شهدت الآونة الأخيرة حركة محمومة للمبعوث الأمريكي الخاص، آموس هوكستين، في محاولة لما يقال إنه لوقف إطلاق النار بين حزب إيران في لبنان وكيان يهود الذي بدأ توسعه كما هو عليه يوم 23/9/2024م، علماً أن ما أسماه الحزب المساندة والإشغال دعماً لغزة كانت بدأت منذ 8/10/2023م، غداة عملية طوفان الأقصى في 7/10/2023م، لكن منذ ضربات البيجر واللاسلكي، ثم قتل كامل قيادة الرضوان، وصولاً لقتل الأمين العام للحزب حسن نصر الله في 27/9/2024م، اعتبر الحزب أنه انتقل من مرحلة الإسناد ومشاغلة يهود عن غزة، إلى حرب يهود على لبنان، أطلق عليها الأمين العام الجديد للحزب الشيخ نعيم قاسم معركة أولي البأس.
خلال هذه النقلة - إن صح التعبير - توسعت الضربات من يهود لتشمل العاصمة بيروت، ومباني سكنية، وتجمعات نازحين، بعد أن كانت تقتصر على استهدافات محددة تكون قوتها بقيمة الجهة المستهدفة من الحزب، وكذلك توسعت ضربات الحزب لتشمل مدناً أساسية في فلسطين المحتلة، عبر استخدام تكتيكات أوسع وأدق، كالطائرات المسيرة الانقضاضية وبعض الصواريخ الموجهة، وإن ما زال الحزب يفصل في ضرباته بين مدني وعسكري، فيما يعده محافظةً على لبنان، ومنعاً لاتخاذ كيان يهود ذلك ذريعةً لضربات واسعة لبنيته التحتية، بينما يهود لا يفرقون بين مدني وعسكري!
فيما يدور الحديث عن أن التوجه من هذه الحركة الدبلوماسية للمبعوث الأمريكي، يهدف إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، إلا أن مجريات ما يحصل تكاد تشير إلى أن هناك أمراً آخر تطلبه أمريكا، أو تسعى إليه كنتيجة لهذه المواجهة بين حزب إيران ويهود، فقد نقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أمريكيين يوم الاثنين 18/11/2024م بعد استلام هوكستين ملاحظات حزب إيران والسلطة اللبنانية على ورقة التفاوض، أن أمريكا تريد توضيحاً حول موقف لبنان الواضح من اتفاق التسوية، والشاهد هنا هو موضوع اتفاق التسوية، إذ إنه بات من المعلوم موافقة حزب إيران على مندرجات القرار 1701 بشأن الانسحاب وعلى المقترحات الأمريكية، فقد نقلت وكالة رويترز يوم الاثنين 18/11/2024م عن علي حسن خليل المعاون السياسي للرئيس نبيه بري قوله: "لبنان وحزب الله يوافقان على المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار مع بعض التعليقات على المضمون، ولبنان قدم رده المكتوب على المقترح الأمريكي لوقف إطلاق النار إلى السفيرة الأمريكية اليوم الاثنين، وهذا المقترح الأكثر جديّة حتى الآن، وهوكستين يتوجه إلى بيروت لمواصلة المحادثات"، فما الذي يعطل وقف إطلاق النار، أو وقف مفاعيل الحرب الدائرة بين الطرفين؟! فيما يبدو أن أموراً عدةً تعطل ذلك:
- وجود طلب أمريكي حازم بشأن المضي بعملية تسوية سلمية دائمة بين لبنان وكيان يهود، تبدأ بوقف إطلاق النار وتطبيق القرار 1701، ويعقبه الدخول في مفاوضات التسوية النهائية، وكأن هذا الأمر الذي لم يكن واضحاً في ردود حزب إيران والسلطة اللبنانية.
- نتنياهو الذي وجد أنه بضرباته القاسية للحزب التي حققت خسارة الحزب سلم قيادته التقليدية، حصل على فرصة سانحة للاستمرار في هذا النهج، وقد لا يجد نفسه مضطراً للإذعان مباشرة لوقف إطلاق النار، لا سيما أن معه مندوحة من الوقت تتمثل بالمرحلة الانتقالية بين بايدن وترامب، حيث يتسلم ترامب مقاليد الرئاسة في 20/1/2025م.
- قد يدخر نتنياهو هذا الإنجاز، أي العملية السلمية مع لبنان، ليقدمه هدية لترامب، ومعلوم أن ترامب يسعى لإدخال ما بقي من المنطقة في اتفاقات سلام مع يهود، لا سيما صديقه ابن سلمان الذي لا يفتأ يذكر أن الأمور عنده جاهزة لعقد هذا الاتفاق. وفي هذه المدة لن يمتنع نتنياهو عن محاولة نيل أكبر المكاسب من ضرباته لحزب إيران وتصفيات قيادته، التي ما زالت تشهد (نجاحات) مؤسفة على الصعيد العسكري.
- وضع نتنياهو الصعب داخلياً من الناحية السياسية، لذا فانتظار وصول ترامب قد يقدم له بعض الضمانات في مستقبله السياسي، لا سيما أن ترامب كان في فترة رئاسته السابقة بين العامين 2017 و2021م، قد خفف الضغط على يهود بإعلانه إسقاط حل الدولتين، وقبوله بيهودية كيانهم، واعتبار القدس عاصمة لهم ونقل السفارة الأمريكية لها، فقد لا يكون نتنياهو في عجلة من أمره، وينتظر استلام ترامب ليخفف من حجم الضغوطات عليه.
ولعل مما يلمّح لهدف أمريكا هو تصريحات زعيم المعارضة عند يهود يائير لابيد الأحد ٢٤/١١/٢٠٢٤م بأن "هناك حاجة إلى خطوة سياسية كبيرة لتحويل النجاحات العسكرية إلى تسوية إقليمية تغير وجه الشرق الأوسط".
كما أن تشجيع ترامب لهوكستين على الاستمرار بهذا الشأن، وتباحثه بشكل ودي مع الإدارة الديمقراطية بهذا الشأن، يشير إلى أن أمور الاتفاق تسير في اتجاهها المطلوب، والمسألة قد تكون فقط مسألة وقت، لعلها لا تمتد أكثر من بداية استلام ترامب مقاليد الرئاسة في 20/1/2025م.
إنّ مما يدمي القلب أن من نصبوا أنفسهم قيادات للمسلمين، سلطات وأحزاباً، لا تجد عندهم مانعاً جوهرياً في عقد المصالحات والاتفاقات مع كيان يهود الغاصب المجرم، ولا مانعاً من الاعتراف بوجود حدود له، متناسين بذلك أنه محتل غاصب لأرض من أراضي المسلمين، لا حل معه إلا القتال لإزالته منها من جذوره، وتخليص البلاد والعباد من شروره وإفساده، ولعل الله سبحانه وتعالى يعجل بإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، التي تحرك الجيوش لتحرير كل شبر مغتصب من أراضي المسلمين وتحقن دماءهم، عزيزة قوية ملتزمة شرع الله وأحكامه، لا شرعة أمريكا والغرب وأحكامهم التي لا تمثل إلا مصالحهم ومطامعهم في بلاد المسلمين.
رأيك في الموضوع