أعلن الرئيس التركي أردوغان مطلع شهر أيار أن بلاده تستعد لعودة أكثر من مليون لاجئ سوري بصورة "طوعية" إلى "المناطق الآمنة" في الشمال السوري، وكشف أردوغان عن تحضير أنقرة لمشروع "العودة الطوعية" للاجئين السوريين بدعم من منظمات تركية ودولية، وترافق هذا الإعلان مع حديثٍ عن عملية عسكرية تركية في الشمال السوري، لإيجاد المنطقة الآمنة التي ترغب تركيا بإقامتها هناك بعمق يترواح بين 30 و35 كيلومترا، وتعالت أصوات المطبلين لتتحدث عن عملية عسكرية بريف إدلب وعاد الحديث عن العودة إلى بلدة مورك وما بعدها. وقال أردوغان إنهم سيبدأون قريبا باتخاذ خطوات تتعلق بالجزء المتبقي من الأعمال التي تم البدء بها لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومترا، على طول الحدود الجنوبية، وخصوصاً المناطق التي تعد مركز انطلاق للهجمات على تركيا والمناطق الآمنة المزمع إنشاؤها.
وبخصوص إعلان تركيا عن العودة الطوعية للاجئين السوريين، يأتي الحديث القديم الجديد عن عزمها إقامة منطقة آمنة في شمال سوريا في وقت ظنت فيه أن الظروف مناسبة لتحقيق هذه الرغبة التي يعتبرونها تتعلق بالأمن القومي التركي مقابل الخدمات الجليلة التي قدمتها الحكومة التركية لأمريكا في سوريا، وخاصة في ظل الظروف الدولية التي تتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية، وطلب السويد وفنلندا الانضمام لحلف الناتو والحاجة لتليين الموقف التركي المتحفظ على ذلك بسبب دعم الدولتين لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا حزباً إرهابياً.
ولكن الرد الأمريكي جاء بعدم السماح بقيام عملية عسكرية وتغيير الوضع القائم لتؤكد المؤكد من جديد بأن العبيد لا يخرجون عن طوع سيدهم.
صحيح أن أمريكا يهمها نجاح أردوغان في الانتخابات، وهي قد تسمح له بعمل يجمل فيه صورته أمام شعبه، ولكنها على الأرجح ترى أن وقت ذلك لم يحن بعد، لذلك لاحظنا تراجعاً في تصريحات وزير الخارجية التركي حيث قال: "إننا سنضطر إلى البدء بالأعمال العسكرية إذا زاد الخطر"، فقوله إذا زاد الخطر هو تأجيل أو تراجع عن العملية العسكرية كما تم التراجع عن كل الخطوط الحمراء التي خطها أردوغان.
وقبل تنامي الحديث عن العملية العسكرية أقدمت هيئة تحرير الشام، الفصيل المسيطر على منطقة إدلب، على ارتكاب جريمة سياسية جديدة بحق ثورة الشام المباركة بإدخال مساعدات أممية عبر خطوط الجبهات مع النظام المجرم، من معبر ترنبة في تحدٍّ كبير لأبناء الثورة وحاضنتها، وفي خطوة اعتبرها أهل الثورة الصادقون محاولة تطبيع مع نظام الإجرام، لترويض الناس للقبول بالحل السياسي الأمريكي الذي تريد أمريكا.
أما الأموال الكبيرة التي تم جمعها في مؤتمر بروكسل للدول المانحة والذي عقد تحت شعار "دعم مستقبل سوريا والمنطقة" بهدف معلن هو دعم برنامج المساعدات الأممية للاجئين السوريين في دول الجوار والنازحين في شمال سوريا، فإن جمع هذه الأموال جاء ليؤكد أن أمريكا تريد أن تعلن انتهاء ثورة الشام وذلك بتقديمها للعالم أنها أزمة إنسانية تحتاج إلى دعم من الدول لمعالجتها وليست ثورة شعب قام على نظام مجرم ارتكب كل أنواع الإجرام بحق أهل الشام.
وإن داء العمالة والارتباط والارتهان للدول الداعمة المتآمرة يجعل الدول التي تمتلك أقوى الجيوش تقف مكبلة عن القيام بأي عمل خارج إرادة أسيادها، وها هو النظام التركي يقف مكبلاً منذ فترات طويلة عن تحقيق رغبته في إقامة منطقة آمنة تحقق له شيئا من أمنه القومي رغم خدماته الجليلة التي قدمها لأمريكا في ملفات كثيرة من العالم!
فهل سنتوقع من هذه المنظومة الفصائلية التي تفتقر إلى الوعي والتي سلمت قرارها طائعةً لداعميها أن تحقق شيئا لثورتها وأمتها إذا بقيت على هذه العقلية وبقي من يتوسد أمرها من سماسرة التضحيات والمتاجرين بقوت الناس يتحكمون بمصير الثورة؟!
إن القيادات المرتبطة التي تفتقر إلى الوعي والإرادة والتي لا ترى أنها يمكن أن تقوم بأي عمل أو تحقق أي إنجاز إلا بالاعتماد على الدول الداعمة والمتآمرة وإلا بموافقة المجتمع الدولي، لن تحقق أي نصر لثورة الشام، بل ستجر عليها الويلات الجسام. لذلك نراها حريصة على كسب رضا الدول المتآمرة وخطب ود المجتمع الدولي وتنفيذ مخططاتهم ومخرجات مؤامراتهم بذريعة ما يسمونه المصلحة الشرعية التي هي في حقيقتها مصالحهم الخاصة ومصالح أسيادهم وداعميهم.
إن افتقار قيادة المنظومة الفصائلية إلى الوعي السياسي، وانعدام الإرادة عندها، وتسليمها لقرارها، جعلها تتخبط في مكائد المتآمرين فتقع فريسة سهلة في فخ الاقتتال والوعود الكاذبة، وجعلها تضيع كل الفرص والظروف التي تمكنها من تصحيح مسارها والعمل الجاد من أجل استعادة قرار الثورة والعمل الصادق لتحقيق أهداف الثورة وعلى رأسها إسقاط نظام الإجرام وإقامة حكم الإسلام.
فها هي روسيا تغرق في مستنقع حربها في أوكرانيا وتفقد فاعليتها إلى حد كبير في سوريا وهناك حديث عن انسحابات جزئية لقواتها، ونظام بشار في أضعف حالاته، ولكن المنظومة الفصائلية لا تحرك ساكناً، بل هي منصرفة للتسلط على الناس ورعاية حكومات صورية مهمتها شرعنة الظلم والتسلط وتقديم صورة ما يسمى الإدارة المدنية كواجهة للمجتمع الدولي!
إن أمريكا التي تدير ملف مواجهة الثورة عبر الأدوات من دول ومنظمات وفصائل تدرك خطورة ترك فراغ سياسي أو عسكري في سوريا لأنه يمكن أن تملأه قوى الثورة المخلصة غير المرتبطة، وقد قالت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة: "لن نسمح بوجود فراغ سياسي في سوريا"، لذلك عملت أمريكا حينها على إنشاء المجلس الوطني وبعد فشله أنشأت الائتلاف الوطني، وهي تستعد لما هو آتٍ في هذه المرحلة الحساسة مع توقع ضعف فاعلية الدور الروسي وإمكانية ترك فراغ كبير لن تستطيع إيران ملأه.
وفي ظل فشلها الذريع حتى الآن في القضاء على النفس الثوري لأهل الشام رغم التضييق الممنهج من الأدوات عبر سياسة التجويع والحصار والبطش والإرهاب والسجون، وقد رأينا مؤشرات ذلك في أعمال عدة رافضة لجريمة إدخال المساعدات الدولية عبر نقاط الرباط مع نظام الإجرام، كما شهدنا تحرك أهل مدينة الباب شرق حلب رداً على إطلاق الشرطة العسكرية سراح عنصر كان من عناصر النظام متهم بعمليات قتل واغتصاب، وقد امتد الحراك إلى إعزاز وعفرين بعد تصريح وزير الدفاع فيما يسمى الحكومة المؤقتة ورفضه إقالة الضابط المسؤول عن إطلاق سراح العنصر. وقد تفاعل أهل الثورة بشدة رفضاً لما سموه حماية الفاسدين، ما يدلل على عمق الثورة في وجدان أهل الشام رغم كل ما يلاقونه من خذلان وتآمر القريب قبل البعيد.
إن التآمر الدولي على ثورة الشام أصبح واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة، وإن الدور التركي هو رأس الحربة الذي يجب التخلص منه والانعتاق من هيمنته.
وإن إدراك الواقع الذي تعيشه ثورة الشام وقراءة نتائج ثورات الربيع العربي الأخرى والتبصر فيما آلت إليه يحمّل أهل الشام المسؤولية العظيمة كي يتداركوا سفينة ثورتهم وهي تعيش في خضم هذه التآمرات الكبيرة والصعوبات العظيمة. وكل ذلك يؤكد حاجة الثورة إلى القيادة السياسية الواعية صاحبة المشروع الإسلامي الواضح والمبلور الذي يوحد الجميع تحت لوائه فيوحد جهودهم ويجمع كلمتهم وينير طريقهم ليسيروا على هدى وبصيرة لتحقيق وعد ربهم سبحانه وبشرى رسولهم ﷺ في نهاية الحكم الجبري وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاضه.
وهذا المشروع هو الذي يقدمه لهم حزب التحرير، بشكل مبلور ودستورٍ مفصل، وسيكون تبنّي هذا المشروع هو المنطلق الأساس للتصدي للمؤامرات التي تستهدف إجهاض ثورة الشام وبيع تضحياتها، ومن ثم تحصينها وإبعادها عن الالتزام بدستور كفر تعدّه أمريكا في كواليس جنيف عبر إشراك المعارضة الخارجية المتواطئة، ممثلة باللجنة الدستورية مع عصابات النظام.
وإننا على يقين بوعد ربنا سبحانه وعلى ثقة بأن إرادة التغيير كامنة في نفوس الصادقين من أبناء الأمة وأبناء ثورة الشام، وأن نصر الله قريب، فالشام لا يطول فيها عمر الشر لأنها لم تذكر في الكتاب والسنة إلا بالبركة وقوة الإيمان الذي يضعف أهل النفاق ويؤذن بهلاك المنافقين، فالشام تعيش مخاضاً لإزالة الفساد من جسدها وهو مقدمة لتعافيها، وصلاحها والذي به تصلح حال الأمة الإسلامية بإذن الله.
رأيك في الموضوع