انطلقت يوم 14 نيسان/أبريل 2018، الحملة الانتخابية البلدية في تونس للتنافس على 2074 قائمة، والجديد في هذه الانتخابات هو أنها تعد الأولى بعد الإطاحة بالرئيس التونسي السابق، زين العابدين بن علي، كما أن هذه الانتخابات ستشكل منعطفًا مهمًّا، إذ يعكف البرلمان على مشروع قانون يوسع صلاحيات البلديات، ويمنحها مزيدًا من الاستقلالية في آلية اتخاذ القرار، كما ستشهد الانتخابات البلدية في تونس لأول مرة مشاركة رجال الأمن والجيش في الاقتراع، حيث سيدلي الأمنيون والعسكريون بأصواتهم يوم الأحد 29 نيسان/أبريل 2018 في حين يقترع بقية الناخبين يوم الأحد 6 أيار/مايو الذي تسبقه فترة الصمت الانتخابي ومدتها يوم واحد وتوافق يوم السبت 5 أيار/مايو 2018، وسيتم الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات بين يومي 7 و9 أيار/مايو، كحد أقصى.
ويُتوقَّع أن يساعد القانون الجديد المطروح حاليا على مجلس النواب لمناقشته والتصويت عليه، المجالس البلدية والمعروفة أيضا بالنيابات الخصوصية، على تحقيق استقلالية مالية أكبر: تتجاوز الإمكانات الممنوحة حاليا والمقدرة بنسبة أربعة في المئة فقط من موازنة الحكومة، وذلك عبر تنويع مصادر تمويلها، وتزويدها بالإرشادات حول كيفية تخصيص هذه الأموال، كما يضمن لها القانون الجديد محل النظر، القدرة على إعداد مشاريع إنمائية وتطبيقها، بما يساهم في استحداث الوظائف وتحفيز النمو. بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها، حيث ستتولى الإشراف على إدارة الأصول المالية ووضع الموازنات، كما حدّد هذا القانون الجديد علاقة البلديات مع كيانات أخرى، منها منظمات المجتمع المدني، وأجهزة الدولة، والهيئات الدولية.
وتمثل هذه الانتخابات بالنسبة للأحزاب مؤشرا على توجه الناخب التونسي في الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة بعد عام. ولذلك ستحاول الأحزاب السياسية التي ستحقق أداءً جيداً في الانتخابات المحلية كحركة النهضة ونداء تونس أن تدعم منح سلطات أكبر للمجالس البلدية التي تسيطر عليها، أملاً في أن يؤمّن لها ذلك أيضاً الشعبية المحلية الضرورية لإحراز نتائج جيدة في الانتخابات البرلمانية في العام 2019. أما الأحزاب التي سيكون أداؤها سيئاً في الانتخابات المحلية كالجبهة الشعبية، فسوف تحاول عرقلة عملية تطبيق اللامركزية وتعطيل عمل هذه المجالس عبر منع إقرار مجلة الجماعات المحلية.
ويرى مراقبون أن هناك خطورة من عدد القوائم الانتخابية الكثيرة في تونس، الأمر الذي قد يعزز من مخاوف عزوف الناخب التونسي عن الانتخابات، بسبب التشتت بين القوائم الانتخابية الكثيرة، الأمر الذي سيصب في صالح الأحزاب الكبيرة، حيث أشار آخر استطلاع للرأي حول الانتخابات البلدية إلى أن نسبة المستعدين للمشاركة لا يتجاوز ثلث الناخبين.
ومع اقتراب موعد الحملة يستحضر الأهل في تونس ما حصل خلال الحملات الانتخابية سنة 2014، حيث أقدمت أحزاب بمناسبة تلك الانتخابات على القيام بعمليات ترويج انتخابي مشبوهة ورافقتها العديد من الاتهامات بشراء ذمم الناخبين ومحاولة استقطابهم بالأموال وبغيرها من الهدايا والعطايا المختلفة، فضلا عن عدم اتضاح مصادر تلك الأموال التي تم إنفاقها، حيث يغلب على الظن أن بعض السفارات الأجنبية بالإضافة إلى بعض رؤوس المال الفاسدين كانوا ضالعين في تزوير إرادة الناخبين، وإذا استمر الأمر على هذا النحو فمن المنتظر أن تتواصل التجاوزات بمناسبة الحملة الانتخابية للانتخابات البلدية.
وقد أثارت زيارة السفير الفرنسي أوليفييه بوافر دارفور لهيئة الانتخابات في تونس واجتماعه بمجلس الهيئة في عمق المرحلة الانتخابية، جدلاً سياسياً وغضباً لدى ناشطين لما اعتبروه تعديا على سيادة البلاد، حيث تساءل عدد من النشطاء عن أسباب الزيارة، محذرين من تدخل الأجنبي في الانتخابات البلدية المُقبلة. وأثارت صور سفير فرنسا دارفو، وهو في مقر هيئة الانتخابات، موجة سخرية غير مسبوقة من قبل صحفيين ومدونين، وذهب بعضهم لوصفه "بالملح الذي لا يغيب عن طعام ولا عن مقام" ووصفه آخرون بـ"المُقيم العام الفرنسي" الذي تجاوز كل الحدود والأعراف الدبلوماسية.
ولم يقتصر الأمر على السفير الفرنسي، حيث صرح رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، محمد التليلي المنصري، إلى أن هذه اللقاءات "حصلت أيضاً مع سفراء رومانيا وأمريكا وغيرهما، كما تم العمل بهذا الإجراء مع الهيئات السابقة ومع الرؤساء المتداولين على الهيئة".
كما أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيرسل فريقا مكونا من 80 شخصا لمراقبة الانتخابات البلدية، عقب تلقي دعوة من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كما أن الممثلة العليا للشؤون الخارجية وسياسات الأمن فريديريكا موغريني كلفت عضو البرلمان الأوروبي فابيو ماسيمو كاستالدو بترؤس هذه البعثة.
في ظل فقدان البلاد لسيادتها لصالح عدوها، حيث يصول السفراء الأجانب ويجولون في طول البلاد وعرضها، وحيث إرادة حكام تونس مشلولة وخاضعة لإملاءات صندوق النقد الدولي، فإن معركة الحكم في بلاد المسلمين لا تحسم بالانتخابات وإنما بالدعم الخارجي وبإسناد من القوى الباطشة، فالمعركة الحقيقية تدور في أروقة السفارات ودهاليز المؤامرات بينما تكون الانتخابات مجرد غطاء، وعنصر تغلف به عملية صناعة القرار لتبدو محلية وشرعية، فالحضارة الغربية مغرمة للغاية بصناعة التغليف والتعليب، ولا يصح أن تخرج عملية الاحتلال ونهب الشعوب دون غلاف مناسب يجعلها جذابة وبراقة.
فالانتخابات التي حدثت في تونس بعد الثورة لم تكن سوى مسرحية أخرجها الغرب ضمن إطار حضارته حتى لا تخرج الأمور عن سيطرته، فدستور الـتأسيسي أشرف عليه اليهودي فيلدمان وبحضور ممثلي بعض الشركات الأجنبية المتنفذة التي تنهب البلاد، ولما أراد النواب سن قانون العزل السياسي حدثت الاغتيالات وأجبرت الفئة الحاكمة المنتخبة على ترك الحكم. وعندما تحرك الناس للمطالبة باسترجاع ثرواتهم، غضبت السفارات وتحرك الإرهاب وخير الشعب بين الدفع إلى المجهول أو الرجوع إلى الديار.
ولن تشذ الانتخابات البلدية هذه عن سابقاتها، حيث الفشل الذريع ينتظرها، خاصة في ظل مشهد سياسي مرتبك وغير مستقر وحراك اجتماعي مستعر سقف مطالبه عالية وظروف نمو وتنمية محلية وجهوية صعبة للغاية مع اقتصاد منهك وضعيف واقع تحت وصاية صندوق النقد الدولي.
ولا يتصور خروج المسلمين في تونس من تبعية القرار السياسي للخارج إلا بمشروع حضاري من خارج المنظومة الغربية تتبناه الأمة وتضعه موضع التطبيق والتنفيذ بمساعدة أهل القوة فيها، أي بقيام دولة يكون السلطان الكامل فيها للمسلمين، وهذا لا يكون إلا بدولة ذات شوكة وهيبة تستند في قرارها وسياستها إلى سيادة الشرع وسلطان الأمة دون غيرهما، أي بخلافة راشدة على منهاج النبوة.
بقلم: الدكتور الأسعد العجيلي
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس
رأيك في الموضوع