبناني، ما زال، رغم ما يصاب به من ضربات مؤلمة، وصلت للصف الأول في قيادة الحزب! ما زال يحافظ على وتيرة معينة في الرد، والتمهل في الرد، ونوعية الرد، الذي نظن أنه لن يتجاوز حدود ضربات صاروخية، قد تكون أوسع نطاقاً، وباستخدام نوعيات أفضل من الصواريخ متوفرة لدى الحزب، وقد يجتمع أمر قتل هنية مع قتل شُكر، ليشكلا عمليةً صاروخيةً مشتركةً من أطراف ما يسمى محور المقاومة، رداً على مقتل شُكر، وهنية، والضربة التي وجهت لليمن، قد تشاركهم فيها إيران، أو تنفرد بها، لضبط الإيقاع، ولحفظ ماء وجهها كون هنية قُتل على أرضها!
إنّ الحقيقة الشرعية، تدعمها اليوم الحقيقة العقلية بعد طوفان الأقصى، أنه ما لم تتوفر للأمة قيادةٌ مخلصةٌ من جنسها، تقود قواها الحية وجيوشها، فلن تقوم للأمة قائمة، وستبقى بلاد المسلمين ومنها فلسطين، تحت حراب المحتل المباشر وغير المباشر، ساعتها سيقاتل كل من يؤمن بالله واليوم الآخر ولا ترتاب قلوبهم، ولا يكون حالهم كحال من تأخروا في أخذ خطوات جادة: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾.
رأيك في الموضوع