قبل أن نفيق من تلك الصدمة التي أصابتنا بعد سماعنا خبر الإفراج عن حاوية 40 قدماً بداخلها 30 طناً من الخمور، تلك الحاوية التي تخص السفارة السويدية، بعد أن تدخلت وزارة المالية لدى سلطات الجمارك، وجاء طلب الإفراج لوزارة المالية من وزيرة الخارجية السودانية والتي جاءها الأمر من سفارتي فرنسا والسويد، ولعمري إن هذا هو عمل السفارات في كل بلاد المسلمين. أقول قبل أن نفيق من هذه الصدمة تأتينا ضربة مزدوجة إحداها من رئيس الوزراء حمدوك حيث وجه وزارة العدل بالمصادقة على جميع الاتفاقيات الدولية بما فيها اتفاقية (سيداو)، وقال نصر الدين عبد الباري وزير العدل في معرض حديثه عن توجيه رئيس الوزراء (إن رئيس الوزراء وجه بالمصادقة والانضمام إلى كافة الاتفاقيات الدولية.. نحن في وزارة العدل ملتزمون بإنهاء كل القوانين التي تضطهد المرأة وسنعمل على إلغاء قانون النظام العام وإجراء التعديلات في القوانين التي لا تتماشى مع المواثيق الدولية). إن الذي ليس لديه تقوى تمنعه من المصادقة على هذه الاتفاقية تمنعه قوانينه الوطنية كما رفضت أمريكا المصادقة على اتفاقية سيداو بحجة أنها تتناقض مع قوانينها، والذي لا يمنعه هذه وتلك تمنعه نخوته ورجولته وشرف وكرامة أسرته من المصادقة على سيداو.
أما الجزء الثاني من الضربة المزدوجة التي أصابتنا فقد جاءت من وزير الشؤون الدينية والأوقاف وقد أصابت الكثيرين من الخلف حيث كانوا يمنون أنفسهم بأنه سيكون الحامي للدين والذابّ عنه في وجه هذه الموجة ولكن خاب فألهم حينما سمعوا أنه عين رجلا نصرانيا وكيلا لوزراته في سابقة لم يقدم عليها أحد من قبل في السودان، ولا أظن أنها حدثت في أي من بلاد المسلمين.
إن تعيين رجل ليكون في أعلى سلم الوزارة في بلد أكثر من 90% من أهلها من المسلمين لهو أمر عظيم ولا يستغرب هذا العمل من الرجل فهو قد تعهد من قبل بأنه سيدعم الكنيسة ماديا ومعنويا ويدرب شبابها على الدعوة، وها هو الآن يفي بوعده ويؤكد على ذلك كما جاء في اللقاء الذي أجرته معه صحيفة صوت الأمة حيث جاء في صدر الصفحة وعلى لسان الوزير (أنا مهموم جدا بقضايا الأقباط والمسيحيين وأبحث عن عابدي الحجارة والأوثان لأنهم جزء من الوزارة)! إن هذا العمل ليس عملا فرديا وإنما هو برنامج القصد منه استهداف الإسلام. وحتى لا يقال كلام ألقي على عواهنه فسوف أستدل لكم ببعض المواقف والأقوال التي صدرت من مسؤولين في الدولة. عائشة موسى السعيد عضو مجلس السيادة في السودان صرحت في برنامج بلا قيود - البي بي سي (لا بد من وقف العمل بالشريعة الإسلامية في السودان لأنه بلد متعدد الأديان). ولقد سبقتها على ذلك بروفيسور فدوى عبد الرحمن مديرة جامعة الخرطوم في معرض حديثها عن حكومة الإنقاذ والتي وصفتها بأنها تلاعبت بالشريعة وخلصت إلى أنه لا بد من فصل الدين عن الدولة. أما وزير العدل فيعد بلا منازع أنه عراب فكر فصل الدين عن الدولة فلا يجد محفلا أو سوقا إلا بشر فيه عن فكره هذا.
أما وزيرة التعليم العالي فتقول إنها منزعجة من المذاهب الأربعة فلماذا لا تكون مذهبا واحداً؟ سبحان الله إنها تنادي بالديمقراطية والتي تعني عند معظم الناس حرية الرأي والاختلاف فيه فيتسع صدرها للاختلاف في الديمقراطية ويضيق صدرها أن يكون الأمر متعلقاً بالإسلام والذي من طبيعته أن يختلف الناس في فهمه، وقد حدث ذلك والرسول e حي فأجازه. وكذلك سار على الركب عمر القراي مدير المناهج في السودان في وزارة التربية والتعليم والمناط به أن يضع لنا المناهج التي يتربى عليها أبناؤنا ماذا يقول؟ (إن الشريعة التي طبقت في القرن السابع الميلادي وقامت على هديها الدولة الإسلامية الأولى لا يمكن أن تطبق اليوم). ووزارة الثقافة والإعلام تريد أن تغير شعار التلفزيون لشعار يتوافق مع الحرية والتغيير، أتدرون لماذا؟ لأنه مكتوب عليه لا إله إلا الله،... وغير ذلك الكثير. وأظن أن هذه النماذج توضح بشكل جلي أن رسل العم سام ومن شايعهم من الداخل ظنوا أن الإسلام سقط بسقوط الإنقاذ ولكن الإنقاذ ليست هي الإسلام، حينما جاءت الإنقاذ رفعت شعارات الإسلام وطبقت القليل جدا من أحكامه، فهي جاءت بحكم جبري بينما الإسلام بيعة برضا واختيار، واعتمدت في اقتصادها على الضرائب والجمارك والقروض الربوية وكلها مخالفة للإسلام، بل تخلت حتى عن الشعارات الإسلامية وهذا ما أبعد عنها الكثيرين من المخلصين مما ساعد على سقوطها خاصة بعدما تفشى الفساد، إلا أن أناسا وبعد ظنهم أن الإسلام قد سقط أشهروا سيوفهم للإجهاز على ما بقي من بقية على حسب زعمهم فصاروا يهاجمون أحكام الإسلام تارة متدثرين خلف الهجوم على الإنقاذ وتارة سافرين متحدين مشاعر المسلمين.
إن هؤلاء الناس لم يقرأوا التاريخ وكيف أن الإسلام قد صمد أمام أعنف الهجمات من التتار وصد أكثر من ثماني حملات صليبية على مدى أكثر من عشرة قرون، وكيف أن الجزائريين وبعد استعمار دام 130 عاما وفي أول انتخابات نزيهة قد أعطوا أصواتهم لمن رفع شعار الإسلام، لقد عجزوا أن يأخذوا بوصية لويس التاسع ملك فرنسا بعد فكه من الأسر في المنصورة بأن الإسلام لا يغلب بالتحدي. وكيف أن نابليون استفاد من هذه الوصية لاحتلاله مصر، كما أورد المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي الذي رافق حملة نابليون على مصر، حيث ذكر أن نابليون وبعدما جمع مستشاريه أرسل هذه الرسالة لأهل مصر قبل الاحتلال (بسم الله الرحمن لا إله إلا الله ولا ولد له ولا شريك له في الملك، من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية إنني ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين وإنني أكثر من الممالك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم) وأضاف نابليون "أيها المشايخ والقضاة... قولوا لأمتكم إن فرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون..." وفي رواية "إن لم تقبلوا بنا مسلمين فاقبلونا خدما لرسول الله e". وفي التاريخ الحديث ألم يروا كيف أن الإعلام الأمريكي عتم على تصريح جورج الثاني حينما أعلن إنهاء الحرب الصليبية لأنه لم يعد هذا التصريح في الوسائل الإعلامية الأمريكية مع كثرتها وتباينها خوفا من استفزاز مشاعر المسلمين إذا لم يقرؤوا التاريخ ولم يأخذوا العظة والصبر من الآخرين؟ ألا يحسنون فهم السياسة الدولية؟ ألا يعلمون أن أمريكا تفضل الحكام العسكريين على المدنيين لأنهم الأقدر على تنفيذ مخططاتها وقد ظلوا يدعمون الحكومات الدكتاتورية كما صرح بذلك جورج بوش في تصريح له (لقد ظللنا ندعم الحكومات الدكتاتورية لمدة 60 عاما على حساب الديمقراطية)، وأكدت على ذلك وزيرة الخارجية السابقة كونداليزا رايس. والآن كيف أن ترامب يدعم الحكام المستبدين.
إن أمريكا حينما تدفعكم في هذا الاتجاه إنما تدفعكم لتحفروا قبوركم بأيديكم ولن تجود عليكم إلا بما يعجل بالقضاء عليكم، وها هي الآن تمدد حالة الطوارئ تجاه السودان وتضع العراقيل في سبيل عدم رفع اسم السودان من الدول الداعمة للإرهاب فتدفعكم نحو الهاوية والتعجيل بإعادة دورة العجلة الخبيثة التي ظلت تدور في السودان (حكم عسكري فثورة شعبية فحكم مدني فاشل فحكم عسكري وهكذا دواليك)... وها أنتم اليوم بعجزكم عن معالجة قضايا الناس الحياتية وهجومكم على الإسلام تزيدون سرعة دوران هذه العجلة، وها أنا أقف منكم موقف الناصح الأمين من قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه الندم، فبدلا من أن تكونوا رسلاً للنظام الغربي الرأسمالي المعادي للإسلام وأهله كونوا عباداً لربكم رسلاً لنبيكم تحملون للناس رسالة هدى وسلام فتنفعوا أنفسكم وأهليكم وإلا سترون ما لا يسركم فتمددوا حكم العسكر وتجهضوا ثورة الشباب وتحطموا آمالهم وطموحاتهم.
رأيك في الموضوع