خرج وكيل محافظة حضرموت لشئون الوادي والصحراء عصام بن حبريش الكثيري في 20/12/2022م بتصريح فصل محافظة حضرموت عن اليمن، وإقامة نظام حكم إضافي جديد فيها. وإن كان الحدث قد اتصل بإقالته من منصبه أواخر تموز/يوليو المنصرم من محافظ حضرموت السابق فرج البحسني، وتعيين المحافظ الجديد مبخوت بن ماضي هشام السعدي مكانه، إلا أن وراء الأكمة ما وراءها.
قبل حضرموت دار الصراع على محافظة المهرة البعيدة عن صنعاء بين بريطانيا بيد مسقط ومسنوداً بأبو ظبي، وبين أمريكا بيد سلمان وابنه عام 2019م لإقامة خط أنابيب الناقلة للنفط بين الخراير وميناء قشن على بحر العرب، وصولاً إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة عام 2022م بين أمريكا وبريطانيا وتوابعهما في مطار الغيضة عاصمة المحافظة. تدور الأحداث في المحافظتين المطلتين على بحر العرب، اللتين تشكلان أكبر من نصف مساحة اليمن، وذواتي الثروات النفطية والمعدنية، وكأن الحوثيين في صنعاء لا يهمهم ما يدور فيهما من إلحاق المهرة بمسقط وحضرموت بالرياض.
دعونا نقف على الأعمال السياسية المتصلة بتصريح عصام بن حبريش. والده سعد بن حبريش الكثيري شيخ قبائل الحموم، وهو غير السلطان الحسين بن علي بن جعفر بن منصور بن محسن بن غالب الكثيري المرتبط ببريطانيا. سعد بن حبريش استدعي إلى صنعاء، والتقى فيها علي محسن الأحمر، قبل أن يغتال بعد عودته منها في 02/12/2013م، قبل دخول الحوثيين صنعاء في 21/09/2014م بأقل من عام واحد، على مدخل مدينة سيئون في نقطة شحوح العسكرية التي استحدثت قبيل وصوله إليها، بحجة عدم وجود ترخيص لسلاحه ومرافقيه! ونقلت عنه القول قبل أن يُقْتَلْ "الجماعة بغونا إن بقينا أو مشينا" لأنه لم ينصع لأوامر النفوذ السياسي البريطاني في صنعاء. وكشف بيان صادر عن هيئة علماء اليمن في 18/12/2013م بعد مقتله بنصف شهر، دعا إلى عدم تمزيق اليمن، ما يوحي بأن هناك تنسيقاً بين التمهيد لإعلان فصل وادي وصحراء حضرموت من قبل سعد بن حبريش أدَّى إلى مقتله، وبين الترتيب لدخول الحوثيين صنعاء في 21/09/2014م.
وفي السياق نفسه المتصل بحضرموت تم تشكيل النخبة الحضرمية من طرف التحالف الذي تقوده السعودية في 2016م، ومن بين قياداتها عمرو بن سعد بن حبريش، الذي دعمه نظام آل سعود بـ60 مشروعاً لتهيئة سيئون كعاصمة إدارية للوادي والصحراء. ومن المهام الموكلة لقوات النخبة الحضرمية أن تحل محل قوات المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، خلال 3 أشهر من توقيع اتفاق الرياض في 19/11/2019م!
لم تَكْتَفِ أمريكا بكل ذلك، فهي تدعم الحراك الثوري الجنوبي جناح حسن باعوم. ووصل سفيرها لدى اليمن ماثيو تولر برفقة سفير السعودية لدى اليمن محمد الجابر في تشرين الثاني/نوفمبر 2018م إلى المكلا عاصمة محافظة حضرموت لحضور تسليم مهام خفر السواحل فيها لقوات موالية للرياض.
معهد فوكاياما الأمريكي للدراسات ذكر في 2010م انضمام حضرموت لجارتها الشمالية، في حال تفكك اليمن، وتحدثت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في كتابها خيارات صعبة الصادر عام 2016م عن تفكك اليمن. فالأمريكيون هم مهندسو تفتيت اليمن ويريدون وضع أيديهم على مناطق الثروات النفطية مصادر الطاقة.
الإنجليز بقي لهم محافظي محافظة حضرموت كالبحسني وبن ماضي، الذين يعارضون محاولات فصل الوادي والصحراء الغنية بالنفط عن حضرموت الساحل، والمجلس الانتقالي والمنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت. وموقفهم على صفحات صحيفة البيان الإماراتية المناهضة لتصريح عصام بن حبريش.
بالأمس البعيد كانت بريطانيا، "وممثلها مارك سايكس طرف في تمزيق بلاد المسلمين إلى جانب فرنسا بممثلها جورج بيكو"، تعزف على وتر فصل حضرموت عن اليمن، في ظل صراعها مع أمريكا التي كانت تؤذيها 1962-1967م بالقوات المصرية من تعز ورحلت عن شمال اليمن بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967م. ولكن بريطانيا تراجعت عن فصل حضرموت حين تمكنت من ضمان بقاء جنوب اليمن بأكمله تحت نفوذها السياسي عن طريق تسليمها الحكم للجبهة القومية. أما أمريكا فقد جاءت بفكرة تقسيم محافظة حضرموت إلى محافظتين الساحل والوادي والصحراء، وتمهيداً لذلك جُعِلَتْ التسمية الحالية وكيل محافظة حضرموت لشئون الوادي والصحراء في 2005م.
لقد نتج هذا التشظي لليمن في ظل الحوثيين وغياب مشروعهم السياسي. نحن على علم مسبق بأن غياب المشروع السياسي لأي جماعة راكبة موجة التغيير خطير جداً! لأن غيابه يجعلها ريشة في الهواء تتقاذفها القوى السياسية الدولية المؤثرة في المنطقة الحيوية من العالم وتحديداً أمريكا التي تمتلك عملاء إقليميين فاعلين مؤثرين عليها، ومجموعة ارتباط سياسي ومخابراتي داخلها تعمل لصالح أمريكا.
سواء أدرك الحوثيون أنهم عامل مباشر في تفتيت اليمن، أو غير مباشر، أو لم يدركوا، ففي الحالتين كارثة قال تعالى: ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً﴾. فما يدور في عموم اليمن والمهرة وحضرموت خصوصاً ثمرة من ثمار الحوثيين المُرَّة.
فهلا أدرك الحضارم والجنوبيون والحوثيون ومعهم أهل اليمن بأن المشاريع الاستعمارية صغيرة وخطيرة، وأن عليهم أن يعملوا مع حزب التحرير - الرائد الذي لا يكذب أهله - لإقامة دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة في أرض الإيمان والحكمة؟
رأيك في الموضوع