لقد شكل البرلمان لجنة خارطة الطريق في تاريخ 21/12/2021 م المؤلفة من 10 أعضاء بهدف التوصل إلى صيغة توافقية بشأن المسار الدستوري في البلاد.
وبعد أن أخفق كل من مجلس النواب والمفوضية العليا للانتخابات في تنظيم الانتخابات الرئاسية بموعدها في 24 كانون الأول/ديسمبر 2021م، حيث اقترح المشري أن تجري الانتخابات البرلمانية في 15 شباط/فبراير وهو تاريخ قريب من 24 كانون الثاني/يناير، ويمكن التوافق بشأنه إما بالتمديد أو التقليص ولم يوافق عليه، وبقي الأمر معلقاً.
ويوم الاثنين 7/2/2022م، أعلن رئيس مجلس النواب عقيلة صالح أن المجلس سيعمل على اختيار رئيس الحكومة الجديدة خلال جلسة برلمانية والتي عقدت الخميس 10/2/2022م، وفي يوم الثلاثاء 8/2/2022 أكد رئيس الحكومة والمجلس الرئاسي في ليبيا على أهمية إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية لإنهاء النزاع في البلاد، وقال رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة في بيان مقتضب: "نريد الدفع نحو المسار الدستوري، والقرار يجب ألا يكون أحاديا، والمسار الدستوري يعني إجراء استفتاء شعبي على مسودة مشروع دستور جاهز، ثم تنظيم انتخابات وفقا لهذا الدستور، وذلك عكس المسار الذي كانت تسير فيه البلاد، وهو إجراء الانتخابات ثم الاستفتاء على الدستور".
وفي مساء اليوم ذاته تم إعلان توصل لجنتي خارطة الطريق بالمجلس الأعلى للدولة الليبي (نيابي استشاري)، ومجلس النواب يبحث الاتفاق على الصيغة النهائية للتعديل الدستوري، وجاء ذلك ببيان نشره عبد الله بليحق المتحدث باسم مجلس النواب على حسابه الشخصي بموقع الفيسبوك قائلا: "إن اللجنتين اجتمعتا مساء بمقر الديوان مجلس النواب في مدينة طبرق (شرق) حيث تم التوافق على الصيغة النهائية للتعديل الدستوري".
وفي صباح يوم الأربعاء 9/2/2022م أعلن عبد الحميد الدبيبة أن حكومته مستمرة في عملها، ولن نسمح بمرحلة انتقالية جديدة، ولن يسمح للطبقة السياسية المهيمنة طوال السنوات الماضية بالاستمرار لسنوات أخرى.
ومساء اليوم ذاته خرج عدد من أنصار الدبيبة للتظاهر في طرابلس مطالبين بإسقاط مجلس النواب وإنهاء المراحل الانتقالية عبر الانتخابات حيث اعتمد مجلس النواب خارطة طريق تنتهي بإجراء انتخابات في غضون 14 شهراً من إجراء تعديل على الإعلان الدستوري، وقد تم فعلا تعديل الإعلان الدستوري الذي يتضمن إدراج تشكيل لجنة من 24 عضوا بينهم 6 من مجلس النواب، ومثلهم من المجلس الأعلى للدولة لتعديل المواد الخلافية في مشروع الدستور.
ويوم الخميس صباحا نقلت قناة ليبيا الأحرار عن مصدر حكومي لم تسمه قوله: "إن عبد الحميد الدبيبة تعرض لمحاولة اغتيال في طرابلس، حيث تعرضت سيارته لوابل من الرصاص باستهداف مباشر له".
وفي وقت لاحق من اليوم ذاته عقد مجلس النواب في مدينة طبرق جلسة لانتخاب رئيس جديد للحكومة بدل عبد الحميد الدبيبة، ومع غياب بعض النواب الذين كانوا خارج البلاد، وعدم رضا بعض النواب، تم تكليف فتحي باشا آغا رئيسا للحكومة الجديدة خلفا لعبد الحميد الدبيبة، حيث تم اعتبار الحكومة الأخيرة منتهية الولاية، بسبب إرجاء الانتخابات، ونقلا عن إسطنبول الأناضول قولها 10/2/2022م: "إن هذه الخطوة من شأنها إعادة استنساخ الانقسام السابق أمام إصرار عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية على عدم تسليط السلطة إلا لحكومة منتخبة، ومع العلم أن فتحي باشا آغا من الأسماء الثقيلة في المنطقة الغربية سياسيا وعسكريا".
حيث إن فتحي باشا آغا وفي جنيف دخل في تحالف هجين مع أعداء الأمس، وشكل مع رئيس مجلس النواب عقيلة صالح قائمة مشتركة لخوض المنافسة على السلطة التنفيذية، التي استطاع الدبيبة خطفها من فم الصقور الجارحة في المعسكرين.
واليوم برعاية مصرية نجد أنه تم توثيق الخلف الجديد الراعي الشرعي له بمصر وهو فتحي باشا آغا، والجنرال خليفة حفتر وعقيلة صالح، بمباركة تركية خجولة، حيث اجتمع فتحي باشا بمصر منذ بضعة أشهر، ونجد أن مصر الدولة الوحيدة التي أصدرت بيانا رسميا تؤيد حكومة فتحي باشا آغا، حيث قال السفير أحمد حافظ باسم وزارة الخارجية المصرية في بيان عبر صفحتها على الفيسبوك بتاريخ 10/02/2022م: "إن مصر تثمن دور المؤسسات الليبية واضطلاعها بمسؤولياتها بما في ذلك ما اتخذه مجلس النواب من إجراءات اليوم بالتشاور مع مجلس الدولة وفقا لاتفاق الصخيرات". وأضاف أيضا "أن مصر مستمرة في تواصلها مع جميع الأطراف الليبية، بهدف تقريب وجهات النظر بينهم، وضمان حفظ الأمن واستقرار البلاد".
ومن جهة أخرى أعلن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك الخميس 10/2/2022 أن المنظمة الدولية لا تزال تدعم عبد الحميد الدبيبة بوصفه رئيسا للوزراء في ليبيا، وذلك بعدما عين البرلمان الليبي وزير الداخلية السابق فتحي باشا آغا رئيسا جديدا للحكومة.
ونتساءل هنا هل ستفشل حكومة فتحي باشا آغا كما حدث مع حكومة أبو شاقور عام 2012م، حيث إنه تم تشكيل حكومة ولكن رفض 125 عضوا في المؤتمر منح الثقة لحكومة الأزمة مقابل 44 صوتا مؤيدا، وامتناع 17 عضوا عن التصويت!
إن التحالفات الجديدة مع أعداء الأمس تعطي قراءات كثيرة، هل هذا التغيير جذري أم هو لحرق ورقة فتحي باشا آغا؟ حيث إنه رجل قوي، وهو يصلح منافساً في الانتخابات الرئاسية، فبهذا التحالف جعلوه يسعى نحو مصالح شخصية يحقق من ورائها مكاسب إما مؤقتة أو منصباً مضموناً كرئاسة الوزراء مثلا! وذلك ضمن توافقات غير معلنة بضمانة مصرية تركية؟ أو أنه يتم استدراجه لحرق شعبيته، وذلك بدخوله تحالفاً مع الجنرال حفتر الذي ليس له تاريخ جيد مع الشعب الليبي لدمويته؟
وفي كلا الاحتمالين يصبح عبد الحميد الدبيبة هو المرشح الرئاسي الأوفر حظا مع بقاء عقيلة صالح في مجلس النواب، وبهذا يكون قد تم التحضير للدستور بشكل يوافق مصالح أمريكية مع ضغط سياسي حول انقسام قابل للانفجار في أي لحظة، فتكون ورقة إعداد الدستور والموافقة عليه، وتحديد موعد الانتخابات قريبة وعلى صفيح ساخن ضمن تهديدات بالانقسام، وعودة الحديد والنار والاقتتال غير المبرر، والذي لا يرغب الشعب الليبي بالعودة له.
وللأسف الشديد إن هذه المؤامرات تطبق من أجندات خارجية بأيدي أبناء الشعب الليبي، لضمان مصالح الغرب، وأعداء الدين لنهب ثروات البلاد وجعلها مطية لمخططاتهم التي لا تخدم الشعب الليبي، ولا البلد برمته.
إن الخيارات المتاحة هي خيارات رأسمالية بغض النظر إلى من تعود، ولا يوجد أي خيار لرغبة الشعب الليبي بماذا يريد أن يحكم لأنهم يعلمون أنه لا يعقل أن يختار سوى المنهج الرباني في تطبيق الحكم ألا وهو دولة الإسلام، التي تملك نظام حكم خاصاً وفريداً، ومبدأ قويماً يوافق البشرية ومتطلباتها. ويحقق العدالة، ويمنع الإملاءات الخارجية، وينهي مرحلة النهب لثروات البلاد، ويعيد عز الإسلام، فنعود خير أمة أخرجت للناس.
إن المطلوب هو أن تثق الجماهير الإسلامية بدينها وربها، وتكون مطيعة لأوامر الله، وتعلم أنها صاحبة السلطان، وأنه بمقدورها قلب الطاولة على العملاء والخونة، وطرد الغرب المستعمر بكل أشكاله، والاعتماد على المخلصين من أبنائها الذين يعملون ليلا ونهارا لعودة الحياة بالإسلام، وتحقيق بشرى رسولنا ﷺ: «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ».
بقلم: الأستاذ نبيل عبد الكريم
رأيك في الموضوع