أعلنت التنسيقية العامة للاجئين والنازحين بدارفور في السودان عن سقوط 168 شخصاً وجرح 98 آخرين، إضافة لوجود أعداد كبيرة من المفقودين لم تعرف حصيلتهم بعد، في اقتتال قبلي بمدينة كرينك غربي البلاد. وأوضح الناطق الرسمي باسم التنسيقية العامة للاجئين والنازحين بدارفور آدم رجال لـ"الشرق"، أن "أعمال العنف هذه بدأت الجمعة في كرينك على بُعد 80 كلم من الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، حيث قتل 8 أشخاص".
ووقعت الصدامات الأولى مطلع تشرين الأول/أكتوبر، ثم شهد الإقليم جولتين من الاشتباكات الدامية، أُولاهما في 17/11/2021م، بسبب خلاف بين رعاة إبل في منطقة جبل مون، ثم اندلعت موجة ثانية من الاشتباكات مطلع كانون الأول/ديسمبر 2021م بمنطقة كرينك، وقد لقي 35 شخصاً حتفهم في تشرين الثاني/نوفمبر وأُحرقت 16 قرية جرّاء اشتباكات قبلية نشبت بسبب نهب الماشية، أما في كانون الأول/ديسمبر، فقد لقي 199 شخصاً على الأقل مصرعهم، وفق ما قال به أطباء دعوا السلطات في الخرطوم حينها إلى وقف نزيف الدم المستمر في هذا الإقليم الذي يصعب وصول المنظمات الإنسانية إليه.
ومعلوم أن المنطقة ينتشر فيها السلاح ويندلع العنف من وقت إلى آخر بسبب خلافات بين المزارعين والرعاة. وكذا أصبحت المنطقة في فوضى عارمة لغياب هيبة الدولة وقد سماها مستشار البرهان أبو هاجة "حالة اللا دولة" وكأن هذه هي الحالة الطبيعية في السودان! فقد صرح حاكم دارفور مني أركو مناوي، وقال إن الأهالي متعايشون معها بـالدفع، وكأن الأمن أصبح للبيع، وأشار إلى أن "هناك فوضى عارمة في الولايات بدارفور وهناك أطراف مرتاحة (أجهزة أمنية) لعدم إجازة القانون فيها لأن لديهم أولويات أخرى".
هذه الفوضى وحالة اللا دولة جعلت بعض القوى السياسية تستغلها لإدخال السودان تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فقد دعا بيان حركة جيش تحرير السودان في ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٢م، مجلس الأمن والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي باتخاذ قرارات جدية لحماية النازحين بإرسال قوة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، كما طالبوا المحكمة الجنائية الدولية والمنظمات الحقوقية العالمية لمتابعة الوضع الأمني في السودان. خاصة وأن النظام في أضعف حالاته، فمنذ انقلاب البرهان في تشرين الأول/أكتوبر الماضي لم يستطع تشكيل الحكومة إلى الآن رغم امتلاكه عناصر القوة المتمثلة في "الاقتصاد والجيش".
هذا الواقع يعبر عن عدم وجود دولة وسلطان يتولى مسؤولياته تجاه الرعية، وعدم إدراك واقع الدولة والسلطان في أذهان أشباه الحكام، فإن الدولة تنشأ بنشوء أفكار جديدة تقوم عليها، ويتحول السلطان فيها بتحول هذه الأفكار، والسلطة إنما هي راعية لصالح الأمة، والإشراف على تسييرها، فإذا كانت هذه الأفكار تقوم على عقيدة ينبثق عنها نظام تكون الدولة متينة البنيان، وطيدة الأركان، ثابتة الكيان، وهذا ما تفقده دول سايكس بيكو التي صنعها الغرب المستعمر بعد هدم الخلافة.
إن هذه الأحداث تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة والحركات المسلحة يتواطئون لإيجاد هذه الحالة ويسمحون باستمرار الفوضى. وأن هذا السيناريو تغذيه السفارات الأجنبية، والمنظمات الاستعمارية، ما يؤكد ارتماء الحكومة في أحضان الغرب المستعمر، ويؤكد فشلها في الحفاظ على وحدة البلاد، وتحقيق أمن العباد فهي بعيدة عن هدى الله سبحانه وتعالى، فقد صار واضحا وجليا أن سبب هذه الصراعات والتفلتات هو عدم إقامة أحكام الإسلام التي تحقن الدماء وتؤلف القلوب وتجمع ولا تفرق، بغض النظر عن اللون أو القبيلة أو الجهة، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ فلا علاج إلا بإقامة سلطان الإسلام عبر دولته الخلافة الراشدة على منهاج النبوة فهي وحدها الخلاص والمخرج. وتاريخ الخلافة مليء بمواقف تعبر عن رجال دولة أتقياء همهم مصالح أمتهم وإخراج البشرية الضالة إلى نور الإسلام وعدله، فلما فتح السلطان مراد الثاني مدينة سلانيك عام 1431م وهزم البندقيين شر هزيمة ودخل المدينة منتصراً، أعلمه الحاجب أن وفداً من مدينة يانيا قد حضر، وأنهم يريدون لقاءه لأمر مهم، وكانت مدينة يانيا تحت حكم عائلة توكو الإيطالية، وعندما مات كارلو توكو الأول عام 1430م، ولي الحكم بعده ابن أخيه كارلو توكو الثاني، ولكن أبناء توكو الأول غير الشرعيين ثاروا وطالبوا بالحكم، فبدأ عهد من الاضطراب والفوضى والقتال عانى منه الشعب الأمرين، وعندما سمعوا بأن السلطان مراد الثاني بالقرب منهم في مدينة سلانيك قرروا إرسال وفد عنهم. أمر السلطان مراد رئيس حجابه بالسماح للوفد بالدخول عليه، ثم قال لرئيس الوفد بواسطة الترجمان: أهلاً بكم، ماذا أتى بكم إلى هنا؟ وماذا تبغون؟
قال رئيس الوفد: أيها السلطان العظيم، جئنا نلتمس منكم العون، فلا تخيب رجاءنا.
- كيف أستطيع معاونتكم؟
- يا مولاي، إن أمراءنا يظلموننا، ويستخدموننا كالعبيد، ويغتصبون أموالنا ثم يسوقوننا للحرب.
- وماذا أستطيع أن أفعل لكم؟ إن هذه مشكلة بينكم وبين أمرائكم.
- نحن أيها السلطان لسنا بمسلمين، بل نحن نصارى، ولكننا سمعنا كثيراً عن عدالة المسلمين، وأنهم لا يظلمون الرعية، ولا يكرهون أحداً على اعتناق دينهم، وأن لكل ذي حق حقه لديهم. لقد سمعنا هذا من السياح، ومن التجار الذين زاروا مملكتكم، لذا فإننا نرجو أن تشملنا برعايتكم وبعطفكم، وأن تحكموا بلدنا لتخلصونا من حكامنا الظالمين. ثم قدّموا له مفتاح المدينة الذهبي، واستجاب السلطان لرجاء أهل مدينة يانيا، وأرسل أحد قواده على رأس جيش إلى هذه المدينة، وتم فتحها فعلاً في السنة نفسها، فنشروا العدل، وأوجدوا حياة كريمة مطمئنة. هذا ما كان في السابق، وهذا ما هو كائن قريبا بإذن الله عند إقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، ﴿إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً﴾.
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع