قال وزير المالية جبريل إبراهيم: "إن السودان تخلى عن أهدافه للنمو الاقتصادي للعام المقبل ويستعد لفترة متواصلة من محدودية الدعم الخارجي". وقال جبريل لبلومبيرغ "نحن نبني سيناريو أسوأ الاحتمالات ونخطط للاعتماد على مواردنا الداخلية". "لن نحقق النمو الذي كنا نخطط له"... وقال: "إن من بين تخفيضات الميزانية التي تدرسها الحكومة خفض دعم القمح والكهرباء، وقد يؤدي ذلك إلى تجدد عدم الاستقرار". (سودان تريبيون 17/12/2021م).
ها هو وزير المالية بعد 3 سنوات من الثورة يعترف بفشل رهانهم الخاسر على الكافر المستعمر في دعم البلاد أو حل مشكلاتها، فإن الذي يعتمد على الكافرين ومنظماتهم خائب وخاسر، فالاعتماد عليهم لن يحل المشاكل بل يفاقمها، ولن يقضي على الأزمات وإنما يزيد من حدتها بل ويصنعها!
لقد حاول قادة الحكومة الانتقالية إقناع أهل السودان أن الانفتاح على الدول الاستعمارية، سينزل عليهم المن والسلوى، وأن الاندماج فيما يسمى بالمجتمع الدولي هو مفتاح الحل لكل المشاكل، بالرغم من وضوح الدلائل على حقد الدول الاستعمارية على المسلمين، وتأجيج الصراع على السلطة بين عملائهم بغطاء (المدنية والعسكرية) كما يحدث اليوم بين عملاء بريطانيا وأمريكا في السودان، مع مكرهم ضد أهل السودان، وتمزيق بلادهم، وبث الفتن القبلية والعنصرية، وإفقارهم بروشتات صندوق النقد الدولي، ومحاربة شعائر الإسلام بمهاجمة وإلغاء كثير من الأحكام الشرعية...إلخ
لا يتولى مقاليد الحكم في بلاد المسلمين أمثال ابن العلقمي إلا عندما يفقد المسلمون النظر إلى قضاياهم وفق دينهم وعقيدتهم، حيث تضعف دولة المسلمين، ويفسد حكامها ويبعد الناس عن مبدئهم ومنهجهم الذي ينظم لهم حياتهم.
لقد كان ابن العلقمي وزيراً للخليفة العباسي المستعصم، الذي كان يعامل ابن العلقمي بثقة، حتى سلمه كل ملفات البلاد وإدارة شؤون العباد، فاستغل منصبه، لتنفيذ مؤامراته التي كانت تتمثل في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: إضعاف جيش الدولة: قال ابن كثير في البداية والنهاية: "وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش، وإسقاط اسمهم من الديوان، فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر (قبل المستعصم) قريباً من مائة ألف مقاتل، فلم يزل ابن العلقمي يجتهد في تقليلهم، إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف".
والمرحلة الثانية: مكاتبة التتار، وكانوا أعداء الدولة: يقول ابن كثير: "ثم كاتب ابن العلقمي التتار، وأطمعهم في أخذ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقة الحال وكَشَفَ لهم ضعف الرجال".
أما المرحلة الثالثة: فهي النهي عن قتال التتار وتثبيط الخليفة والناس. فقد أشاع ابن العلقمي وأتباعه بين الناس أنه لا بد من مصالحة العدو والاستفادة منه، وأوهم الخليفة وحاشيته أن مَلك التتار يريد مصالحتهم، فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والأمراء والأعيان فقتلهم التتار جميعا، ثم مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان؛ قتلوا الخطباء والأئمة، وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجمعات مدة شهور ببغداد.
فتأمل هذه الحادثة الكبرى والخيانة العظمى التي تتكرر كل يوم في بلادنا مع عدم الوعي الذي هو آفة تُوهنُ عزمَ الرجال وتُحقِّر من شأنهم!
لقد عملت الحكومة الانتقالية على تمكين الكافرين من السودان، فقد طلب حمدوك يوم السبت 8/2/2020م من الأمم المتحدة بعثة بتفويض كامل يضع السودان تحت وصاية المستعمرين، بالرغم من التاريخ الأسود للأمم المتحدة ومنظماتها وجرائم جنودها في حق النساء والأطفال. وحسب الخطاب: "ينبغي أن تشمل ولاية البعثة المرتقبة كامل أراضي السودان.. وتقديم الدعم التقني في وضع الدستور والإصلاح القانوني والقضائي، وإصلاح الخدمة المدنية، وقطاع الأمن وبناء قدرات قوة الشرطة الوطنية" (القدس العربي 9/2/2020م). وقد وافق مجلس الأمن على ذلك وحدد بعثة سماها (يونيتامس)، كما سمت حكومة حمدوك منسقاً للتعامل مع هذه البعثة. (سودان تريبيون 5/7/2020م)
وفي تبديد أموال البلاد ودفعها للمستعمرين، دفعت الحكومة مبلغ 335 مليون دولار للأمريكان بخصوص سفارتي واشنطن في كينيا وتنزانيا عام 1998م. كما دفعت مبلغ 70 مليون دولار بخصوص قضية المدمرة كول.
ثم ازدادت جرأة الحكومة الانتقالية في خيانتها العظمى؛ التطبيع مع كيان يهود، عرَّابها رئيس المجلس السيادي البرهان في شباط/فبراير 2020م، ثم إلغاء قانون مقاطعة كيان يهود 1958م، وتوالت زيارات قادة كيان يهود للخرطوم، وعقد اتفاقيات مذلة مع قادة الحكومة (العسكر والمدنيين).
ثم نفذت الحكومة الانتقالية كل إملاءات صندوق النقد الدولي الكارثية، فرفعت أسعار الوقود، والخبز، والكهرباء، وغاز الطبخ، باسم رفع الدعم، فضيقت على الناس، بكل جرأة وسفور!
ثم أزالت عدداً من الأحكام الشرعية من القانون الجنائي لتسمح بالدعارة، والردة والإلحاد والكفر بالله سبحانه، واللواط، والخمر، والمصادقة على اتفاقية العهر والفساد (سيداو)...إلخ. وفي 11/7/2020م، لفت وزير العدل نصر الدين عبد الباري إلى نيتهم إلغاء قانون الأحوال الشخصية! أي وقاحة هذه؟!
إنهم عملاء الكافرين، أمثال ابن العلقمي، قاتلهم الله أنى يؤفكون!
لقد كشف الله سبحانه عداء الكافرين للمسلمين، فقال: ﴿إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُواْ لَكُمْ عَدُوّاً مُّبِيناً﴾. إلا أن قادة الحكومة الانتقالية (عسكر ومدنيين) يكذِّبون هذه الحقيقة الشرعية، ويوهمون الناس في السودان أن الكافرين يمكن أن يعمروا بلادنا ويحلوا مشاكلنا، ويوجدوا لنا الأمن والاستقرار، برغم أن الكافرين محتلون للأرض، ولا يكفون عن بث الفتن وصناعة الأزمات.
إن العلاقة بين ابن العلقمي وقادة الحكومة الانتقالية وأتباعهم، هي موالاة الكافرين وتنفيذ أجندتهم. والخطورة لا تكمن فقط في أشخاص قادة الحكومة الانتقالية، أو شخص ابن العلقمي، وإنما في نقطتين مهمتين: الأولى في النظام الذي يسمح ويرضى بتدخل الكافرين المستعمرين في شؤون المسلمين؛ فقد حرَّم الله سبحانه أن يكون للكافرين سلطان على المسلمين. قال تعالى: ﴿وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾، والثانية في تعامل الناس بسطحية بلا فكر ولا وعي انصياعاً لأهواء وأمزجة الحكام والسياسيين أعوان الكافرين.
لكيلا تقع مأساة ابن العلقمي مرة أخرى وجب أن يتعامل الناس مع الأحداث بوعي، وأن يقيموا النظام الذي يطبق فيهم أحكام رب العالمين، ويقطع حبائل الكافرين المستعمرين، ويجعل العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، ولا يوجد ذلك إلا في دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع