دعا أحمد يلدز مندوب تركيا الدائم لدى الأمم المتحدة، إلى تسليط الضوء على الطريق المسدود الذي وصلت إليه ما سماها الأزمة في سوريا، وقال إن الأزمات الأخرى لا ينبغي أن تصرف أنظار العالم عن الملف السوري. وأضاف المسؤول التركي في كلمة له خلال جلسة لمجلس الأمن، إن إعادة التركيز على سوريا هي ضرورة ملحة، مشدداً على ضرورة تمهيد الظروف لمعالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وتحدث عن صعوبة التوصل إلى حل سياسي دائم في سوريا خلال الوقت الراهن، داعياً حكومة دمشق لبدء مصالحة وطنية حقيقية. وكان وزير دفاع النظام التركي يشار غولر قد قال في وقت سابق إن بلاده قد تفكر في سحب قواتها من سوريا إذا تم تأمين الحدود التركية.
من جانب آخر نقل موقع راديو الكل، عن مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، لم يسمّه، أن الولايات المتحدة تراقب عن كثب الوضع في محافظة إدلب، وأعرب المسؤول، عن إدانة بلاده لأي استخدام للقوة ضد المتظاهرين السلميين، وفيما يتعلق بالتنسيق مع تركيا بشأن الأحداث في إدلب، أكّد المسؤول، أن الولايات المتحدة وتركيا تشتركان في مصلحة إنهاء الصراع في سوريا، وتواصلان التشاور بشأن السياسة حول سوريا. وفي منشور عبر حسابها الرسمي على منصة إكس استنكرت السفارة الأمريكية في سوريا، تحركات هيئة الجولاني ضد المتظاهرين في إدلب، وادعت أنها تدعم حقوق جميع السوريين في التعبير والتجمع السلمي. ووصمت السفارة، الهيئة، بممارسة الترهيب والوحشية بحق المتظاهرين السلميين.
وكان المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون اعترف في تصريحات لقناة الحدث السعودية بأن ما سماها الأزمة السورية مستحيلة الحل، وأنهم لن يستسلموا لأنها قد تنفجر مرة أخرى في وجههم على حد تعبيره.. واعتبر بيدرسون أنه من الخطأ الكبير ترك القضية السورية دون حل مشكلاتها المتفاقمة والتي قد تنفجر بأي لحظة لأن الهدوء نسبي وليست هناك ضمانات لاستمراره، مستشهدا بما حصل في غزة التي ظنوا فيها أن القضية الفلسطينية ماتت وانتهت.
هذه المقدمة من الأخبار والتصريحات السياسية التي تخص الشأن السوري انطلقت منذ أيام بعد غياب طويل عن المشهد السوري ومراقبة ما يحدث على الأرض في ظل انطلاق الموجة الثانية من الثورة المباركة في حراك شعبي منظم يستهدف إسقاط الأداة الأبرز في تطويع الثورة ألا وهو الجولاني الذي ينفّذ جميع الخطط الأمريكية التي تم رسمها لكتابة النهاية الأليمة لثورة الشام المباركة، لكن الحراك الشعبي باغت مخططات الدول وخرّب ما رسموه لها حتى الآن على الأقل.
فالولايات المتحدة صاحبة النفوذ في سوريا هي التي رسمت الخطط للقضاء على الثورة والحفاظ على النظام المجرم وأدخلت جميع القوى العسكرية لمواجهة الثورة بدءاً من حزب إيران إلى المليشيات الطائفية العراقية والأفغانية وصولا إلى الحرس الثوري الإيراني وانتهاءً بروسيا وتركيا وفرض سيطرتها بنفسها على شرق الفرات.
وكل ذلك بهدف منع انتصار ثورة الشام والمحافظة على نظامها العميل في دمشق، ولا زالت أمريكا تمكر الليل والنهار لمنع الثورة من الانتصار.
أما مشهد إدلب وهو الأبرز على الساحة السورية والذي به يتحدد مصير الثورة المباركة كونه قد تجمع فيه خيرة رجالات الثورة ومجاهديها وأبطالها الذين انتفضوا والتحقوا بالحراك الشعبي المطالب بإسقاط الجولاني وحلّ جهاز الأمن العام وتبييض السجون من المعتقلين المظلومين، فإن هذا الحراك ما زال يتعاظم رغم القمع المتواصل الذي يقوم به الجولاني وجهاز قمعه، ولم يكن آخرها تشبيحه على خيمة الاعتصام أمام المحكمة العسكرية بإدلب المطالب بإطلاق سراح المعتقلين، وما تلاه من تشبيح وقطع طرقات ومنع المتظاهرين السلميين من النزول إلى مدينة إدلب وخصوصا ما حصل مع المتظاهرين في بنش، حيث تمت مهاجمتهم ومحاولة دهسهم بالمصفحات العسكرية وضربهم بالعصي والسكاكين على يد مليشيات اللجان الشعبية التي شكلها الجولاني مؤخرا للتشبيح على المتظاهرين في استنساخ تام لأفعال النظام المجرم.
وهذا الاستعراض للأحداث الأخيرة التي حصلت في إدلب أعاد الجميع لبداية الثورة المباركة وذكّر الناس بأفعال النظام المجرم؛ ففض اعتصام إدلب ومهاجمة المتظاهرين بالمصفحات وإنزال مجموعات الشبيحة لمواجهتهم بالسكاكين والسواطير هو نهج النظام المجرم نفسه. بالمقابل خرجت المبادرات كالعادة كما خرجت في بداية الثورة بداعي الحرص على البلاد وحقن الدماء والحفاظ على المكتسبات، وكانت هذه المبادرات محل رفض شعبي عارم لأنها تعتبر تنازلا عن الثوابت التي انطلق بها الحراك الشعبي في الوقت الذي يكابر فيه الجولاني وعصابته الأمنية ويرفضون التنازل قيد أنملة عن نهجهم ويصرون على رفض مطالب المتظاهرين بإطلاق المعتقلين الذين حوّلهم الجولاني إلى رهائن يساومهم على مواقفهم ودينهم، ولم يكتف بذلك بل بدأ باعتقال أبرز النشطاء في الحراك للضغط عليهم لإيقاف الحراك، مستغلا بذلك عدم الوعي السياسي لبعض قادة الحراك ممن جلس معه بزعم أنه يريد الإصلاح ما أدى لتباطؤ الحراك في بعض المناطق لفترة بسيطة.
وفي هذه الجولات التي يخوضها شعبنا مع الطغاة الجدد تبرز ناحية مهمة وهي الوعي الكبير من أبناء الثورة المباركة، وهو نتيجة تراكم خبرات ثلاث عشرة سنة من الثورة بالإضافة إلى وجود حزب سياسي هو حزب التحرير الرائد الذي لا يكذب أهله، ما وقف حائلا أمام النيل من الحراك، وإفشال محاولات انزلاقه إلى مستنقع التنازلات والوقوع في فخ المفاوضات الخادعة.
إن المفاوضات مع الطغاة لا ينتج عنها إلا شقّ صف الثائرين والتنازل عن الثوابت وإعطاء الطاغية فسحة من الوقت لترتيب صفوفه، خصوصا بعد رفض العسكريين في الهيئة الانخراط بقمع المظاهرات، ما جعل الجولاني في موقف ضعيف يحتاج إلى المبادرات وأهلها لإعطائه الفرصة لحشد قوته وترتيبها في مواجهة الحراك.
لقد أثبتت التجارب أنه في مواجهة الطغيان لا مكان للمفاوضات والمبادرات وحسن النوايا، فالطاغية الذي لم يردعه شيء عن السير في طريق القضاء على الثورة وانتهاك الحرمات واعتقال حملة الدعوة والمجاهدين وتعذيبهم وقتل عدد كبير منهم ودفنهم في مقابر جماعية لن يوقف إجرامَه إلا ثورةٌ شعبية مبدئية تقتلعه وتقتلع ظلمه وطغيانه وتُعيد قرار الثورة لأهله، فأصل المعركة في الشام استعادة أهلها قرارهم، وهذه المعركة التي اضطرت أمريكا والدول الإقليمية لحشد طاقاتها ومنع أهل الشام من استرداد سلطانهم المغتصب، ولذلك أنشأت الواجهات السياسية والحكومات، وتم ضخ المال السياسي القذر لشراء الذمم، وهذا ما حصل فعلا رغم التحذير من مخاطر الارتباط وقبول المال، لكن أهل الشام الذين انتفضوا أخيرا بهدف رفع المظالم واستعادة قرار الثورة وساروا بالثوابت التي حددوها والتي ستكون بالنتيجة مقدمة مثالية للانطلاق لإسقاط النظام المجرم وكسر الخطوط الحمراء وفتح الجبهات التي أغلقها الجولاني وأمثاله من قادات الفصائل استجابة للأوامر التركية واتفاقياتها مع الجانب الروسي، وللسير في تنفيذ متطلبات الحل السياسي الأمريكي حسب القرار الأممي 2254 الذي يضمن الحفاظ على النظام العلماني المجرم في سوريا ويكفل للولايات المتحدة بقاء نفوذها في دمشق، لذلك نرى حرص الدول على بقاء الجولاني ورعايته كما رعت من قبل بشار لمنع الشعب من استعادة قراره. وتعتبر أمريكا ذلك معركة مصيرية ليس حبا بالأسد والجولاني بل لأن انتصار أهل الشام في هذه المعركة سيكون له تأثير السحر على بقية المسلمين في العالم ودافع لهم للنهوض وملهم لبقية الشعوب للانقضاض على أنظمتها الإجرامية، وهذا بالذات هو الذي يدفع أمريكا للتشبث بالأسد من قبل والجولاني الآن.
إن الحراك الشعبي يسير بخطا ثابتة رغم محاولات إيقافه أو حرفه عن هدفه بفضل الثلة الواعية التي أبطلت الكثير من الخطط والمؤامرات والمبادرات، وما زالت تفكك العُقَد التي تقف حائلا أمام حركته وتسقيه بالوعي اللازم في كل مرحلة من مراحله وتسير به نحو هدفه متوكلة على الله، حتى أصبحنا نرى تجذر الحراك الشعبي في النفوس مع التحاق المزيد من الشرائح المجتمعية به.
لقد أصبح الحراك الشعبي الجديد سفينة نجاة للثورة مما يخطط لها أعداؤها، وأملا لدى الكثير من الثوار الذين يتطلعون لكسر القيود التي كبلت الثورة ومنعتها من متابعة طريقها نحو إسقاط النظام المجرم.
لقد أصبح من الواجب على المجاهدين والعسكريين الانحياز إلى أهلهم ونصرتهم في وجه الطغاة، والانتفاض على قيادتهم العميلة المرتبطة، وتلاحمهم مع شعبهم للأخذ على يد الظالمين وتحرير المعتقلين والعودة بالثورة إلى طريقها الصحيح بعيدا عن مشاريع الوهم التي يروج لها الجولاني وزيدان وعطون وكيانات الذل والهوان التي تسعى أمريكا لترويجها عبر الجولاني وعبدي ريثما يستسلم أهل الشام، ولن يستسلموا بإذن الله لأنهم رفضوا الانصياع لعميلها بشار ولن ينصاعوا للجولاني وأمثاله ممن اقتربت نهايتهم. فالشام تستعد لطي مرحلة الحكم الجبري الذي أفسد على الناس حياتهم، لتبدأ عهد حكم الإسلام الراشد الذي تاقت أنفس المسلمين إليه في كل جنبات العالم.
رأيك في الموضوع