لم ينجح الاتفاق السياسي في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي بين البرهان، ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، الذي أعلن عن استقالته عبر التلفزيون الرسمي السوداني في الثاني من كانون الثاني/يناير 2022م، وكشف عن عجزه في إدارة الأزمة السودانية فقال: "تمر بلادنا بمنعطف خطير قد يهدد بقاءها في ظل هذا الشتات داخل القوى السياسية، والصراعات العدمية بين كل مكونات الانتقال"، وقال: "ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق لكن ذلك لم يحدث"، وقال: "مسيرة الانتقال كانت هشة ومليئة بالعقبات بسبب الانقسام السياسي، إذ إن أفق الحوار انسد بين الجميع والتنازع بين شريكي الحكم انعكس على أداء وفاعلية الدولة على مختلف المستويات".
وجد حمدوك، الذي يمثل الوجه المدني الموالي لأوروبا في الحكومة الانتقالية، وجد نفسه عاجزاً أمام العسكر الموالين لأمريكا، فقدم استقالته، وظن البعض أن هذه الاستقالة ستضيق الخناق على المكون العسكري داخليا وخارجياً، بيد أن أمريكا سرعان ما أصدرت خارجيتها بياناً اعترفت فيه بقيادة العسكر للعملية السياسية في هذه المرحلة، وشددت على ضرورة تعيين رئيس للوزراء، وحكومة بما يتماشى مع الوثيقة الدستورية، وجاء في بيان الخارجية أنه "يتعين على القادة السودانيين تنحية الخلافات جانبا، والتوصل إلى توافق"، وهو اعتراف ضمني بقيادة العسكر للبلاد بدون حمدوك، قال وزير الخارجية الأمريكي بلينكن "إن هناك طريقا للمضي قدما، مطالبا قادة السودان بإحراز تقدم سريع في تشكيل حكومة ذات مصداقية وإنشاء مجلس تشريعي وهيئات قضائية وانتخابية"، كل ذلك لضمان بقاء الفترة الانتقالية في قبضة رجالها من العسكر والقوى الأمنية الأخرى.
ثم حركت أمريكا أدواتها الإقليمية والدولية، للوصول إلى توافق يضبط بوصلة الوضع السياسي لصالحها، على الأقل في الفترة الانتقالية، فأعلن رئيس البعثة الأممية في السودان، فولكر بريتس، عن إطلاق عملية سياسية تشمل الحركات المسلحة والأحزاب السياسية، وقطاعات واسعة، من أجل الاتفاق على مخرج من الأزمة السياسية الحالية، وأن الأمم المتحدة تتولى تيسيرها، (سبوتنيك 08/01/2022م). وقال فولكر في بيان للبعثة الأممية صدر يوم الاثنين 03/01/2022م عقب استقالة حمدوك: "إنه يحترم قرار رئيس الوزراء"! والجدير بالذكر أن مجلس الأمن قد اتخذ القرار 2524 في 3 حزيران/يونيو 2020، والذي تم بموجبه إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم (حسب زعمهم) المرحلة الانتقالية في السودان، من خلال مجموعة من المبادرات السياسية، وهو ما أكده فولكر خلال حوار في صفحة أخبار الأمم المتحدة في 13 كانون الأول/ديسمبر 2021، حيث قال: "الهدف الرئيسي لبعثة يونيتامس هو مساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية، فيما يتعلق بالانتقال السياسي. وكذلك من خلال الانتقال إلى السلام. وفي الواقع، هناك أيضا انتقال ثالث وهو الانتقال نحو التعافي الاقتصادي".
ويبدو أن لدى البرهان وعوداً بالدعم السياسي فيما تبقى من الفترة الانتقالية، ووعداً (كاذبا) بتلقي مساعدات إذا استمر في نهجه، وأتقن التحكم في الفترة الانتقالية لصالح أمريكا، حيث قال، حسب موقع الجزيرة 04/12/2021: "إن الجيش سيترك الساحة السياسية بعد الانتخابات المقررة عام 2023"، مضيفا "أن هناك "مؤشرات إيجابية" تتصل بدعم المجتمع الدولي مجددا للخرطوم". وقال: "عندما تعود الأوضاع لطبيعتها، نتوقع عودة المساعدات الاقتصادية الدولية"، ولتطمين الشارع وتهدئة الاحتجاجات قال البرهان في مقابلة مع وكالة رويترز إنه "عندما تأتي حكومة منتخبة فإن الجيش والقوات النظامية لن تكون لها مشاركة في الشأن السياسي"، وهو يعني استمرار بقائه في السلطة حتى نهاية الفترة الانتقالية، وهو ما تريده أمريكا. ويطمع في الاستمرار في الحكم حيث قال في خطابه بحسب سودافاكس 05/12/2021م: "إن الانتخابات، ستكون مفتوحة لجميع القوى التي شاركت في المرحلة الانتقاليّة".
لذلك تسارع الولايات المتحدة إلى التحكم في المسار السياسي في الفترة القادمة بتكوين حكومة توافقية، تحقق لها بقاء رجالها في الحكم إلى حين ترتيب الأوراق لاحقاً.
إن المنظمات التي تقوم على غير أساس الإسلام، أو تطبق أحكاماً غير أحكام الإسلام، لا يجوز للمسلمين أن يستعينوا بها في قضاياهم السياسية، وذلك كالمنظمات الدولية مثل هيئة الأمم المتحدة وفروعها العسكرية والسياسية والاقتصادية، فهيئة الأمم تقوم على أساس النظام الرأسمالي، علاوة على أنها أداة في يد الدول الكبرى ولا سيما أمريكا لتسخرها من أجل فرض سيطرتها على الدول الصغرى، والاحتكام إليها احتكام لغير ما أنزل الله. وكذلك المنظمات الإقليمية كالاتحاد الأفريقي الذي يهندس السياسات ويمررها نيابة عن أمريكا في القارة الأفريقية، تماما مثل ما فعل ود لباد الذي كتب وثيقة الفترة الانتقالية الفاشلة في السودان.
إن ربط قضايا الأمة الإسلامية بغيرها، وإيداعها في دهاليز المنظمات التي يسيطر عليها أعداء الأمة، تباعد من أمل الانعتاق من سيطرة الكافر المستعمر، وعلى المسلمين أن يسارعوا إلى إقامة دولة تحررهم من الهيمنة الغربية وتدخلات منظماتها في شئونهم، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي يعمل لها حزب التحرير بقيادة أميره العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله.
رأيك في الموضوع