فرضت أمريكا عقوبات على قائد قوات الدعم السريع بحسب بيان أصدره وزير خارجيتها بلينكن، نشرته وزارته في 7/1/2025م، وفي الوقت نفسه قالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان: "فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة عقوبات على محمد حمدان دقلو موسى "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع".
ليست هذه هي المرة الأولى التي تلوح فيها أمريكا بهذه الأساليب الغليظة، التي تشكل ضغطاً سياسياً، في وجه عملائها في السودان، خلال هذه الحرب، فقد سبق أن فرضت عقوبات على قادة آخرين في قوات الدعم السريع، ومسؤولين في الجيش، مع استمرار صرخاتها التضليلية وذرف لدموع التماسيح على الفظائع التي يرتكبها عملائها بحق أهل السودان، فقد أصدر مكتب المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر في 12/11/2024م، بياناً من قبل جاء فيه: "إن وزارة الخزانة، وبعد إدراج مجلس الأمن الدولي لاثنين من قادة قوات الدعم السريع في قائمة العقوبات بتاريخ الثامن من تشرين الثاني/نوفمبر، تفرض اليوم عقوبات على عبد الرحمن جمعة بارك الله (بركة الله)، وهو قائد لقوات الدعم السريع في غرب دارفور".
والذي يجب الانتباه إليه، أن بلينكن لا يعتبر قوات الدعم السريع قوات متمردة كما يصفها البرهان، بل يعتبرها نداً للجيش، حيث قال: "في كانون الأول/ديسمبر 2023، توصّلتُ إلى أن أفراد القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، قد ارتكبوا جرائم حرب. كما توصّلتُ إلى أن أفراد قوات الدعم السريع والمليشيات العربية المتحالفة معها قد ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً". فهو يتهم الجيش وقوات الدعم السريع معاً، بينما يفرض عقوبات على قوات الدعم السريع، وقائدها وشركاتها، فلماذا هذه العقوبات؟ وهل تعكس عقوبات بايدن، المنتهية ولايته، على حميدتي فشلا أمريكيا أم "شعورا بالذنب" أم ماذا وراء التلويح بسلاح العقوبات؟
إن أمريكا تستخدم كل وسيلة ممكنة في أعمالها السياسية، وفي صراعها للحفاظ على مركزها، باعتبارها الدولة الأولى في العالم بلا منازع، ولمنع أية دولة من منافستها، أو زعزعة نفوذها في مناطق سيطرتها في العالم، تستخدم أمريكا سلاح العقوبات حتى لو كانت ضد رجالها كما فعلت مع البشير، حيث كان معاقبا أمريكياً حتى تم فصل الجنوب، ثم أطيح به في نيسان/أبريل 2019م.
فقد فرضت الإدارات الأمريكية المتعاقبة سلسلة عقوبات على السودان، صدرت إما بأوامر تنفيذية من الرئيس أو بتشريعات من الكونغرس الأمريكي، وهدفت إلى الضغط على السودان بدعاوى الإرهاب أو غيرها من الفظائع التي يرتكبها العملاء، وهذه بعض العقوبات الأمريكية، أوردتها قناة الجزيرة في تقرير لها في 16/01/2017م، والإجراءات التي طالت السودان، حتى تحقق فصل الجنوب وتهيئة بقية الأقاليم للانفصال ضمن سياسة أمريكا في تفتيت الدول والسيطرة عليها، وبخاصة دويلات شمال وشرق أفريقيا.
ففي عام 1993م أدرجت السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، ردا على استضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن عام 1991، قبل أن يغادر الخرطوم عام 1996، تحت وطأة ضغوط أمريكية على السودان. وفي 3/11/1997م، بقرار تنفيذي من الرئيس بيل كلينتون، فرضت عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية. وفي 2002م، صدر "قانون سلام السودان"، وربط العقوبات الأمريكية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. وتم التوقيع على اتفاق ميشاكوس تحت الضغوط الأمريكية، ثم اتفاق نيفاشا في 2005م، الذي قصم ظهر السودان فانقسم إلى جزأين هزيلين. وفي 11/2016م، مددت حكومة أوباما عقوباتها المفروضة على الخرطوم لمدة عام.
وبعد اندلاع هذه الحرب اللعينة، فرضت عقوبات جديدة، على وزير الخارجية السوداني السابق علي كرتي، وعلى شركة جي إس كيه لتكنولوجيا المعلومات ومقرها السودان، وشركة أفياتريد العسكرية ومقرها روسيا، وقالت إن الشركتين "مسؤولتان أو متواطئتان أو لهما صلات مباشرة أو غير مباشرة بأعمال أو سياسات تهدد السلام والأمن والاستقرار في السودان".
لذلك فليس بمستغرب أن تفرض أمريكا هذه العقوبات على أحد رجالها في السودان وبعض رجاله، إذ إن العقوبات هي وسيلة فعالة لبلوغ مرادها، فبحسب تصريح من مقر الأمم المتحدة بنيويورك، للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية في 19/12/2024 قال: "أكرر ما قلته منذ عام... ستستخدم الولايات المتحدة كافة الوسائل المتاحة، وبما في ذلك عمليات تحديد وعقوبات جديدة، لمنع الانتهاكات ومحاسبة الجناة".
هذه هي أمريكا، تلقم رجالها حجارة في أفواههم، ليلزموا الصمت، ويغذوا الخطا طائعين، في تنفيذ ما تريده منهم، ولا تلقي بالاً للعواقب التي تصيب البلاد والعباد؛ فها هو ماثيو ميلر المتحدث باسم وزارة خارجيتها في 5/12/2024م، يقول: "تدعو أمريكا قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية وكافة الجماعات المسلحة إلى اتخاذ خطوات ملموسة تضمن الوصول الإنساني الآمن وبلا عوائق إلى أنحاء السودان كافة"! مؤكدا بذلك عنجهية أمريكا وغطرستها على الجميع، وتفرض عقوبات للضغط على عملائها للسير في تنفيذ المخطط المرسوم لهم.
الجدير بالذكر أن أمريكا كانت قد أدرجت على قوائم العقوبات، ثلاثة مسؤولين من النظام السابق، وهم محمد عطا المولى عباس وطه عثمان أحمد الحسين، وصلاح عبد الله محمد صلاح، المعروف بصلاح قوش، الذي يحمل الجنسية الأمريكية؛ لاتهامهم بالمشاركة في أنشطة تقوض السلام والأمن والاستقرار في السودان، بحسب بيان للخارجية الأمريكية في 4/12/2023م: "المولى وقوش مسؤولان أمنيان سابقان عملا على إعادة عناصر من النظام السابق إلى السلطة وتقويض الجهود الرامية إلى إنشاء حكومة مدنية، في حين عمل طه على تسهيل إيصال الدعم العسكري، وغيره من المواد من مصادر خارجية إلى قوات الدعم السريع". وقال البيان: "ستواصل الولايات المتحدة استخدام الأدوات المتاحة لنا لعرقلة قدرة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية على إطالة هذه الحرب ومحاسبة المسؤولين عن تعميق الصراع أو عرقلة العودة إلى حكومة مدنية".
إن ما ذكرته حكومة بايدن من حيثيات العقوبة الحالية على حميدتي، في هذا التوقيت ليست وليدة اللحظة، ففي عام 2006م مثلاً، فرض الكونغرس عقوبات ضد الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية. وفي العام نفسه، حظر الرئيس جورج بوش الابن، ممتلكات عدد من الشركات والأفراد السودانيين، شملت 133 شركة وثلاثة أفراد، لكنها كانت ضجة وانتهت. فهي من جنس الأسلحة التي ترفعها الدول الرأسمالية المستعمرة، الطامعة في بلاد المسلمين، للضغط على الحكام الرويبضات وبقية العملاء، الذين هم رأس حربة للمستعمر لتدمير البلاد، وشقاء العباد، وبالمقابل يجد هؤلاء الحماية والسند الخارجي حتى ينتهي دورهم، أو إبدالهم بمن هم أكثر استسلاماً، وخنوعاً للأوامر الأمريكية.
إن قوات الدعم السريع لا تزال في يد أمريكا، فقادتها وبعض قيادات الجيش يلعبون أدواراً ترسمها أمريكا للحفاظ على نفوذها في السودان تحت الضغوط، ومنها هذه العقوبات التي تقطع الطريق أمام أي تحرك أوروبي جاد، أو مبادرة من بريطانيا أو غيرها، ذريعة للتدخل في شؤون السودان، فأمريكا حريصة على أن تكون هي الممسكة بهذا الملف لوحدها. فهلا يرعوي هؤلاء القادة، فيقوموا بواجبهم لحماية الدين والبلاد والعباد، فإن أمريكا لن ترحم، سواء أطعتموها أم خالفتموها.
رأيك في الموضوع