أثارت زيارة قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، لجنوب أفريقيا في ٤/١/٢٠٢٤م، تساؤلات كثيرة واهتماما بالغا، حيث تم الترتيب لها على مستوى عالٍ من مجموعة شركات علاقات عامة دولية، بحسب تقرير للجزيرة نت في ٧/١/٢٠٢٤م، حيث أورد التقرير أن لجنة برئاسة هلو نجواني، مستشار رئيس جنوب أفريقيا رامافوزا، بدأت التحرك في الاتصال بقيادة الاتحاد الأفريقي، ودول المنطقة ذات الصلة بحرب السودان، بغرض تهيئة الأجواء لطرح مبادرة، ثم التقى الوفد في العاصمة الإثيوبية بحمدوك، رئيس مجموعة (تقدم). وأضاف التقرير، أن شركة العلاقات العامة البريطانية والإماراتية، هي التي تولت ترتيب كل زيارات حميدتي لدول المنطقة (يوغندا، وكينيا، وأديس أبابا وجيبوتي ورواندا)، وجنوب أفريقيا.
"استقبل الرئيس سيريل رامافوزا، حميدتي في بريتوريا، وأكدت رئاسة جنوب أفريقيا في بيان، أن رامافوزا أعرب خلال لقائه حميدتي، عن دعم جنوب أفريقيا للحوار الوشيك بين حميدتي والبرهان"، داعيا إلى وقف فوري لإطلاق النار ووقف دائم للأعمال العدائية. وبحسب وكالة الأناضول في ٥/١/٢٠٢٤م، فإن حميدتي، أجرى مباحثات مع رئيس جمهورية جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، في العاصمة بريتوريا. وقال حميدتي في منشور له على منصة إكس: "أجريت اليوم (الخميس) بمدينة بريتوريا مباحثات مثمرة مع فخامة رئيس جمهورية جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا". وأوضح أن المباحثات "تناولت التطورات التي يشهدها السودان في ظل الحرب الدائرة".
ولفهم المغزى من هذه الزيارة، والتحركات التي يقوم بها حميدتي منذ ظهوره العلني نقول:
إن حميدتي قد شرع في زيارات لدول أفريقية عديدة، بدأها بجيبوتي في ٢٦/١٢/٢٠٢٣م، حيث كتب في صفحته على إكس: "طرحت لفخامة الرئيس قيلي رؤيتنا لوقف الحرب وحل شامل ينهي معاناة شعبنا العظيم". وذكرت فرانس ٢٤ في ٣١/١٢/٢٠٢٣ أن الفريق محمد حمدان دقلو وصل الأحد إلى جيبوتي التي تقود جهوداً إقليمية ترمي إلى التوصل لوقف إطلاق النار بين الطرفين.
وفي يوم ٢٧/١٢/2023م، زار حميدتي يوغندا، وكتب في صفحته: "سعدت بزيارة جمهورية يوغندا ولقاء فخامة الرئيس يوري موسيفيني، قدمت شرحا مفصلا حول أسباب نشوب الحرب".
أما زيارته لأديس أبابا فقد كانت للتوقيع على بيان مشترك مع حمدوك رئيس جبهة (تقدم) وقد كان.
ثم إنه زار كينيا، والتقى برئيسها، وكتب في صفحته: "التمست تفهما من رئيس جمهورية كينيا للعمل على جمع الأطراف لإيجاد مخرج للأزمة..."، وقال أيضا: "التقيت اليوم ٤/١/2024 بالعاصمة الكينية نيروبي بسلطان دارفور، أحمد أيوب علي دينار، وأكدت على أهمية دور القادة ورموز المجتمع في الحفاظ على وحدة وتماسك شعبنا".
وكذلك اتصل حميدتي بالأمين العام للأمم المتحدة، وكتب في صفحته في ١٢/١/٢٠٢٤: "ناقشت اليوم عبر اتصال هاتفي مع الأمين العام للأمم المتحدة الأوضاع في السودان وسبل تخفيف المعاناة الإنسانية".
إن المغزى من هذه التحركات والزيارات، هو تسليط الضوء على رجل أمريكا القوي، الذي تعول عليه ليقود المعارضة السياسية في الفترة المقبلة، وإضفاء الشرعية لحميدتي ليقود عملية السلام بدل المدنيين، بخطوات لا تبدو متسارعة، وهذا ما أكده خبير الشؤون الأفريقية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، كاميرون هيودسون، الذي يرى أن البرهان حاليا لن يلبي دعوة حمدوك للقائه... إلا أنه يرجح أن يكون هذا هو القصد تحديدا من الطرفين، لأنه (عدم لقاء البرهان بحمدوك) سيجعل الجيش يبدو معارضا للسلام ويصور حميدتي على أنه الطرف الأكثر عقلانية ومسؤولية". (DW، ٦/١/٢٠٢٤).
إن الاقتتال بين البرهان وحميدتي، قد شل حركة المدنيين، وأخلّ تفكيرهم، ولما أحست أوروبا (بريطانيا) بالخطر على زوال عملائها منذ نشوب هذا الاقتتال، حيث قال بوريل في ٢٥/٤/٢٠٢٣م في تويتر آنذاك "لا يمكن لأوروبا السماح للوضع في السودان بالانفجار"، لما أحست بالخطر، أوعزت لأدواتها بالتحرك لوقف الحرب، فسخرت روتو، رئيس كينيا، التابع لبريطانيا، الذي رفض البرهان مبادرته، ففشلت تلك المحاولة، فعادت بريطانيا تحاول هذه المرة عبر جنوب أفريقيا.
إن عملاء بريطانيا المدنيين وغيرهم، قد تلقوا ضربة قوية بهذه الحرب، فقد افتعلت أمريكا هذا الصراع بين عميليها البرهان وحميدتي، حتى تقضي على دور المعارضة السياسية المشكلة من عملاء الإنجليز في قوى الحرية والتغيير سابقا و(تقدم) حاليا برئاسة حمدوك؛ وذلك لأن أمريكا تريد أن تشكل قوات الدعم السريع معارضة سياسية قوية، تترأسها ضد النظام، وتعمل على أن تحتوي المعارضة السياسية العميلة لبريطانيا وللأوروبيين تحت قيادتها، أو تقضي عليها، فيصبح الدعم السريع هو الطرف الرئيس في المعارضة السودانية السياسية، بدلا من القوى السياسية الأخرى الحالية.
فيمكن أن تفهم زيارات حميدتي وتحركاته في مسارين:
المسار الأول: زياراته للدول التابعة لأمريكا (يوغندا، وإثيوبيا، وجيبوتي وغيرها...) بأنها من باب الإخطار، للوقوف بجانبه إذا استدعى الأمر، واحتاج حميدتي إليهم.
أما زياراته للدول التابعة لبريطانيا (كينيا وجنوب أفريقيا وغيرهما)، فالغرض منها التأكيد على استعداده لقيادة معارضة مدنية ضد الحكومة، مستغلا حاجة أوروبا الشديدة لأحد طرفي الصراع، لعلها تجد من خلاله موطئ قدم في المرحلة المقبلة.
إن جنوب أفريقيا لا يتصور أن تقوم بهذه المبادرة، إلا بإيعاز من أوروبا، بل وتعول عليها، ثم بالتنسيق مع أمريكا، فقد نجحت من قبل بالتنسيق مع واشنطن، في توقيع اتفاق سلام، بعد حرب طاحنة، بين الحكومة الإثيوبية وجبهة التيغراي في بريتوريا، في ٣ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٢م.
لكننا لا نعول، لوقف الاقتتال، على هذه المبادرات التي تأتي من الأعداء الطامعين في تثبيت نفوذهم في بلادنا عبر العملاء، فلا بد من بذل الوسع مع العاملين لإيقافها، وقطع شرايينها بمبايعة من يقود الأمة بكتاب الله وسنة رسوله في ظل الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع