في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع نظيره السعودي عادل الجبير في باريس، تم الإعلان عن هدنة إنسانية لوقف القتال في اليمن لمدة خمسة أيام تبدأ يوم الثلاثاء 12 آيار/مايو الجاري، قال كيري عن هذه الهدنة أنها من الممكن أن تكون خطوة باتجاه الحل السياسي إذا التزم الحوثيون بها. وقال وزير الدبلوماسية الأمريكية أن حكومته تعمل مع طهران وموسكو للضغط على الحوثي لقبول الهدنة. وطالب كيري الحوثيين بالاستجابة للجهود المبذولة للحل السياسي في اليمن.
ويتضح من هذا التصريح أن أمريكا جعلت من الحوثيين ندّاً سياسياً (تطالبهم) الدبلوماسية الأمريكية بالتعاون لقبول الحل السياسي والعودة للمفاوضات، وهذا يصب في مصلحة الحوثيين بأن يجعلهم طرفا أساسيا في الحل القادم في اليمن.
وهذا ما أكده الجبير في المؤتمر الصحفي ذاته أن الرياض تدعو كافة الأطراف اليمنية لطاولة الحوار بمن فيهم الحوثيين.
وبهذا تكون أمريكا حافظت على الحوثي حياً وهو ذاهب إلى مفاوضات الحل السياسي في اليمن رغم فقدانه الكثير من رصيده الجماهيري والسياسي داخل اليمن.
ولكن هذا المكسب السياسي ليس هو المكسب الوحيد الذي خرجت به أمريكا من حرب اليمن، بل استطاعت أن تجبر دول الخليج على حضور مؤتمر كامب ديفيد للتوقيع على اتفاق أمني لبناء منظومة دفاعية لدول الخليج تحميها من أي عدوان صاروخي.
فقد جاء في المؤتمر الصحفي نفسه في باريس على لسان كيري أنه سيتم الاتفاق في مؤتمر كامب ديفيد على منظومة أمنية جديدة وفق المصالح المشتركة بين البلدان الموقعة (أمريكا من جهة، ودول الخليج من جهة أخرى) وقال إن الاتفاق النووي مع طهران لا ينفي وجود التهديدات الأمنية في المنطقة، مستفيدا بذلك من تهديدات الحوثي المدعومة من إيران على السعودية.
ورغم أن الجبير قد أشار إلى أن مباحثات المنظومة الدفاعية ضد الصواريخ البالستية قد بدأت منذ شهور، إلا أنه لم يتم الاتفاق عليها إلا بعد التهديدات الحوثية الإيرانية لأمن الخليج.
وبهذا تكون أمريكا قد نجحت في الحصول على أموال خليجية ضخمة لإنتاج مزيد من الأسلحة، التي لا تفتأ تخلق حروبا لتسويقها في المنطقة.
فمن خلال مخلب إيران في اليمن (الحوثي) استطاعت أمريكا أن تحصل على صفقة مهمة ستساعد في حل أزماتها الاقتصادية، بالإضافة إلى إيصال ورقتها الحوثية إلى موقع الشراكة السياسية في أعلى هرم السلطة في اليمن.
ورغم أن بريطانيا تحاول أن تطبخ حلاً سياسيا لليمن لا تستفرد به أمريكا، إلا أنها في المحصلة قد ارتضت على ما يبدو بالشراكة مع أمريكا في اقتسام النفوذ السياسي في اليمن وذلك من خلال إعادة الوسط السياسي العريق التابع لحزب المؤتمر الشعبي العام للمشاركة في مؤتمر الرياض المزمع عقده في 17 آيار/مايو الجاري، فقد هرول سياسيو الأحزاب التابعة للوسط السياسي الإنجليزي إلى الرياض في محاولة من الإنجليز بأن لا تستفرد أمريكا بالحل السياسي، ولهذا من المتوقع أن تشارك كافة الأحزاب اليمنية مع ممثلي الحراك الجنوبي في مؤتمر الرياض بمن فيهم حزب المخلوع صالح (المؤتمر الشعبي العام) رغم تراجعه جماهيريا بسبب تحالفه مع الحوثي.
ولم تكتف بريطانيا بذلك بل قدمت تزامنا مع كتابة هذه السطور مسودة قرار إلى مجلس الأمن تدعو فيه الأطراف اليمنية إلى العودة للمفاوضات وتنفيذ القرار الأممي 2216 الملزم للحوثيين بالانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة، كي تبقى بريطانيا موجودة ضمن الحل القادم في اليمن.
وبهذا يتضح السيناريو المتفق عليه من قبل الأطراف الدولية والإقليمية والمحلية وهو أن تشرع الأطراف المتصارعة في اليمن في التفاوض للخروج بحل سياسي يكون فيه الحوثي طرفا في السلطة السياسية في اليمن، وذلك بفضل الإسناد الأمريكي له في المحافل الدولية، بعد أن فقد كثيرا من مكاسبه السياسية السابقة وبعد تراجع رصيده الجماهيري بسبب تورطه في الحرب العبثية في البلاد.
أما التصعيد السعودي في ضرب المناطق الحدودية معها وخصوصا صعدة معقل الحوثيين فيأتي للرد على قذائف الهاون التي قام الحوثي بتوجيهها إلى المدن السعودية الجنوبية، وذلك للحفاظ على الهيبة السعودية وحماية للنظام السعودي من أن يفقد هيبته داخليا، ومحاولة من أمريكا أن تحفظ للسعودية دورا ما في المنطقة مثل الدور المرتقب للسعودية لما بعد بشار في سوريا وذلك بدعم المعارضة السورية (المعتدلة) لتفويت الفرصة على دعاة الخلافة من الوصول لسدة الحكم في سوريا، لما ظهر مؤخراً من اشتداد الخناق على بشار وزبانيته هناك.
وفي الخلاصة فإن أمريكا قد حققت بحرب اليمن، أمورا ثلاثة:
- الحفاظ على الحوثي حيا للتفاوض السياسي للحل القادم في اليمن.
- استنزاف مزيد من الأموال الخليجية بدعوى حماية أنظمتها من الخطر الإيراني.
- إيجاد دور سعودي يقوم بتنفيذ أجندات أمريكية في المنطقة مثل الملف السوري، وذلك بإحياء النظام الملكي السعودي عن طريق ما أسموه عاصفة الحزم.
هذا هو حال المسلمين في ظل الحكام العملاء وغياب دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة... حكام يسخّرون إمكانات المسلمين من قوى مادية وبشرية لتنفيذ مخططات أعداء المسلمين من الدول الغربية الكافرة في بلاد المسلمين.
رأيك في الموضوع