عاشت الأمة الإسلامية عيد الفطر المبارك بشكل مختلف هذا العام، ظهر فيه تلاحمها وتوحدها في ردة فعلها تجاه ما حدث ويحدث مع أهلنا في فلسطين والقدس وغزّة، وانتقلت نقلة نوعيّة في معاينتها للأحداث وطريقة ردة فعلها، ما كشف عن وعي متدفق في شرايين أبناء هذه الأمة العظيمة، الذي سرعان ما سينتج حركة فاعلة، فما زالت الحقائق تتكشف يوماً بعد يوم وتؤكد المؤكد أن ثورة الأمة مستمرة في التحول والتبلور لتكون قوة دافعة للتغيير الحقيقي الذي ينشده المسلمون لبلادهم.
أكثر ما أكد ذلك هو ما يجري الآن على الأرض المباركة فلسطين وفي القلب المسجد الأقصى المبارك، الذي تبين أنه عميق جداً في وجدان المسلمين، بل أعمق من أي شيء في نفوسهم، وتبين أن هرطقات التطبيع التي عمل عليها أعداء الأمة وأذنابهم في الخليج العربي ليست أكثر من فقاعة، وثبت بالدليل القاطع أنه لا تطبيع بين المسلمين ومغتصبي الأرض المباركة فلسطين طالما أن هناك فاتحة، وطالما أن هناك مسلمين يقرؤونها في كل صلاة وفي كل وقت وحين، فقد فاجأ أهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 الجميع، بعد أن كان يظن البعض أنهم قد تحولوا وأنهم أصبحوا كما يحلو للبعض تسميتهم بــ(عرب إسرائيل) أو عرب 48 وإذ بهم مسلمون فلسطينيون، وهم الذين يتكلمون اللغة العبرية ويدرسون في مدارس الكيان ويعيشون في ظل حكمه منذ سبعين عاماً، ليتبين أن التطبيع لا طريق له في الأمة نهائياً، ولم يؤثر فيمن يعيش التطبيع، فكيف بمن سيفرض عليهم التطبيع؟ وأنها هرطقات حكام يعيشون آخر أيام حكمهم وسيرون بأعينهم قريباً جداً سقوط أنظمتهم البالية.
ما يجري الآن في الأمة من غليان هو من المبشرات الكبيرة لقرب التغيير، فقد سقطت فكرة الحدود بين الدول التي أنشأها الاستعمار وتبين أنها كذبة قد تجاوزها المسلمون، ورأينا كيف أن أهلنا في الأردن قد أطاحوا بها، وكما قال أحدهم: (يا الله الملوك شو ضحكوا علينا وعلى أجدادنا)، بمعنى أن الهالة التي كانت تحيط بالحدود الناشئة عن فكرة الوطنية قد سقطت سقوطاً مدوياً لا يمكن إعادتها وإصلاحها، ولم يعد بالإمكان ترويجها بين الشعوب مرة أخرى، وكان لصمود أهلنا في القدس والمسجد الأقصى دور كبير، فهم الذين حرّكوا مشاعر الأمة الإسلامية كاملة، فاندفع أهلنا في الأردن واجتازوا الحدود، بل داسوها وداسوا معها كل ما قدّسته هذه الأنظمة وما أوهمت به شعبنا، وأن الأردن دولة وفلسطين دولة وسوريا دولة...الخ، وهذا التحول سيكون له شأن في المستقبل القريب، فالشعوب فهمت أن الأنظمة التي صنعها الاستعمار وضحكت على أجدادنا بالحدود المصطنعة لن تستطيع الاستمرار بالضحك علينا، وأننا أمة واحدة من دون الناس لا يفصل بينها حدود ولا ملوك.
ومن الأمور التي ظهرت جليا هذه الأيام أن كيان يهود أوهى من بيت العنكبوت وأن ما كان يتبجح به (القبة الحديدية) هي قبة كرتونية لن تمنع المسلمين من تحرير أرضهم المباركة، وكما لم تستطع القبة منع صواريخ الفصائل الفلسطينية من الوصول لعمق الكيان، فعاشوا الرعب في الملاجئ كالجرذان، فإنهم لن يستطيعوا منع المسلمين من النهوض مرة أخرى، وقلعهم وقلع كيانهم الهزيل بكل بساطة، فما فعلته الفصائل لا يساوي عشر معشار ما ستفعله جيوش المسلمين قريباً ليس بالكيان فقط بل وبداعميه ورعاته الصليبيين.
أما في سوريا فقد عرض الشباب أنفسهم للنظام التركي لنقلهم إلى فلسطين لقتال يهود كما ساقهم من قبل إلى ليبيا وأذربيجان لخدمة المصالح الأمريكية، لكن هذه المرة بدون أي مقابل، فقط خذونا علّنا نستشهد على ثرى القدس والمسجد الأقصى، وهذا ما يعبر عن شوق الأمة لقتال أعدائها تمنعهم من ذلك أنظمة الضرار، ولكن ذلك لن يطول فأحداث الأقصى وغزة الأخيرة كشفت عن كثير من مكنون قلوب المسلمين شرقاً وغرباً وفضحت تآمر الأنظمة عليهم وعلى مقدساتهم، مما وضع هذه الأنظمة أمام المحاسبة مباشرة، وأنه لم يبق إلا أن تتحرك الجيوش لخلع هذه الأنظمة والإطاحة بها وإعادة السلطان للمسلمين ليختاروا من يحكمهم ويحقق مصالحهم.
حدث المسجد الأقصى الأخير كشف عن توحد الأمة فكرياً وشعورياً رغم الفوارق بين دولها المختلفة، وعاد الحديث عن كون قضية فلسطين قضية إسلامية وأنه يجب تحريرها كاملة من عصابات يهود، ولم يعد يذكر أحد حدود 67 والضفة وغزة، لأنها لم تعد تشبع نهم المسلم المتابع والمتحرّق لقضايا أمته، ووصل الأمر لمطالبة الجيوش بأخذ دورها الذي بنيت لأجله في حماية المسلمين والدفاع عنهم وعن مقدساتهم حتى أصبح حديث الشارع في كافة أرجاء البلاد الإسلامية، والذي كنا ولا زلنا نعتبره أهم مطلب يمكن أن يختصر معاناة المسلمين ويحقق أهدافهم في التغيير وخلع نفوذ الغرب من بلادنا.
انحياز الجيوش إلى الأمة في كل البلاد الإسلامية يجب أن يكون عنوان المرحلة المقبلة، والدعوة لذلك يجب أن تشغل مساحة واسعة في كل أدبيات المسلمين والجماعات العاملة للتغيير، ولقطع يد الغرب عن التحكم في مصيرنا ونزع العامل الأهم في عملية التغيير من براثن أعداء الأمة، التي يركن إليها الغرب الصليبي لحماية نفوذه، فتكون المعول الذي يسقط نفوذه يجرّف مصالحه، ويقضي على تسلطه وجبروته، فيوقف نهبه وسرقته لخيرات بلادنا وشعوبنا.
لقد غيّر عيد الفطر هذا العام خارطة سير الأمة ووجّهها بالاتجاه الصحيح نحو التفكير عميقاً في إقامة دينها ودولتها التي تدافع عن الإسلام وتحفظ مصالح المسلمين، فتحرر الأرض المغتصبة وتجتث كيان يهود وتخلع من بلادنا نفوذ أمريكا وبريطانيا وباقي المستعمرين، فنقيم على أنقاض أنظمة العمالة والتجسس نظام الإسلام العظيم في دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تطبق الإسلام على المسلمين وتحمله للبشرية رسالة رحمة من رب العالمين.
رأيك في الموضوع