خرج المئات من أهل الأردن الخميس والجمعة الماضيين في مظاهرات أمام مبنى رئاسة الوزراء والبرلمان في عمان وفي مدن أخرى كالسلط (شمال غرب العاصمة) والزرقاء والكرك ومعان والطفيلة وغيرها من المدن، منددين بارتفاع الأسعار وداعين لإسقاط الحكومة ومجلس النواب، وكانت الحكومة قد رفعت أسعار الخبز يوم السبت 27 من شهر كانون الثاني/يناير الماضي بزيادات متفاوتة وصلت إلى 100%، وزيادات طالت العديد من مواد أساسية أخرى بهدف خفض الدين العام - كما تدعي الحكومة - الذي تجاوز 35 مليار دولار. وتقول الحكومة إنها تسعى من هذه القرارات إلى زيادة إيراداتها الضريبية بمقدار 540 مليون دينار، أي ما يعادل 761 مليون دولار.
ويحاول الأردن الذي يعاني من أزمة اقتصاديّة خانقة، أن يلبّي شروط بعثة صندوق النقد الدوليّ كافّة ضمن اتّفاق وقّع في آب/أغسطس 2016، يسمح بتزويد الأردن بمبلغ 723 مليون دولار كقروض على مدى ثلاث سنوات لدعم برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي في البلاد. ومن بين هذه الشروط إزالة التشوّهات في الميزانيّة ووقف دعم السلع، تحت اسم "برامج التصحيح الاقتصاديّ" التي وضعها الصندوق منذ عام 1989، والتي شكّلت حسب خبراء اقتصاديّين ومعارضين أردنيّين "جوهر السياسات الاقتصاديّة للحكومات الأردنيّة المتعاقبة".
وأصبحت الحال في البلاد أن الأساس في كل السلع والخدمات أنها خاضعة للضريبة ولكن الحكومة كانت تعفيها فأصبح الآن خطاب الحكومة الرسمي يتحدث عن إلغاء الإعفاءات الضريبية على العديد من السلع الأساسية والخدمات، أي أن العديد من السلع الأساسية التي كانت تخضع للإعفاءات الضريبية، أو نسبة أقل من الضرائب على المبيعات، ستصبح خاضعة للضريبة العامة على المبيعات وقيمتها 16%، وهو ما سيقلب حياة الناس وسيشعرون به بشكل أساسي وليس ارتفاع أسعار الخبز فقط.
هذه الإجراءات التي تقوم بها حكومة النظام في الأردن استجابة لضغوط القوى الدولية وذراعها صندوق النقد الدولي ستودي بالبلاد والعباد لعواقب لن تحمد عقباها بدأنا نسمع بها ونراها؛ فقد ازدادت حالات السطو المسلح والسلب والتهديد بالانتحار بل وصلت الحال بالبعض إلى أن يعرض أطفاله للبيع أو يهدد بقتلهم، وسوف تزداد جرائم بيع الأعضاء وبيع الأعراض وانتشار الرذيلة والفساد وتفسخ المجتمع وانهياره، فالفقر والجوع أشد وطأة وتأثيرا على سلوك المجتمعات والبشر والعامل الأساس في انحراف السلوك البشري عن مبادئ الدين والعرف والتقاليد.
أما موضوع أن الأردن يتعرض لضغط اقتصادي للسير في سياسات معينة فهذه بحاجة لتدقيق وتمحيص، فهذا الكيان ومنذ إنشائه على يد بريطانيا ما فتئ يسير في سياسات الغرب، منفذا لها حتى لو كانت على حساب مصالحه العليا كما يسميها "المسحّجون" ولم يتغير حتى الآن، ولم يكن يوما ما يعتمد على اقتصاد ذاتي، فمنع من استغلالموارده أو ثرواته الطبيعية، وربط بالمساعدات والقروض التي تتحكم بها الآن أمريكا، فالضغط الحاصل حقيقة هو على الناس ليقبلوا بحلول قادمة لقضايا مصيرية مثل صفقة القرن التي يتحدث عنها ترامب الذي اعترف بالقدس عاصمة لكيان يهود وأوفد نائبه بنس مهنئا ومباركا لهذا القرار قبل أيام. فالضغط ليقبل المسلمون في الأردن بالحل القادم حسب الرؤية الأمريكية وكما صرح رأس النظام أنه لا بديل عن أمريكا كشريك في الحل، وبدأت بعض التسريبات تتحدث عن تصور ما حول القدس وحدودها أو توسيعها لتشمل قرى مجاورة، والحرم القدسي ومساحته، والتنافس بين هذا وذاك على إدارته... فالنظام استشعر الخطر الوجودي عليه في موضوع القدس ابتداءً، فسمح للناس بالتعبير عن غضبهم ضمن شروطه ومنع وقيد لاحقا المخالفين له ولشروطه.
المشكلة في الأردن ليست مشكلة اقتصاد وأسعار وضرائب، المشكلة سياسية حتى النخاع، بل وحتى في وجود هذا الكيان من الأصل، فهو كما قلنا لم ينشأ طبيعيا وإنما بقرار من الدول الاستعمارية في القرن الماضي وبعد اتفاق بريطانيا وفرنسا على تقاسم تركة "الرجل المريض" كما كانوا يسمون الخلافة العثمانية آنذاك، فوجد هذا الكيان ليقوم بوظيفة حددتها تلك القوى منذ زمن، فإذا انتهت تلك الوظيفة وتلك الحاجة لوجوده فلا مانع من إعادة النظر في وجود هذا الكيان أو تغيير شكل النظام فيه.
ارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب نتائج طبيعية لتغول النظام الرأسمالي المطبق علينا وعلى باقي بلاد المسلمين ولكنه علينا في الأردن أشد؛ فزيادة الأسعار والضرائب لا يقابلها زيادة في المداخيل والرواتب مما يجعل حوالي 70% من الناس تحت خط الفقر كما نشر مؤخراً، فهذا النظام وحكوماته المتعاقبة هي التي أوصلت البلاد لهذا المستوى من الفقر والعوز والذل نستجدي المعونات والقروض، فإذا منعنا منها اتجهت حكومات النظام لجيوب الناس، فالإنسان أغلى ما يملكون! والاعتماد على الذات لا يعني إلا عصر وسحق ونهب جيوب الناس، مع بقاء الفساد واستشرائه وازدياد أعداد الفاسدين وارتفاع الدين والمديونية التي لم نشهد حتى الآن انخفاضا لها بل على العكس تزداد سنة بعد سنة حتى جاوزت 35 مليار دولار.
مشكلة الأردن الاقتصادية لن تحل بقروض ومساعدات ولا بإصدار صكوك وسندات تضمنها أمريكا، المشكلة هي في بقاء هذا النظام السياسي المرتبط عضويا بالغرب الكافر ودوله ومنظماته، فهو جزء من منظومة أنشأها وتبناها الغرب للحيلولة دون عودة شرع الله سبحانه وتعالى مطبقا في الحياة كنظام حياة في دولة تحكم بالإسلام كاملا في كافّة مناحي الحياة كلها، وليس فقط عبادات وشعائر تسمح بها هذه الأنظمة.
بقلم: الأستاذ عبد الله الطيب – الأردن
رأيك في الموضوع