بلد ارتوى ترابه من دموع المسلمين المقهورين المظلومين ودمائهم الزكية. بلد بمجرد ذكره يخطر على البال الاضطهاد والتعذيب والمذابح والمجازر. بلد قد تحول تماما إلى معتقل كبير تمارس السلطات الصينية ضد أهله المسلمين أبشع الجرائم بحجة إعادة التثقيف والتعليم. بلد الاعتقالات والتهديدات فيه لا تنتهي ولا تتوقف أبدا وكأن الناس يحتاجون إليها حاجتهم إلى الهواء والغذاء، لا يستطيع الإنسان العيش بدونها. لا تدري في أي وقت ولأي سبب تأتيك الشرطة الشيوعية لاعتقالك واحتجازك. فأي بلد هو هذا البلد؟ لعلك عرفته! إنه بلد من بلاد المسلمين تحتله دولة الصين الظالمة، إنه تركستان الشرقية.
ربما يعجز المرء عن التفكير، كيف يمكن أن يحصل كل هذا الظلم؟! كيف يمكن لإنسان العيش هناك؟! نعم، إن العيش هناك هو مثل الكابوس، تخشى أن تراه حتى في منامك، ولكن يعيش ملايين المسلمين الإيغور تحت وطأة هذا الظلم.
إن حياة المسلم في تركستان الشرقية هي والموت سواء بسواء، فكونك مسلما فأنت لا تستطيع أن تحفظ دينك حتى في قلبك. فالسلطة الشيوعية تعلن الحرب على الإسلام صراحة، وتزعم أن الدين هو أفيون الشعوب وأنه يصنع الإرهاب؛ لذلك قامت بحرق المصاحف، وهدم المساجد أو تحويلها لملاهٍ ومقاهٍ، ومنعت جميع مظاهر الإسلام. لا تمتنع الحكومة عن استخدام أية وسيلة لمحاربة الإسلام؛ فهي تحرم المسلمين من الصلاة سواء في المساجد أو حتى في بيوتهم، وتمنعهم من تبادل تحية الإسلام (السلام عليكم) عند اللقاء. أما في شهر رمضان فالصوم ممنوع حيث يجبر المسلمون على الأكل والشرب أمام عيون أفراد النظام في نهار رمضان، وإلا يتم اعتقالهم فوراً بدعوى أنهم إرهابيون. في المعتقلات العسكرية تمارس أبشع وسائل وأساليب التعذيب على المسلمين في كل حين، حتى وأنت تقرأ هذا المقال فإن مسلمي الإيغور يتعرضون للتعذيب المميت.
ليست حياة مسلمي الإيغور خارج المعتقلات أسهل من داخلها، فجميعهم مجبورون على العمل القسري مثل العبيد في المصانع الكبيرة أو الحقول بأجور زهيدة أو حتى بدون أجرة، يجبرون على تلقي دروس في الشيوعية ويحرمون من العودة إلى عائلتهم، تجد في كل ٥٠ مترا كاميرا للمراقبة، ونقاط التفتيش على الهوية موجودة في كل ٣٠٠ متر، وعند الخروج والدخول إلى منازلهم يتم تفتيشهم قسرا.
أما أحوال النساء المسلمات فهي أكثر صعوبة، فهن أيضاً يعتقلن ويرسلن إلى معسكرات الاعتقال في أي وقت تريده السلطات الصينية بدعوى تصحيح العقيدة، ويتعرضن دائما للتعذيب وحتى الاغتصاب الجماعي، ويخضعن لتناول الأدوية واللقاحات لتعقيمهن وحرمانهن من الإنجاب، ويجبرن على كشف عوراتهن أمام الرجال. وفي خارج المعتقلات تمنعهن الحكومة من ارتداء الخمار بل وتمزق ملابسهن إن كانت طويلة فور رؤيتهن. بعد اعتقال أزواجهن يسكن في منازلهن رجال صينيون ليبيتوا هناك وليراقبوهن ويتجسسوا عليهن طوال الوقت. نعم، هذا ليس كذبا ولا افتراء، ولا هو وهمٌ أو أسطورة تاريخية قديمة، بل هذه الجرائم وأكثر تحدث في عصرنا هذا الذي يدعي الغرب فيه حماية حقوق المرأة، فهل يمكن أن تبحث عن الحقوق الأساسية للنساء المسلمات الإيغوريات؟
أما الأطفال في تركستان الشرقية فأحوالهم جد مؤلمة، وينتظرهم مصير أكثر إيلاما. فقد أصبحوا أيتاما وآباؤهم على قيد الحياة، محرومون من عناية وحنان آبائهم وأمهاتهم، فأي قلب يستطيع تحمل بكائهم؟! هم أيضاً يحبسون في حضانات تديرها الدولة لـ"تصيينهم"، وبعبارة أخرى لتربيتهم وتنشئتهم على القيم الشيوعية؛ لجعلهم شيوعيين وأعداء لدين الإسلام، وجهلاء بثقافة دينهم وقوميتهم، وعبيدا للسلطة الصينية يساعدونها في جرائمها ضد أهلهم ودينهم.
كما أسلفت هذه ليست حكايا خيالية، ولا هي أساطير تاريخية، بل هي أحداث حقيقية تحدث في بلد مبارك، بلد المجاهدين الصابرين الإيغور وسط صمت حكام المسلمين. لقد تجاوز ظلمهم كل حدود الإنسانية وفاق جميع التصورات. والسؤال الملح هو متى تنتهي معاناتهم؟ ومن يعمل لإنهائها؟ من ينتقم من الصين الظالمة؟ هل هي الأمم المتحدة التي رغم ما تراه من إبادة جماعية ضدهم اكتفت بالتعبير عن قلقها من هذا الوضع؟! هل ينتظر المسلمون منها نصرتهم، وهي التي تؤيد أكابر المجرمين وتساعدهم على ظلمهم بصمتها عنهم ومساعدتها الخفية لهم؟! هذه مأساة المسلمين وحال حكام المسلمين. لقد أثبت هذا أنهم خائنون، صم بكم عمي فهم لا يعقلون، لا يرون إلا مصلحة كراسيهم، ولا يشعرون بالعار عندما يدافعون عن جرائم الصين ضد المسلمين!
إن الذي ينهي معاناة المسلمين ويحميهم من بطش الكفار المجرمين، ويمكنهم من التمسك بدينهم وتأدية عباداتهم هو الخلافة، فالإمام كما أخبر رسول الله عليه الصلاة والسلام جنة يقاتل من ورائه ويتقى به، فهو يحمي المسلمين من شرور الظالمين. ألم يأن للمسلمين أن يدركوا هذه الحقيقة ويعملوا مع حزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، وعد الله الذي لا يخلف وعده؟!
بقلم: الأستاذة آسيا الإيغورية
رأيك في الموضوع