خلال استقباله وفد الكلية الملكية لدراسات الدفاع البريطاني، برئاسة اللواء ستيفين ديكين، ملحق وزارة الدفاع البريطانية، وممثلين لإحدى عشْرة دولة، لتبادل الرؤى والخبرات في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف صرح شيخ الأزهر "أنا ممن يعتقدون بأن الإرهاب ظاهرة سياسية وليست دينية، فالإرهاب صنعته بعض الأنظمة السياسية الغربية وصدرته للعالم، وألصقته باليهودية والمسيحية والإسلام لتحقيق مكاسب وأجندات بالغة التعقيد"، مؤكداً أنَّ الأزهر استجاب للواقع المعاصر بأفكار رائدة بدءاً من تضمين مناهجه لموضوعات تكافح التطرف والتكفير، وتوضيح مفهوم دار الإسلام ودار الحرب، وعلاقة المسلمين مع غيرهم والتعصب والكراهية، وغيرها من الموضوعات والقضايا التي تقوم الجماعات المتطرفة باستغلالها وإساءة تفسيرها، وتحصين طلابه في سن مبكرة بمنهج علمي يسهل من خلاله تحصينهم فكريّاً وتمكينهم من تفنيد أفكار هذه الجماعات.
كما أشار إلى أن الأزهر أيقن ضرورة تلاحم القيادات الدينية لمكافحة الفكر المتطرف؛ خاصة بعد الاعتداء على كنيسة القديسين، فأنشأ بيت العائلة المصرية، ووضع منهجية فكرية للتعامل مع المشكلات المجتمعية التي تمس علاقة المسلمين والمسيحيين، وتبع هذا المشروع خطوات عالمية ممثلة في الانفتاح على المؤسسات الدينية في الشرق والغرب كمجلس كنائس الشرق الأوسط، وكنيسة كانتربري في إنجلترا، ومجلس الكنائس العالمي في سويسرا، وتوجت هذه الجهود بتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية العالمية مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بهدف نشر ثقافة السلام والأخوة، والتصدي لكل أشكال التعصب والكراهية بين أتباع العقائد المختلفة، وأعرب أعضاء الوفد عن سعادتهم بلقاء شيخ الأزهر، ومتابعتهم لما يقوم به فضيلته من جهود لنشر ثقافة السلام والأخوة والتعايش على الصعيد العالمي. (اليوم السابع 25/5/2022)
تصريحات شيخ الأزهر هذه ليست هي الأولى ولا الوحيدة في هذا المضمار، وتحمل في طياتها مزيجاً من الصدق والتدليس، صدق في واقع الإرهاب الذي صنعه الغرب ورعاه ووجهه لخدمة مصالحه في بلادنا، وهو مجبر على الصدق في هذا، فقد أصبح أمرا معلوما لعوام الناس أن الإرهاب صناعة الغرب وأنه أكثر المستفيدين منه وأنه من دعائم تثبيت أنظمة حكمه العميلة التي وضعها فوق رؤوسنا. أما التدليس ففي القول بأنه ظاهرة سياسية وليست دينية في انسجام كامل مع العقيدة الرأسمالية التي تفصل الدين عن الدولة وعن السياسة، بينما واقع الإرهاب نفسه ينسجم مع عقيدة الرأسماليين النفعية التي لا تعبأ بدماء تراق ولا أرواح تزهق ولا أعراض وحرمات تنتهك أمام المصالح، فحيثما تكون المصلحة فثم شرعهم وعقيدتهم وأحكامهم، والغرب نفسه يكفر بكل شيء إذا تعارض مع مصالحه ويؤمن ويؤيد أي شيء يجلب له المصالح والمنافع ويمكّنه من نهب ثروات الناس، فكيف تتوافق رؤيتنا مع رؤيته حول قضية هو صانعها ومغذيها؟!
توافق شيخ الأزهر هنا جاء مغلفا عندما أشار إلى ضرورة تلاحم القيادات الدينية دون تحديدها والإشارة إلى كونها دينية، في فصل واضح للدين عن السياسة، وكأن الرسول ﷺ لم يكن حاكما، وكأن الإسلام لم يضع لنا أحكاما وقوانين، أسماها لنا الشريعة الإسلامية يدرسها الأزهر وبشكل مخصص! مشيرا إلى الاعتداء على كنيسة القديسين التي يعرف الناس في مصر أن فاعلها والمحرض عليها هو نظام مبارك ووزير داخليته، ومعلوم أنهم وكلاء الغرب في حكم بلادنا وأن مصر على مدار قرون طويلة لم تشهد مثل تلك الأحداث إلا بعد غياب حكم الإسلام، وحكم الرأسمالية لمصر، فأصل المشكلة هو غياب الإسلام عن الحكم، وتحكم الرأسمالية في بلادنا، والصراع هنا هو صراع على الثروة والهيمنة على بلاد الإسلام، والإرهاب أداة فيه، وما يريده الغرب هو تطويع الإسلام وتدجينه وإفراغه من عقيدته السياسية التي ترفض هذه الهيمنة ولا تقبل بالتبعية وتحافظ على الثروات وتحميها من نهب الناهبين وعبث المخربين، ولهذا يستنفر أدواته من علماء السوء ليغيروا مفاهيم الإسلام لتتوافق مع مفاهيم الغرب وتكرس بقاءه في بلادنا، وتحمي وجوده وتمكّنه منا جيوشُنا التي تقتطع رواتبها من أقواتنا وأرزاقنا!
سيظل الغرب وأعوانه يعزفون على نغمة الإرهاب وسيبقى علماء السلطان ينافحون في غير الميدان محاولين تارة نفي الإرهاب عن الإسلام وتارة إلصاقه بمن يحملون الإسلام كعقيدة سياسية ومن يعملون لتطبيقه في واقع الحياة واتهامهم بأنهم يحملون أفكار التعصب والكراهية للآخر، ووصفهم كما صرح المفتي بأنهم يتعبدون بسفك الدماء، وأنه لا يجب ترك الساحة الدولية لهم يشوهون صورة الإسلام، وأن هذا من الخطأ في حق الدين والوطن، ولا ندري عن أي دين وأي وطن يتحدث المفتي وهو نفسه أداة في يد الغرب لتشويه الإسلام وصرف الناس عن عقيدته السياسية العملية، وهو الذي يحرف النصوص عن واقعها! فخطاب الله عز وجل لم يعتبر بالوطن ولا حدود سايكس بيكو التي يدعونا المفتي وشيخ الأزهر لتقديسها بل الخطاب القرآني للأمة بكل أطيافها وأجناسها بلا حدود ولا جنسيات ولا اعتبار لرايات الاستعمار التي فرضها علينا فصرنا نقدسها ونقاتل في سبيلها.
إن الإسلام دين سياسي أتى ليحكم وينظم علاقات الناس، يستوي فيه من أذعن للأمر بإقامة الصلاة والأمر بتحريم الخمر والربا، فكيف بربكم يا علماء مصر لو كانت الخمر تصنع وتباع بتصريح وترخيص من النظام وكان التعامل بالربا يتم برعاية الدولة وتحت حمايتها؟! فأين طاعتكم لله وأين حرصكم على دينه وعقيدته وحرماته التي تنتهك؟! ألم يصلكم خبر عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وقد قال: «بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ». فأين أنتم من هذا وأين تحريضكم على صون حرمات الله ومقدساته؟ أين صدحكم بالحق وأمركم بالمعروف ونهيكم عن المنكر في وجه من تحدى الله ورسوله وامتنع عن تطبيق دينه وشرعه أمام أعينكم وأنتم له عون وسند وبطانة؟! ألا إن الله سائلكم ومحاسبكم يوم القيامة عن هذا ولن ينفعكم الحكام ولا ما يغدقون عليكم من مال ولا ما يعطونكم من مميزات كلها من متاع الدنيا الزائل، فلا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير.
إن واجب العلماء الآن وحتى يكونوا ربانيين حقا هو أن يجهروا بما يعلمون من حق محرضين المخلصين في الجيوش على قلع هذا النظام الذي يحارب الإسلام وأهله ويضع البلاد تحت تصرف الغرب، وتمكين المخلصين من إقامة الدولة التي تطبق الإسلام كاملا شاملا غير منقوص في دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وتذكيرهم بالله وأن هذا هو الفلاح حقا ولا فلاح غيره، وبهذا فقط يُضمن العدل للناس جميعا مسلمين وغير مسلمين. نسأل الله أن نراها قريبا وأن نكون من جنودها وأن تكون مصر حاضرتها ونقطة ارتكازها، اللهم آمين.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر
رأيك في الموضوع