بعد مرور عام بالتمام، استطاع الإعلام المصاحب لحرب رمضان 1444ه الموافق 15 نيسان/أبريل 2023م، أن يجيش الناس، ويصنفهم إلى فريقين؛ فريق مؤيد للجيش ومدافع عنه ومتخندق خلف قياداته، وفريق مؤيد وداعم لقوات الدعم السريع ومنحاز لجنودها! ولم يسلم من ذلك إلا من كان له قلب يعي به، وعقل يحكم به، أو ألقى السمع وهو شهيد.
فقد اعتمد الإعلام التابع للفريقين على مواقع إلكترونية وصفحات وقنوات محلية وإقليمية لتضليل الناس:
ففي بداية الحرب اعتمد إعلام الجيش على إفهام الناس أن الحرب لن تأخذ سوى ساعات، وأن الطيران يقوم بدوره (بجغم)؛ أي تدمير المتمردين، فلا حاجة لاشتباكات ولا مناوشات، وأن الطيران سيفي بالحاجة، ليقنع الرأي العام لماذا بقي الجيش في ثكناته ولم يقاتل!
كما عمل الإعلام المصاحب للجيش على التركيز على بث جرائم قوات الدعم السريع، ما يترتب عليه تخويف الناس وبث الهلع والرعب، فيقبل الناس صاغرين بالتعلق بتصريحات قادة الجيش، وتأييدها، وقبول الحلول التي يرتضيها قادة الجيش، حتى وإن كانت محبطة لآمال الناس وأمنياتهم بإيقاف الحرب، ولعل مطالبات أفراد الجيش (بفك اللجام) أكبر دليل على ذلك.
وكذلك الدعوة لنزوح الناس من مناطق سكنهم بشكل متقصد، وذلك بمطالبة الناس للخروج من الأحياء والبيوت وإخلائها ليسهل ضرب المتمردين للقضاء عليهم بشكل سريع كما زعموا.
ثم إن الإعلام المؤيد للجيش قد ركز بشكل متعمد على فرض القدسية للجيش في خطابه، إذ ركزت المواد الإعلامية على أنه لا يجوز التشكيك في قادة الجيش، وأنهم خط أحمر، أو ليس الوقت مناسبا للحديث عن المحاسبة، أو البحث عن إجابات للأمور الغامضة في الحرب؛ كانسحابات قوات الجيش المثيرة للريبة، واللافتة للنظر من حامياتها، ومعسكراتها، رغم وجود الأعداد الضخمة من الجنود وما يكفي من العدة والعتاد، ويتذرع الإعلام بأن ذلك يؤدي إلى شق الصف، وضرب الروح المعنوية للجيش، وبث الإحباط بالنصر عند عامة الناس... إلخ!
ومن جهة أخرى حشد الإعلام المقابل التابع لقوات الدعم السريع، الناس على أسس قبلية وعصبية، فقد لعب على وتر الهامش، وأن الجيش مستغل ومحتل من قبل بعض المكونات الجهوية والقبلية، وبالتالي يشكك في قدرة الجيش على الانتصار لقضايا بعض الولايات التي تكونت من غالبها قوات الدعم السريع.
لقد صورت انسحابات الجيش أمام هجمات قوات الدعم السريع أنها تفوق الجيش عدة وعددا وعتادا، ما أطال أمد الحرب، وأحدث إحباطا لدى الكثيرين.
في كل الحالات اعتمد الخطاب الإعلامي على الكذب، وتغيير الحقائق، وتغييب المواطن، وهذا لعب دورا سياسيا للتأثير في مجريات الأمور فجعل الواقع كما قال الله سبحانه على لسان فرعون: ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾!
ما كان هذا الإعلام لينجح لو كان عند أهل السودان وعي سياسي على مجريات الأمور والأحداث داخليا، وربطها بالواقع الدولي، من حيث حقيقة دوافع وأسباب قيام هذه الحرب، وعلاقة الأطراف المشاركة فيها بالدول الكبرى.
فلم يذكر الإعلام حقيقة الصراع في السودان بين أمريكا وبريطانيا عبر سفرائهما ومبعوثيهما وربط الأدوات على الأرض؛ من سياسيين، وتنظيمات مدنية، وقادة الجيش والدعم السريع، بهذا الصراع، ولم يذكر الإعلام لقاءات قادة الجيش والدعم السريع بالدبلوماسيين والتنفيذيين، والموظفين الأمريكان مرارا وتكرارا قبل الحرب، والتركيز على احتوائهم، والسماح لهم بإدارة الأزمة، بما يخدم الأجندة الأمريكية، وكيف أن أمريكا أيدت العسكر (الجيش والدعم السريع) برغم انقلابهم في تشرين الأول/أكتوبر 2021م على المدنيين التابعين لبريطانيا، وكيف أن المدنيين كانوا يخططون لهيكلة العسكر بالاتفاق الإطاري. وإبعادهم عن الحياة السياسية.. وتهديدهم بمحاكمات على جرائم فض الاعتصام قد تؤدي إلى أخذ القادة النافذين في الجيش والدعم السريع إلى المقاصل والمشانق...
فلم يكن للعسكر بد وسبيل إلا بصناعة صدمة تمسح الذاكرة السياسية في السودان وتنسي أهل السودان ما سبق من مآخذ على العسكر، لتكون بداية جديدة يجد فيها العسكر التبجيل والقدسية... ويقذف فيها بأتباع بريطانيا من المدنيين إلى هاوية سحيقة، وقد كان!!
إن الوعي السياسي هو النظرة للأحداث من زاوية خاصة تحدد وجهة النظر لأي حدث وتحدد موقف الواعي سياسيا من الحدث المعين، وبالتالي يكون الواعي سياسيا محصناً من أي تضليل إعلامي أو إجرام سياسي، فهو يعرف حقيقة الأطراف المتصارعة، وإلى إي جهة ينتمي كل طرف؟ وما هي أهداف كل طرف من هذا الصراع؟ ومن هنا يسهل عليه اتخاذ موقفه دون تضليل من أحد.
وباعتبارنا مسلمين فإن الإسلام هو المنظار الذي ننظر به إلى الأمور لنحدد به الصواب والخطأ، والحق والباطل، والرشد والغي، ونبني على ذلك مواقفنا، فهل نقف مع أحد الفريقين أم أن كليهما على باطل؟ وهل يجوز التقاتل بين المسلمين على أسس قبلية أو عنصرية؟! أو هل يجوز التقاتل من أجل إقامة نظام ديمقراطي؟! وهل الديمقراطية أصلا تجوز إقامتها أو الدعوة إليها فضلا عن التقاتل في سبيلها؟ وهل للوطن جنة ونار ليكون القتال في سبيله؟!...
إن الوعي السياسي يحتاج إلى دولة مبدئية تصنعه وتغذيه وتحميه وتنشره في مجتمعها... فما أحوج المسلمين اليوم إلى إقامة دولتهم دولة العز والوعي، دولة الإسلام؛ الخلافة الراشدة على منهاج النبوة لتغير هذا الواقع المرير وتوقف هذه الفوضى التي تصنعها الأنظمة الحاكمة في بلادنا تنفيذا لأجندة الكافرين المستعمرين!
* مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
رأيك في الموضوع