بعد أن أقرت حكومة هاني الملقي المستقيلة مشروع قانون دخل جديد ورفعته لمجلس الأمة لإقراره اندلعت سلسلة احتجاجات في الأردن ولكن بنكهة جديدة هذه المرة، فلأول مرة تدخل النقابات على الخط وخاصة نقابات المهندسين والأطباء والصيادلة والمحامين وباقي النقابات وقطاع رجال الأعمال من تجار وصناعيين ومهنيين، وتمت الدعوة لإضراب شامل يوم الأربعاء في الثلاثين من شهر أيار وكانت الاستجابة شاملة قاربت 90% من القطاعات المختلفة حتى في أجهزة الحكومة، فأضرب الأطباء والممرضون والصيادلة والمهندسون والمحامون وغيرهم في بادرة تحدث لأول مرة في البلد.
ولعله من سوء حظ حكومة الملقي أو من شدة دهاء الدولة العميقة، أن قامت حكومة الملقي في ثاني يوم للإضراب برفع أسعار المحروقات والكهرباء بنسبة عالية وصلت 5.5% للمحروقات وبزيادة 19% في أسعار الكهرباء مما دفع باقي الناس والقطاعات للتوجه نحو مقر الحكومة في الدوار الرابع وإغلاقه والتظاهر عنده، ومما يلاحظ هنا أن الملك في بداية الاحتجاجات لم يكن في البلد كعادته لكنه عاد مسرعا بعد خروج الناس احتجاجا على رفع الأسعار، وهنا يجب الانتباه إلى أن الحدثين منفصلان، ونقصد مشروع الضريبة والإضراب المتعلق به والذي دعت له النقابات وخروج الناس بأعداد كبيرة احتجاجا على رفع أسعار المحروقات مما حدا بالملك للعودة فورا للبلد وأمر حكومة الملقي بإلغاء رفع أسعار المحروقات والكهرباء لهذا الشهر مما ساهم في امتصاص ردة الفعل الغاضبة والصادقة من مجموع الناس وسمح لاحقا بتوجيهها من قبل الملك مباشرة وأركان نظامه، وأن المشكلة في الأوضاع العامة في الجوار وموقف الأردن الثابت والضغط الذي يمارس عليه... إلى آخر هذه الأسطوانة المشروخة والمسرحية التي اعتاد على أدائها هذا النظام ورأسه لدغدغة عواطف الناس والمساكين وأنه معهم ويشعر بهمومهم وأن ابن البلد العادي لا يجب أن يتحمل لوحده تبعات المديونية ويجب أن تقدم له كل الخدمات مقابل الضرائب التي يدفعها...الخ.
ولذلك رأينا نوعين من الحراك في البلد؛ أحدهما مدني وناعم يطالب بسحب قانون الضريبة وإقالة الحكومة ومدعوم من جهات عليا وأشاد به الملك مباشرة ورئيسا مجلسي النواب والأعيان، وشاركهم في إحدى الليالي الأمير حسين ولي العهد وكانت أجهزة الأمن ومرتباتها تحيط بهم ولا تشتبك معهم بل بالعكس يتبادلون قوارير الماء والعصير معهم، واستمر هذا حتى دخل على هذا الحراك مَن رفع السقف فمُنعوا وضربوا وأجهض حراك الرابع. وحراك آخر في الأطراف في القرى والمدن البعيدة يقترب حينا من النظام وبعضه ينسلخ من عباءة النظام فترفع فيه شعارات تهاجم الملك وأسرته وأعوانه مباشرة، وعلمنا أن هؤلاء تعقبتهم الأجهزة الأمنية وقامت باعتقال بعضهم.
العجيب أن الملك في خطاباته وحديثه يبرئ نفسه من كل مصائب هذا البلد ويحملها للحكومات والوزراء ويظهر نفسه أنه الحريص على أن يعيش أهل البلد بكرامة، مع أن الحقيقة والواقع غير ذلك بتاتا، فلا الناس يعيشون بكرامة ولا تخفف عنهم وطأة الضغوط المالية لهذا النظام، فأينما ذهبت أو اتجهت لا تجد إلا طلبا واحدا من النظام وهو (ادفع) لدرجة أن الضرائب التي يدفعها أهل الأردن تتجاوز مائة نوع وتشكل أكثر من ثلثي واردات الخزينة!
يقول ديفيد هيرست في مقال نشره موقع عربي 21 يوم الخميس 7 حزيران 2018 ما نصه: "بالنسبة للملك، لا يعدو رؤساء الوزراء كونهم محارم ورقية، كما عبر عن ذلك أحدهم ذات مرة. وكلما احتاج إلى محرمة جديدة تخلص من القديمة". وهذا واقع الحكومات ورؤسائها عندنا فهم فقط للتغطية على عورات وفساد وسرقات رأس النظام، فهو الذي يأتي بهم وهو الذي يصرفهم، ومنذ أن استلم الحكم والحكومات تجيء وتذهب ولا ثابت في هذه المعادلة إلا اثنان؛ الملك وزيادة المديونية باضطراد رغم كل الضرائب وكل الرفع وتنفيذ توصيات صندوق النقد بحذافيرها، وكل الخطط ووعود الإصلاح والخروج من عنق الزجاجة كذب وتضليل...
ويقول هيرست في المقال نفسه: "فكما يعرف كل مواطن، هناك ثلاثة مراكز قوة تحكم البلد، أو تسيء حكمه، ألا وهي: الديوان الملكي، والمخابرات، والحكومة. إلا أن أكثر هذه المراكز وضوحا وظهورا وعرضة للمساءلة، هو أقلها سلطة، وأدناها صلاحية، وأبعدها عن صناعة القرار. فكل وزير له ظلٌّ أو قرين يتخذ القرارات له أو باسمه. ولا تتمتع هذه السلطات الثلاث دوماً بنفس القوة، بل لقد تعاظمت مع مرور الزمن سلطات المخابرات والديوان الملكي على حساب الحكومة". ولذلك لا يمكن أن تمنح أي حكومة أو رئيس حكومة ما يسمى بالولاية العامة ما دام النفوذ والسلطة للأجهزة الأمنية (المخابرات) التي ترتبط مباشرة بالملك هي والجيش بعد التعديلات الدستورية الأخيرة.
المشكلة في الأردن سياسية بامتياز وليست اقتصادية، وهي في أصل النظام ونشأته وارتباطه بالغرب الكافر ومشاريعه ومؤامراته على الأمة، فهذا النظام هو الذي تآمر على الخلافة العثمانية بما سمي زورا وبهتانا بالثورة العربية الكبرى، وهو الذي تآمر على الأرض المباركة فلسطين والأقصى وسلمها ليهود، وهو الذي ما زال حتى اللحظة يتآمر على المسلمين في الشام وفلسطين وفي بقاع عديدة من العالم، وهو سبب معاناة أهل الأردن عندما باع ثرواتهم ومؤسساتهم ليهود وللغرب وربط مصيره بخدمة يهود والغرب...
فالأصل أن يوجه كل حراككم وكل جهودكم للتخلص من نفوذ الغرب ويهود بقلع هذا النظام من جذوره وإعادة هذا البلد لأصله مع باقي بلاد المسلمين لتحكم بحكم الله وتحت رايته في ظل خلافة على منهاج النبوة يعز بها الله المسلمين أجمعين.
بقلم: الأستاذ عبد الله الطيب – الأردن
رأيك في الموضوع