أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، الخميس، تعيين 11 وزيرا، إثر موافقته على تعديل حكومة عمر الرزاز، التي جرى تشكيلها في حزيران/يونيو 2018.
وكانت الحكومة الأردنية قد قدمت استقالتها، الاثنين الماضي، تمهيدا لإجراء تعديل يعزز قدرة الرزاز على تسريع إصلاحات اقتصادية ضرورية لدعم النمو في الدولة المثقلة بالديون. (الجزيرة نت).
ربما يكون الأردن أكثر دول العالم تشكيلا للحكومات واستبدالا للوزراء، فقد تشكلت فيه منذ تأسيسه على يد بريطانيا كإمارة ثم لاحقا مملكة أكثر من مائة حكومة أي بمعدل حكومة كل عام، وفيه حوالي 700 وزير سابق متقاعد حتى الآن يتقاضون رواتب تقاعدية تزيد عن العشرين مليون دولار سنويا، مما يطرح تساؤلا مشروعا حول جدوى تشكيل الحكومات؟ وسرعة تغييرها؟ وعلى أي أساس تغير الحكومات ويغير الوزراء؟ وعلى أي أساس يؤتى بهم بالأصل؟
وحتى تتضح الصورة لا بد من العودة للتاريخ قليلا، فبعد نهاية الحرب العالمية الأولى لم يكن هناك أي وجود لما يسمى الأردن كما هو الآن، بل كان عبارة عن متصرفية تابعة لدمشق حسب تقسيمات الدولة العثمانية الإدارية، وبعد خيانة الهاشميين للدولة العثمانية وإعلان ما سمي لاحقا بالثورة العربية الكبرى وتآمرهم لإسقاط الخلافة العثمانية، قامت بريطانيا بالتنصل من اتفاقياتها أو تفاهماتها مع الهاشميين (مراسلات حسين - مكماهون) لتنفيذ اتفاقية (سايكس - بيكو) وتنفيذ وعد بلفور ليهود لاحقا، لكل ذلك التقى تشرشل وعبد الله بن الشريف حسين في القدس عام 1921م وأقنعه بتنصيبه أميرا على شرق الأردن وتنصيب شقيقه فيصل ملكا على العراق بعد خروجه من سوريا التي وقعت تحت الانتداب الفرنسي حسب اتفاقية سايكس بيكو. ثم أعلنت الإمارة باحتفال رسمي عام 1923م وكانت تدار مباشرة من بريطانيا، وفي عام 1928م وقعت معاهدة جديدة أبقت على النفوذ البريطاني، وفي عام 1946م حصلت الإمارة على استقلال وهمي وكوفئت بإعلانها مملكة بعد أن شارك فصيل جيشها في الحرب العالمية الثانية بجانب بريطانيا، وكانت ميزانية الإمارة ثم المملكة تقر في مجلس العموم البريطاني، وتدفع بريطانيا المخصصات مباشرة بما فيها مخصصات الأمير ثم الملك آنذاك.
أما لماذا أنشأت بريطانيا هذا الكيان فيجيب عليه المعتمد البريطاني في الأردن كيرك برايد حيث يقول ما معناه (..إن الهدف من إنشاء هذا الكيان هو استيعاب المهجرين الذين سيهجرون من فلسطين بعد تنفيذ وعد بلفور بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين...) وإن كان هناك أهداف أخرى وأهم لإنشائه وغيره من الكيانات بعد تمزيق دولة الخلافة وإنهائها رسميا على يد المجرم مصطفى كمال عام 1924م، فحتى لا تعود شعوب المنطقة وأهلها بشكل عام للمطالبة بإعادة الإسلام للحكم وحتى إن كان بشكل ملكية كما طمع الشريف حسين، كان لا بد من إيجاد أو صناعة دول ودويلات قائمة على أسس مختلفة وبعيدة عن الإسلام بعد أن أوجدوا وزرعوا أحزابا تدعو وتتبنى القومية العربية بديلا عن رابطة العقيدة الإسلامية، فهذه الكيانات وقيامها ورعايتها الرعاية المباشرة وتطبيق القوانين المنبثقة عن الدستور المبني على القوانين الغربية وأنظمة التشريع الرأسمالية هو الضامن للغرب لإبعاد العقيدة الإسلامية وأنظمتها عن الحياة وعن الناس أو كما يتوهمون.
والأردن الآن بوضعه الحالي هو امتداد طبيعي لأصل غير طبيعي نشأ بظروف غير طبيعية لأداء وظيفة مهمة ومطلوبة للغرب كله؛ فبعد أن كان دوره ووظيفته حماية كيان يهود والمحافظة عليه (تحت حجة أطول خط مواجهة!) حتى عام 1994م وتوقيع اتفاقية السلام المشؤومة بين كيان يهود والأردن وإظهار العلاقات الحميمة والتنسيق الأمني بين الكيانين للعلن بعد أن كان سرا لسنوات طويلة، إلا أن الدور الأهم في وجوده هو خدمة الغرب ومخططاته والحرص عليها وتنفيذها تحت مسميات خادعة ومضللة، فتراه دائما في الصفوف الأولى في محاربة ما سمي (بالإرهاب)، ويلاحق ويسجن ويحاكم كل من يدعو للتخلص من هيمنة الكفر ودوله تحت قانون مكافحة (الإرهاب)...الخ، وهو مطبخ متقدم للغرب للمؤامرات وخيانة الأمة وطعنها في ظهرها وغرف الموك تشهد على ذلك.
أما دور الحكومات وكيف تشكل؟ فتلك قصة أخرى...
لا توجد معايير واضحة ومعلنة في الأردن لاختيار رؤساء الحكومات وهو أمر مقرون ومحصور بالملك. وباختلاف بسيط قليلا فإن اختيار الفريق الوزاري يتشارك فيه رئيس الوزراء، ويلعب الديوان الملكي ودائرة المخابرات (الاستخبارات) دورا رئيسيا، وإن كان الأمر ليس معلنا رسميا، ولا توجد له محددات دستورية، وهما أي الديوان والاستخبارات يعدان في الأردن "حكومة الظل". وإن كان يمكن فهم كثير من المحددات التي يختار هؤلاء (رئيسا ووزراء) عليها وأهمها مدى التزام هذه الشخصيات وقبولها بالأسس التي قام عليها هذا النظام، بمعنى أن تكون خالصة ومخلصة لشخص الملك والدستور (كما ينص القسم الذي يؤدونه عند التعيين) والذي هو (الملك/ النظام) مخلص للغرب ونظامه الرأسمالي وأهدافه. فالمشكلة الحقيقية في الأردن ليست في شخوص الوزراء والرؤساء وإنما في النظام نفسه، ولذلك فلا يمكن إصلاح حال البلاد وإصلاح مشاكلها كلها الاقتصادية والسياسية وحتى أزمة السير فيها دون إصلاح النظام والأساس الذي تقوم عليه، فالنظام الرأسمالي ثبت فشله عالميا، فالانهيارات المالية وتفشي الفساد ونهب الثروات وغيرها الكثير ما هي إلا نتائج طبيعية لتطبيق نظام الغاب الرأسمالي، ولا يصلح حال الأردن وجميع بلاد المسلمين إلا أن يعود نظام الإسلام مطبقا في واقع الحياة، نظام من عند رب البشر يراعي كافة الاحتياجات البشرية وينظمها أيما تنظيم تعجز أمامه كافة الأنظمة البشرية مهما قيل عنها، فرب البشر خالق الكون والإنسان والحياة أعلم بما يصلحها ويصلح لها. وهذا لا يكون إلا بالتخلص من هذه الأنظمة العفنة التي حكمتنا وما زالت سياستها تدوير المشاكل والمصائب وتغيير الوجوه لتضليل الناس وإطالة عمر أنظمتهم التي بان عوارها وتآمرها لكل الناس، وإعادة حكم الله سبحانه وتعالى باستئناف الحياة الإسلامية من خلال دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة التي وعدنا الله بها وبشرنا بها رسوله عليه الصلاة والسلام.
بقلم: الأستاذ عبد الله الطيب – ولاية الأردن
رأيك في الموضوع