تسارعت وتيرة العلاقات السودانية مع كيان يهود في الآونة الأخيرة، وشارفت على التطبيع الكامل في ظل الحكومة الانتقالية، فمتى بدأت هذه العلاقات، وما هي المراحل التي مرت بها، وما هي دوافعها ومبررات حكام السودان في الانخراط في عمليات التطبيع؟ وما هو الموقف الذي يجب اتخاذه تجاه هذه العلاقات؟
في البدء أنوه إلى أن هذه العلاقات تخص الحكام وحدهم، لانفصالهم عن الأمة، ولا شأن لأهل السودان بها، كما أذكّر بمقولة جولدا مائير عندما كانت تتولى وزارة خارجية كيان يهود وكذلك ملف أفريقيا في عام 1967 عندما قالت: "إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا... وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة، والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة أخرى".
ومن هذا المنطلق نشأت علاقات سرية بين حكام السودان وبين كيان يهود قبيل انفصال السودان عن مصر، فقد عقدت غولدا مائير اجتماعاً سرياً مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل في صيف 1957 في أحد فنادق باريس، وكذلك نشأت علاقة سرية بين يهود والرئيس النميري أواخر السبعينات، ونُقِل عن النميري في 1975 قوله: "إن وجود (إسرائيل) بات أمراً ملموسا نحن نعترف به"، وقادت هذه العلاقة لعملية تهريب يهود الفلاشا من الحبشة إلى كيان يهود، للمساهمة في تعديل ميزان يهود الديموغرافي لصالح أغلبية يهودية وتأسيسها. وبحسب كتاب للباحث إيلي بوديه، التقى موظفون من وزارة خارجية كيان يهود مع نظراء سودانيين في عهد البشير، اختتمت بلقاء رئيس الموساد يوسي كوهين برئيس المخابرات السودانية قوش على هامش مؤتمر أمني في ميونيخ في 2019، كانت كلها علاقات سرية لم يكشف عنها إلا إعلام يهود.
وأخيراً، بعد اتصالات مكثفة بين البرهان ووزير خارجية أمريكا السابق مايك بومبيو، وتحت ضغوط أمريكية كبيرة بشأن التطبيع مع يهود، تحرك البرهان بخطوات علنية متسارعة في مسار التطبيع، فبدأت بلقائه بنتياهو في عنتيبي، التي كشف عنها مكتب رئيس وزراء يهود السابق نتنياهو في 3 شباط/فبراير 2020م، فكانت نتيجتها السماح بتحليق طائرات يهود في أجواء السودان، والوصول إلى اتفاق التطبيع بينهما في 23/10/2020 في واشنطن، بحضور ترامب، والبرهان، وحمدوك، ونتنياهو، لبدء العمل على إقامة علاقات دبلوماسية كاملة بينهما، كما اتفقوا على بدء علاقات اقتصادية وتجارية، واعتبر نتنياهو هذا الاتفاق "تقدماً كبيراً للسلام وبداية لعهد جديد"، ووصف بيان مشترك أمريكي سوداني يهودي هذا الاتفاق بالتاريخي. (الجزيرة 23/10/2020).
وكذلك تم التوقيع على اتفاقات أبراهام في الخرطوم في 06/01/2021م وافقت بموجبه الخرطوم على تطبيع علاقاتها مع كيان يهود، وذلك خلال زيارة وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين. وفي خطوة مستفزة أخرى صادق مجلسا السيادة والوزراء يوم الاثنين 19/04/2021م على مشروع يلغي قانون مقاطعة كيان يهود القائم منذ عام 1958م، حيث قال وزير العدل نصر الدين عبد الباري: "أجزنا قبل قليل في اجتماع مشترك لمجلسي السيادة والوزراء مشروع قانون إلغاء قانون مقاطعة (إسرائيل)".
ثم توالت زيارات الوفود العلنية بين الجانبين، قال عنها البرهان في مقابلة مع التلفزيون الرسمي السبت 12/02/2022، "إن العلاقة بين السودان و(إسرائيل) ليست سرية" (الأناضول). فغدت هذه العلاقات فوق السطح بعد أن كانت مخفية تحت الطاولات، مسفهاً بذلك مشاعر الأمة الإسلامية قاطبة، راكلاً برجليه كرامة المسجد الأقصى الأسير بيد يهود!
ثم إن البرهان يسوق مبررات سخيفة لخطواته الدنيئة هذه، ويكشف عن ولائه لأمريكا، حيث قال حسب رويترز في 05/02/2020م: "إن لقاءه مع رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو في أوغندا، كان بترتيب أمريكي"، وعبر تلفزيون السودان يوم الاثنين 26/10/2020، قال: "التطبيع مع (إسرائيل) يعني عودة العلاقات إلى طبيعتها والطبيعة ليس بها عداء... ونسعى للبحث عن مصالحنا ونريد مصلحة السودان فقط".
فعن أية مصلحة يتحدث البرهان، وهو يعلم صفات يهود، وطباعهم التي كشفها سبحانه للملأ، وبيّن حقدهم وكيدهم بياناً شافياً وافياً كدرسٍ عظيمٍ للتعامل معهم؟! وقد فصّل أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة حفظه الله في كتابه القيّم "التيسير في أصول التفسير" بعض صفات يهود؛ منها أن عـلاقتهم مع الله علاقة كفر به سبحانه وبنعمه، وعلاقتهم مع دينهم التحريف، والنفاق، وأنهم في النفاق لأولو باعٍ طويلٍ، لا يضرهم أن يعلنوا الإيمان ثم يخفوا التآمر والكفر، وعلاقتهم مع الأنبياء الغدر، والقتل، والحسد. ومنها أن علاقتهم مع العهود والمواثيق نقضٌ وإعراضٌ، فالنقض والإعراض عن تنفيذ المواثيق هو ديدنهم، وهذا واضح في التلكؤ في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة وغيرها، وفي اتفاقياتهم مع رؤساء دول المحور الضرار (مصر والأردن وسوريا ومنظمة التحرير وغيرهم)، ﴿أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ فما بال الحكومة الانتقالية في السودان تجعل في آذانها وقراً وفي أعينها غشاوة عما يفعله يهود بالأرض المباركة في فلسطين وأهلها؟! ألا يرون أن علاقة يهود مع تنفيذ أمر الله التلكؤ والتبريرات والحيل والتأويلات؟ ففي الحديث الشريف: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَلُوهَا وَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا».
ثم إن علاقة يهود مع غيرهم من الناس فسادٌ وإفسادٌ دون أن يراعوا في غيرهم حلالاً أو حراماً، بل يجيزون السوء معهم وهم يعلمون ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيّنَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، والأميون عندهم غير اليهود، فليس عليهم سبيل في إساءة التعامل معهم. بيد أن يهود يمتازون بتطفلهم على الآخرين فلا قوة لهم ولا عزة ولا طمأنينة في غنىً أو أمنٍ إلا في حال تطفل وتبعية للدول الأخرى، ولن تقوم لهم قائمة إلا أن يلتصقوا بغيرهم، ويتغولوا على الدول الأخرى، يسيحون في أرضها الفساد وينهبون الثروات.
إن الصراع يجب أن يكون صراع إيمان وكفر، صراع حق وباطل، وهذه هي حقيقته، فالصراع هو بين أمة اغتصبت أرضها وبين كيان مسخ يكنّ عداوة دفينة لهذه الأمة، ولدينها، ولمقدساتها، وهو صراع بين عدوين ليس بينهما أي نقاط مشتركة، فهذان خطان لا يلتقيان، ولن يتعايشا ما دامت السماوات والأرض، بل يجب اتخاذ حالة حرب معهم، فإن لم تفعلوا، ولن تفعلوا، فستعلنها دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة العائدة قريباً بإذن الله.
رأيك في الموضوع