في وقت تستمر فيه الاحتجاجات الرافضة لإعادة افتتاح معبر أبو الزندين قرب مدينة الباب شمال سوريا مع النظام المجرم، عقدت منظومة الأدوات التركية بشقيها السياسي والعسكري اجتماعاً موسعاً، الثلاثاء 3/9/2024م، في مدينة غازي عنتاب في تركيا، زاعمةً أنه لبحث 7 ملفات، من بينها قضية افتتاح معبر أبو الزندين بريف حلب الشرقي، وضم الاجتماع، رؤوس الائتلاف العلماني السوري الموالي لتركيا والغرب، وهيئته التفاوضية، وحكومته المؤقتة وقادة جيشها الوطني، وما يوصف بمجلس القبائل والعشائر، وتم خلاله مناقشة الواقع السوري وسبل تذليل التحديات التي تواجهه، وفقاً لما ذكرته الحكومة المؤقتة في بيان. وبخصوص معبر أبو الزندين شرقي حلب، قال البيان إن المشاركين ناقشوا أهميته كمعبر حيوي "إنساني واقتصادي" يؤثر إيجاباً على الوضع الاقتصادي والإنساني في المنطقة. وزعم المشاركون أن هذا المعبر ليس له أية علاقة بأي من ملفات التطبيع مع النظام السوري، بل هو خطوة تهدف إلى تحسين الأوضاع المعيشية وتسهيل الحركة التجارية والإنسانية في المناطق المحررة، وفق البيان.
وبعد عدة أيام من اجتماع غازي عنتاب أصدرت ما يسمى الحكومة السورية المؤقتة بيانا حذرت فيه مما سمتها "محاولات خبيثة" لزعزعة الأمن في الشمال السوري المحرر، وزعمت فيه دعمها لحق الناس في التظاهر السلمي وتوفير الحماية لهم، في إشارة واضحة لقمع اعتصام الأحرار الرافضين فتح معبر أبو الزندين، وجاء بيانها على إثر اختلاق مشكلة بين بعض المعتصمين وعناصر الشرطة العسكرية في المنطقة.
يسعى النظام التركي عبر أدواته من حكومات وظيفية وقادات الفصائل إلى تذليل العقبات أمام عملية التطبيع وتسليم المناطق المحررة للنظام المجرم، والتي بدأها بقضية فتح معبر أبو الزندين الذي سيكون خطوة تتبعها خطوات من التطبيع على طريق إجهاض الثورة وتنفيذ الحل السياسي الأمريكي الذي قررته أمريكا في القرار الأممي 2254، ولكن خطوة فتح المعبر مع النظام لم تكن بالخطوة السهلة على النظام التركي في ظل تحرك المخلصين في ثورة الشام المباركة وفضح مؤامرة المعبر ونصب خيمة الاعتصام والرباط فيها لمنع تنفيذ هذه الخطوة الخيانية الجريئة، ولأنها تعتبر مقدمة لباقي الخطوات الخطيرة التي يعتزم النظام التركي السير بها.
وكان الرئيس التركي أردوغان أكد في تصريحات خلال مؤتمر طلاب مدارس الأئمة والخطباء بولاية قوجا إيلي شمال غربي تركيا وبعد يومين من زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأولى إلى تركيا، أن بلاده تتخذ خطوات في علاقاتها مع مصر وسوريا لتأسيس محور تضامن ضد ما أسماه التهديد التوسعي المتزايد لكيان يهود. فيما صرح نائب وزير الخارجية المصري الأسبق علي الحنفي أن زيارة الرئيس المصري لتركيا شهدت تنسيقا وتشاورا في مختلف قضايا المنطقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والملف السوري، وكان بينهما تفاهم على ضرورة وجود حراك في الملف السوري وعودة المسار السوري لطبيعته في إطار تشاوري مصري تركي سوري.
التصريحات التركية المتواصلة منذ أشهر عدة عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري المجرم، أكدها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في آخر تصريحاته قبل أيام عن أن الجانب التركي مستعد لمناقشة انسحاب القوات التركية من سوريا، وعن نجاح الجانب الروسي في تحقيق اختراق مهم لجهة تحديد موعد عقد لقاء بين أردوغان وطاغية الشام بشار أسد أواخر شهر أيلول الحالي.
شماعة توسع كيان يهود في المنطقة التي استعملها أردوغان لتحقيق تقدم في إعادة العلاقة مع طاغيتي الشام ومصر وتطبيعها من جديد تكشف عما يتم التخطيط له من مؤامرة تعويم النظام السوري المجرم، وتؤكد أن اجتماع غازي عنتاب لقوى الثورة والمعارضة المدجنة هو خيانة عظمى لثورة الشام المباركة وهدفه تهيئة الأجواء وتذليل العقبات أمام تنفيذ خطوات التطبيع والتسليم باعتبار أن نجاح النظام التركي في تحقيق هذه الخطوة سيكون بداية لتحقيق باقي الخطوات وهو ما يعني حرفيا إجهاض الثورة وتضييع تضحيات أهل الشام.
هذا الاستعراض للواقع الحالي من التآمر على الثورة وخيانة متصدري الثورة لأهدافها ليس قدرا محتوما لا يمكن رده عن أهل الشام وإنما لبيان الخلل ومعالجته، فارتباط الثورة بالنظام التركي وقبول المال السياسي القذر وخسارة قرار الثورة لصالحه ومحاولة التحكم بها لمصالحه ومصالح أمنه القومي ومصلحة أمريكا، كل هذا يمكن معالجته بعيدا عن أسطوانات الحليف الوحيد والمصالح المشتركة والمصير المشترك وبقية الترهات التي يلوكها البعض في عصر سياسة المصالح ودفن المبادئ والأخلاق.
فمرض الثورة بارتباط قادتها بالخارج فإن تمت معالجته تعافت وعادت إلى طريقها نحو إسقاط النظام المجرم، الذي يسعى الجميع لإعادة إنعاشه وعبر أقوى طريقة بدفع الثورة للتطبيع معه عبر فتح المعابر الذي سيكون له تأثير كبير على المستوى المتوسط والبعيد في تليين جدران الثورة، ولا ننسى ما يقوم به قادات الفصائل وعلى رأسهم الجولاني داخل المناطق المحررة من انتهاكات مقصودة بحق شرفاء الثورة بهدف كسر الإرادة عبر الضغط الأمني والاقتصادي الذي يعتبر أصعب من الضغط العسكري، ويمارسه الجولاني بشكل فاضح عبر جهاز أمن مرتبط بأجهزة مخابرات خارجية وحكومة ضرائب تسوم أهل المحرر كل أنواع التجويع والإفقار والحصار، وعلى الجانب الآخر يقوم الجولاني بكل ما يلزم لدك حصون الثورة من الداخل عبر برامج الترفيه والأولمبياد ومعرض الكتاب وغيرها من النشاطات القائمة في إدلب في وقت تموج المنطقة وتتحرك بتناسق عال للقضاء على الثورة، ما يعني أن الجولاني أصبح جزءا من هذه المخططات بل له الدور الأبرز فيها لأنه ثبت بالدليل القاطع أنه لا يستطيع أحد فرض شيء بالقوة العسكرية على الثورة، فقد صمدت على تفرقها أمام قوة المليشيات الإيرانية والقوات الروسية وقوات النظام المجرمة مجتمعين وخسائرها كانت بسبب الدور التركي الخبيث الذي بمجرد فك ارتباط الثورة به وتحررها من قيوده يعني انطلاقها بحرية مرة أخرى نحو عقر دار النظام المتآكل والمتهاوي.
ثورة الشام المباركة تعيش حاليا أعنف المعارك السياسية وفي عين العاصفة التي تريد اقتلاع أركانها وتحطيم قوتها، ويلعب النظام التركي دور الشيطان الذي يوسوس حاليا لشق صفها ودفعها للتخلي عن ثوابتها التي هي الضامن لمتابعة طريقها وعلى رأسها إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه ودستوره العلماني، ولا سبيل لذلك إلا بالعودة إلى شعارها الخالد "يا الله ما لنا غيرك يا الله"، وتطبيقه قولا وعملا، والانفكاك من كل ما هو دونه، والعودة لله وطلب الغفران منه وهو الغفور الرحيم، وبذلك يمكننا استعادة القرار العسكري الذي سيفتح الباب لها واسعا مرة أخرى ويقلب الطاولة ويحطمها على رؤوس من يجلس عليها ويحوك المؤامرة تلو الأخرى للنيل منها وخصوصا أدوات الداخل من حكومات وقادات فصائل وهبهم الله نعمة القوة لنصرة المستضعفين فأخلدوا إلى الأرض وركنوا للظالمين فأورثهم الله الذل في الدنيا والخزي في الآخرة إن لم يتوبوا ويعودوا لأحضان أمتهم وثورتهم بدل أحضان عصابات النظام وسكاكينه الطائفية التي يدفعهم ويدفع أعراضهم إليها عرابُ المصالحات أردوغان.
إن الثبات على أمر الله شيء عظيم يهبه الله لعباده المستمسكين بحباله المعتصمين بأمره الصادعين بالحق في زمن الخذلان وتكالب الأصدقاء والأعداء، وإن ثورة الشام صفحة ناصعة البياض في تاريخ أمة تحاول النهوض من كبوتها لاستعادة عزتها وكرامتها التي لن تعود إلا بإقامة حكم الله في الأرض مرة أخرى وعودة المسلمين للمهمة الأساسية التي أوكلها الله لهم بتبليغ رسالته للبشرية عبر إقامة الدولة التي ستتولى هذه المهمة بالدعوة والجهاد، ولن نتخلص من هذا الذل الذي أحاط بنا من كل جانب إن لم نعد لديننا في كل شأن من شؤون حياتنا وعلى رأس ذلك في الحكم والسياسة، فإلى ذلك ندعو أهلنا في ثورة الشام أن اعتصموا بحبل الله جميعا واقطعوا ما دونه من حبال الدول والمجتمع الدولي المخادع الذي يمكر بكم وبثورتكم ويروغ منكم كما يروغ الثعلب، فلننهض لنستعيد قرار ثورتنا لننطلق بالموجة الثانية منها متوجهين نحو دمشق، لا يضرنا من خذلنا ولا من عادانا والنصر حليفنا بإذن الله.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُم﴾.
رأيك في الموضوع