إن إجراء الهندسة الوراثية على بذور الحبوب هو تلاعب يقوم به الإنسان عن قصدٍ بالمادة الوراثية الحاملة للمورّثات لمحاصيل الحبوب بقصد زيادة إنتاجيتها، في تغيير لطبيعتها المجبولة عليها، فقد أدى التعديل الوراثي للحبوب على إنتاجها مواد كيميائية محدثة لا يمكن أن تحدث في الظروف الطبيعية، وتم تغييب تعبير البذور المعدلة وراثياً بلفظ "البذور المحسنة". فقد استطاع العالمان واطسون وكريك في العام 1953م وضع نموذج لبناء المادة الوراثية Deoxyribo Nucleic Acid “DNA” وهي عبارة عن الحمض النووي الرايبوزي منقوص الأكسجين. ليبدأ التدخل في إنتاج محاصيل نباتية؛ حبوب وبذور معدلة وراثياً. واتخذت منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) التابعة للأمم المتحدة، على عاتقها إنتاج محاصيل معدلة وراثياً مستهدفة البلدان النامية عبر إصدار دليل إرشادات لمشروعات إنتاج هذه الحبوب، ولحقها البنك الدولي بدعم تلك المشاريع بتقديم القروض المتعلقة بإقامة مشاريع توفير الغذاء في البلدان النامية. ولذلك تشترط المنظمات الدولية حق عبور البذور عبر مناطق الحدود دون عراقيل.
تستهدف البذور الزراعية المعدلة وراثياً للعديد من أصناف الحبوب والبطاطا والطماطم وغيرها من المحاصيل الزراعية، عدداً من بلدان العالم النامية، منها اليمن وغانا والكونغو والكاميرون وكينيا، وغيرها من البلدان. وقد دشنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر زراعة الحبوب المعدلة وراثياً، وإقامة مشتل زراعــي في محافظة صعدة شمال اليمن، وحضر محمد جابر عوض محافظ صعدة في 31 آذار/مارس المنصرم تدشين حصاد القمح المعدل وراثياً، وقال: "نسعى لضمان وجود بذور لتلبية احتياج المزارعين في المحافظة". بالتأكيد إنه لا يعي ما يقول.
لماذا قامت تلك المشاريع وما الخطورة من إقامتها؟ في المقام الأول يتم إبقاء أسواق العالم النامي مفتوحة أمام محاصيل الدول الرأسمالية من خلال تقديم البذور المعدلة وراثياً على الدوام؛ لأن محاصيل تلك البذور تصلح للاستهلاك فقط ولا تصلح للإبذار. فلا بد من قدوم تلك البذور على الدوام من الدول الرأسمالية إلى البلاد النامية، ولذلك اشترطوا حق عبور البذور عبر مناطق الحدود دون عراقيل.
وفي المقام الثاني القضاء على المحاصيل المحلية في البلدان النامية نهائياً بسحب ما بأيدي المزارعين من حبوب طبيعية بأساليب ملتوية وإعدامها، وزراعة نباتات معدلة وراثياً من جانب مالكي البذور المعدلة وراثياً تؤثر على النباتات الطبيعية وتنقل إليها الأوبئة والأمراض، بغية إجبارها على التخلص من محاصيلها الزراعية المحلية، والاعتماد على البذور المعدلة وراثياً عابرة الحدود الغزيرة الإنتاج والخالية من الأمراض والأوبئة.
إن خطورة البذور المعدلة وراثياً ناتجة عن تغيير المادة الوراثية DNA عن طبيعتها وإكسابها طبيعة محدثة ظاهرها الخير وباطنها الشر. فزيادة الإنتاج جاءت على حساب الإخلال في تأدية وظائف المحاصيل بإنتاج مواد كيميائية جديدة لم تكن في الحسبان فأضحت جالبة للأضرار والأمراض، وقد بدأ بيع الغذاء المعدل وراثياً في 1994م. ومعه اتسع انتشار الأمراض العضوية كالجلطات الدماغية التي يسببها محصول القمح المعدل وراثياً، والقولون العصبي، كما أن هناك معدلات وراثية تسبب العقم أو انخفاض الخصوبة، وغيرها من الأمراض التي تفتك بالحياة والإنسان. فإنّ العديد من الأغذية المعدلة وراثياً تحتوي على مواد خطرة إذا ما أُخضعت لمناهج تقليدية لاختبار السلامة، وهي ممنوعة من التداول في العديد من دول العالم، سواء أكان التعديل الوراثي حيوانياً أم نباتياً. فليس كل ما حققه علماء المبدأ الرأسمالي اللاهثون وراء المنفعة، فوائد ليس لها أضرار، كنقل مورثات التمثيل الضوئي من البطاطا إلى الأرُز لزيادة كفاءة إنتاج النشا النباتي، وتعديل الأيض في النباتات عن طريق إبطال مفعول بعض المورثات لكي يتحول مسار بعض المغذيات من جزء إلى جزء آخر من أجزاء النبات، كزيادة تركيز الأحماض الدهنية في البذور بدلاً من الأوراق.
تعتبر الحبوب من المحاصيل الاستراتيجية التي لا غنى للدول عن زراعتها، واليوم تمسك الدول الرأسمالية بزراعة الحبوب والغذاء، وتحول دون تمكين الدول النامية بصفة عامة والبلاد الإسلامية بصفة خاصة من إنتاج كفايتها من الحبوب والغذاء باستقلالية. لم يكن للدول الرأسمالية أن تنجح في منع المزارعين في البلاد الإسلامية من الاستمرار في زراعة الحبوب بمختلف أصنافها، لولا تعاون أنظمة الحكم في تلك البلاد بفتح أسواقها لها وتسويق ما تصدره إليها من حبوب بأسعار رخيصة مقارنة بتكلفة زراعتها في مواطنها الأصلية. فقد قُدِّمَتْ الحبوب كمساعدات مجانية حتى يقبلها المزارعون، ويقعدوا عن زراعتهم للحبوب، وقُدِّمت كقروض مؤجلة، ثم دفعت أنظمة الحكم المزارعين إلى زراعة المحاصيل النقدية كالبن والقطن والسمسم واللوز وغيرها.
أيتها الدول الرأسمالية: دعي الخلق للخالق، يكفي ما تدخلتم في الهندسة الوراثية فآذيتم الإنسان والحيوان والنبات، مصداقا لقوله تعالى ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾. إن مبدأ الإسلام لم يكن يوماً مفسداً للحياة، بل نظمها وفق نظام الخالق المدبر، وسيعود لتنظيمها قريباً بإذن الله في دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
رأيك في الموضوع