استفاض كثير من الكتاب في الدلالة الرمزية لأسلوب "جلب" بشار ليمثل بين يدي بوتين وعصابته في موسكو، ولكن نريد أن نتوقف عند الدلالات السياسية للقاء موسكو وما تبعه من اتصال بوتين بالملك السعودي سلمان والرئيس التركي أردوغان، ولقاء فيَنا الذي ضم وزراء الخارجية الأربعة لروسيا وأمريكا وتركيا والسعودية، وما ورد من أنباء تفيد بالتحضير لوضع حل جنيف على السكة، ومن ذلك تصريح لافروف بضرورة الإعداد للانتخابات النيابية القادمة في سوريا والشروع في صياغة دستور جديد ليتم من خلاله إنجاز المرحلة الانتقالية لعهد ما بعد بشار. وبين هذا وذاك صدرت عدة تصاريح تكشف عن وجود خلافات عن مصير الأسد وبقائه في المرحلة الانتقالية التي قد تستمر ستة أشهر، كما ترى تركيا والسعودية، أو 18 شهرا كما يريد الروس...
وهذا كله تفصيل لا يعنينا كثيرًا أمام التحدي الأساس الذي يكمن في غياب البرنامج الموحد الذي تجتمع عليه صفوف الثورة في الشام، فعداء قادة الغرب والشرق أمر غني عن الذكر، بغض النظر عن التفاصيل المتجددة من يوم لآخر؛ وهنا نطرح السؤال الأساس: أين وحدة الصف بين الفصائل الثورية في سوريا؟ وما هي أولويات العمل عند قادة الفصائل؟ هل هي تنقية الصف الداخلي بالقضاء على "الخوارج" الذين "يطعنون صفوف الثوار من الخلف"؟ أم هو إعلان التبرؤ من طواغيت أوروبا وأمريكا والروس قبل أن يعود فصيل جند الأقصى إلى "جيش الفتح" الذي ساهم في تأسيسه؟ ثم ما هو موقف قادة الفصائل من الحل السياسي عامة ومن مبادرة دي ميتسورا خاصة؟ ومن منهم يرى في اتفاق جنيف أساسًا صالحًا للحل المطلوب في سوريا ومن يرفضه؟
فالبيان الصحفي المشترك (وقعه ممثلو 75 فصيلاً أو تنظيماً) الذي أعلنه الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية الهيئة السياسية (2/10/2015)، الذي صدر بعد "دراسة متأنية لمقترحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا فيما يخص مبادرة "مجموعات العمل"، خلص إلى القول: "وعليه فإن مجموعات العمل في صيغتها الحالية تعتبر مرفوضة من ناحية عملية وقانونية حتى يتم أخذ النقاط السابقة بعين الاعتبار وتوضيح النقاط الغامضة." إذن فالأمر لا يعدو إجراء بعض التعديلات لقبول مقترح دي ميستورا. ورغم أن البند الثالث من البيان أكد فقدان الثقة بالمجتمع الدولي الذي يضفي الشرعية الدولية على إجرام النظام السوري، إلا أن البيان يؤكد في البند الثاني "على استمرار تعاطيها الإيجابي مع الأمم المتحدة بما يحقق مصلحة الشعب السوري."
وذكر موقع الدرر الشامية أن المتحدث الرسمي باسم حركة أحرار الشام "أحمد قره علي"، أفاد "في تصريحات خاصة بأن البيان... صدر بعد جهد كبير بذلته اللجنة المُشكَّلة من أجل هذه الغاية من كبرى الفصائل المسلحة، واستغرق العمل يومين كاملين للوصول إلى قرار موحَّد يخدم مصالح الثورة السورية، وتم بعدها إعطاء الائتلاف فرصة ليلتزم بخط الثورة ووافق على البيان. واستنكر "قره علي" الطريقة التي خرج فيها البيان، والتي أوحت أن الائتلاف هو الراعي له، في حين أنه كان نتاجًا لجهد الفصائل التي تعتبر هي أقرب للشعب السوري والملتحمة معه. وكانت الفصائل الثورية وأبرزها جيش الإسلام، وحركة أحرار الشام الإسلامية، وفيلق الشام، وفيلق الرحمن، والاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، قد توافقت في بيان موحد لها على رفض مبادرة مجموعات العمل المقدمة من المبعوث الدولي، وأكدت على تمسكها بأيّ حل سياسي يحقق أهداف الثورة السورية، ويحافظ على هوية الشعب السوري."
وقد سبق بيان الائتلاف أن صدرت مسودة بيان (15 أيلول 2015) منسوب إلى الفصائل رحب بتنفيذ حل جنيف. ودعا في حينه القيادي البارز في حركة أحرار الشام، خالد أبو أنس، في "تويتر" إلى رفض البيان ولفظ دي ميستورا ومبادرته: "البيان الذي صدر باسم الفصائل لم نوقع عليه ولا الفصائل أقرته إنما كان قيد الدراسة وتحفظنا عليه ومَن نشره يتحمل مسؤوليته"، وطالب أبو أنس الفصائل: "أن تنهي مهزلة المتآمر على الشعب السوري دي ميستورا، وتلفظه ومبادرته، حيث جاء، فمن يكون وسيطاً عليه أن يكون عادلاً ونزيهاً".
وهكذا اختلط الحابل بالنابل، فلم نعد نعرف موقف الأحرار من المبادرة؟ هل هو قبول مع تحفظ على شكليات معينة؟ مع قبول تام للسير في الحل السياسي على أساس اتفاق جنيف؟ أم أن هذه محاولة للتذاكي ومسك العصا من الوسط؟ كما فعل علوش في مقابلته الشهيرة مع الصحيفة الأمريكية التي أعلن فيها أن تنديده بالديمقراطية في الداخل هو للاستهلاك المحلي كيلا يفر أنصاره منه ويلتحقوا بالمطالبين بتطبيق الشريعة؟ ويدخل في هذا التذاكي رد أبي محمد الصادق الشرعي العام لأحرار الشام على بيان جند الأقصى الذي زعم فيه أن الأحرار رفضوا مبادرة دي ميستورا!
يهمنا هنا أن نوضح ونؤكد أننا لا نتصيّد الأخطاء لهذا الفصيل أو ذاك، والمعروف أنّ الرجوع عن الخطأ فضيلة، والله يشهد أن ما نطرحه لا يخرج عن زاويتين: الأولى، وهي الأساس، النصيحة لله ولرسوله وللمؤمنين، ومن هنا نناشد جميع قادة الفصائل أن يلتحموا على قلب رجل واحد في تبني المبادرة السياسية التي سبق أن طرحها حزب التحرير في التأكيد على ثوابت ثورة الشام والتي أركانها: إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه و التحرر من دول الكفر وإنهاء نفوذها، بما في ذلك التبرؤ من الأنظمة العميلة التي تحارب الله ورسوله فضلا عن نبذ عصابة الأمم الاستعمارية المتحدة التي ما اتحدت إلا على محاربة الله ورسوله، والعمل لإقامة دولة الخلافة على منهاج النبوة. وهذا يقتضي فورا وقف الاقتتال بين الفصائل وتوحدها وعدم خوض معارك جانبية تستنزف طاقاتها وتوجيه بوصلة القتال إلى الوجهة الصحيحة التي تسقط النظام آلا وهي دمشق . ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. كما يقتضيرفض المال السياسي، الذي فرّق الثوار وصادر قراراتهِم.
فهذا هو الطرح الجامع الذي تجتمع الأمة عليه من شرقها إلى غربها، وهو الطرح الذي يرضى عنه رب السموات والأرضين، فنحن ندعوكم لتبني مشروع سياسي واضح ومفصل مستنبط من كتاب الله وسنة رسوله e يكون أساسا للثورة يظهر شكل دولة الخلافة وأنظمتها التي نسعى لإقامتها.
أما الزاوية الثانية: فهي من قبيل العمل السياسي ورعاية شؤون الأمة بالتصدي لمخططات الغرب والتحذير من أدواته من حكام خونة وعملاء السياسة والعسكر الذين يجتهدون في تمرير سموم الحل الاستعماري.
وقد علمنا جميعا دعوة لافروف من أعلى منبر في مجلس الأمن إلى تشكيل تحالف دولي يضم أمريكا وروسيا وأوروبا والصين وإيران والسعودية وتركيا والأردن لمنع قيام دولة الخلافة، فما بال البعض بعد أن أسفرت دول الكفر عن عدائها الصريح، ما باله ما زال يتوهم أنّ فلانا أو علانا من الحكام المجرمين يريد خيرا بالثورة في سوريا؟! نعم لقد رأيتم بأم أعينكم كيف أجهض الاستعمار الغربي انتفاضة الأمة في تونس ومصر وليبيا ، فالله الله في دينكم فلا تمكنوهم من إجهاض ثورة الشام، واستمدوا أسباب النصر من وحدتكم بالاعتصام بحبل الله بعيدا عن الجدالات البيزنطية العقيمة من تفسيق وتخوين واتهامات بالردة حينا وبالخوارج حينا، واجعلوا بأسكم شديداً ضد أعداء الدين والملة، ولتتسع صدوركم لما قد يكون هناك من تباينات في الاجتهادات التي لا تخرج عن إطار الشرع، فهل أنتم فاعلون؟!
رأيك في الموضوع